أمام صفحة بيضاء ومؤشر للكتابة يلمض بشكل استفزازي وبعد عدة محاولات للتفتيش في الفكر عن موضوع ما للكتابة، صرخت: أكره الأمطار، غريب أمري أنا التي أستمتع بموسم المطر صرت أكرههُ، صحيح ولكني لا أكره أمطار السماء، أنا أكره أمطار المعلومات، غيوم مواقع التواصل وقنوات التلفزيون استفزتني بأمطارها التي لا تنقطع، تهطل في كل يوم وفي كُل ساعة أفسدت تربة عقلي وعطلتها عن تحليل المعلومة .
بلى جميعنا أصبحنا نُعاني من تزاحم المعلومات وتضاربها، غُزينا فكرياً وسُلبت عقولنا إمكانية استيعاب المعلومة ومعرفة الصحيح من الكذب.
في إحدى مرات التصفح العشوائي في أحد مواقع التواصل استوقفتني صورة أحد لاعبي المنتخب العراقي مرفوق بإسم شخص آخر، استغربت هذا الفعل فأنا أعرف اسمه جيداً، عرفت فيما بعد أن هذه الطريقة أصبحت متداولة عند اغلب الصفحات لغرض إثارة الجدل وزيادة عدد التعليقات، ولكني بعدها اكتشفت أن هذه الطريقة تُستخدم للتجهيل وتشكيك العقل بمعلوماته فيسهل السيطرة عليه .
فضولنا البشري يجرنا للبحث في مواقع التواصل أو المشاركة في نقاشات مختلفة حولنا حتى أثناء قيامنا بأعمال مهمة، وهذا يعني أننا أمام معضلة عدم التركيز لفترة طويلة في أداء أعمالنا أو دراستنا بل حتى متعتنا باتت لا تستمر بلا تشتت .
يذكر بعض الباحثين أن أفضل وسيلة لنشر الجهل تتمثل في خلق مناخ يتم فيه التشجيع والحث على النقاش أو حتى الصراع، على شرط أن يكون متكافئاً ومتوازناً بين فكرتين أو جبهتين، وأن لا يسمح لأحدهما بالتفوق والغلبة على الآخر، بل الإبقاء على حالة التكافؤ بين وجهتي النّظر، لتكون النتيجة في الغالب هي غياب النتيجة، وهذا هو المطلوب.
وكُل مايحدث الآن يُسبب لنا التشتت، وبذلك نحن نفقد أهم صفة بل ركن مهم من أركان الأخلاق الإسلامية نحتاجها لنواجه كُل صعوبات الحياة، نحن نفقد "الصبر"، فقدان الصبر يعني عدم الإنتاجية في أي عمل .
حتى وأنا أكتب هذا النص تشتت مراراً، بين إشعار رسالة من صديقة أو منشور في احدى الصفحات وسؤال من الأهل للتأكد من معلومة، تركت الموضوع معلقاً ثلاث مرات بسبب إنشغال الفكر بشيء آخر، أصبح من الصعب أن نُصبر عقولنا على التركيز في عمل واحد .
يمكننا القول أننا نحن في زمن زخم المعلومات وهطولها المستمر أمام سيف ذو حدين، فتارة التعلم مطلوب ومواكبة المستجد مستحسن ولكن في نفس الوقت لا نغفل أن المطلوب من التعلم ما ينتج عنه عمل، روي عن أمير الكلام علي عليه السلام: (العِلم مقرونٌ بالعملِ فمن علم عمل والعلم يهتف بالعمل فإن أجاب أجابه وإلا ارتحل عنه) .
ولمواجهة هتان مطر المعلومات نحن نحتاج إلى إدارة حقيقية لطريقة إستقبالنا لها، نعمل على تحديد مصادرها وعدم السماح لفضولنا بالتمادي وسحبنا إلى المنشورات العامة دائماً، تدريب النفس على التريث بتصديق أي معلومة ومحاولة البحث والسؤال للتأكد، إعطاء العقل تنبيه مستمر أن لا كُل ما تقرأ تُصدق .
في ذات الوقت لا نستجيب لدعوة ترك مواقع التواصل وعدم التواجد فيها لأننا من خلالها نستطيع تحقيق مُنية الإمام الباقر عليه السلام حيث جاءه أحد أصحابه فقال له: (إني أجلس وأقص وأذكر حقكم وفضلكم. فقال عليه السلام: وددت على كل ثلاثين ذارعا قاصا مثلك)، يسهل علينا الآن أن نكون ذاكرين لحق الآل وفضائلهم من خلال نشرها في مواقع التواصل وبذلك نجعل لتواجدنا هدف وبذلك الهدف نقلل شيئاً من التشتت واللاهدفية .
اضافةتعليق
التعليقات