كثيرا ما رددنا عبارة أطفال اليوم هم رجال الغد, غير أن حاضرنا يثير التوجس من الغد المرتقب, لما يحمله من صراع في دوامة العصر الإلكتروني وغيره من وسائل الترفيه التي باتت مشكلة عويصة يعاني منها ثلة من الشباب وحتى الشابات ليعيشوا مغيبون في دوامة اللاوعي بعيدا عن العالم برمته..
(بشرى حياة) سجلت هذه الجولة الاستطلاعية حول هذا الموضوع:
لا افراط ولا تفريط
بدايتنا كانت مع الناشط والمهندس محمد الدعمي إذ استهل حديثه قائلاً: حتى لا نقع في مغالطة التعميم ونقول كل الشباب العراقي، بل نقول هنالك نسبة واضحة من الشباب نستطيع أن نطلق عليها الشباب المغيب, وهم الذين يقضون أغلب وقتهم في العالم الافتراضي متنقلين ما بين التواصل الاجتماعي والألعاب الالكترونية!.
وإن قرر أحدهم أن ينزل إلى أرض الواقع فتراه في المقاهي مع الاركيله وفي قاعات البلياردو!، أنا مع القاعدة الفلسفية التي تقول (لا افراط ولا تفريط).
لا أكون مدمنا لهذا الفعل ولا أكون رافضا له كليا, فلكل شيء سلبيات وايجابيات، لنأخذ ما ينفعنا من العالم الافتراضي والواقعي ولنترك ما يضرنا منهما.
فنحن الفئة الشابة قوام البلد وبنا ينهض ويعمر, فلنخصص جزءا من وقتنا للعمل الانساني, والنشاطات التطوعية والثقافية وبذلك نتحول من شاب مغيب إلى شاب فاعل ومؤثر في المجتمع.
بينما سارة أحمد/ طالبة جامعية لا تلقي اللوم على أولئك الشباب بل تعتقد أن لهذا السلوك أسباب عدّة بينتها قائلة: "أهمها عدم وجود أماكن حاضنة للهوايات أو المواهب، فلو تواجدت أماكن مخصصة ليمارس الشباب فيها هواياتهم في أي جانب تكون، أو أن يطوروا مهاراتهم فيما ينفعهم بهذا سيقضون على أوقات الفراغ وقلّ تسويف الوقت وضياعه في استخدام الإلكترونيات.
فإذا ما أردنا الحفاظ عليهم ومنع ضياعهم لابد أن تكون هناك خطط كثيرة تبدأ بالعمل على كيفية تطوير المواهب, والمهارات, والاستفادة منها بشكل يعول بالنفع على الفرد ذاته, وعلى مجتمعه, وبالتالي نخلق للكثير فرص يقضون فيها جزءاً من أوقاتهم في أمور يحبونها ونافعة لهم ولمجتمعهم.
كما أضافت: هناك حالة رصدتها لرجل متزوج وأب لثلاثة أطفال إذ يعيش نهاره وليله بالتنقل في مواقع التواصل, حتى بدت زوجته تتذمر وتشكو فنشبت بينهما مشاكل جمة دون ايجاد حل في الأفق, وهذا ما يعاني منه الكثير إما الادمان على الالكترونيات أو الكافيهات التي لا تخلوا من المخاطر وبالذات على المراهقين, والخوف يكون أكبر على الفتيات في هذا الأمر.
مشكلة لا يستهان بها
فيما أدلى دكتور علم النفس عبد عون المسعودي رأيه في صدد هذا الموضوع قائلا: "إن الشباب هم عكاز المجتمع وما يحصل الآن مشكلة لا يستهان بها.
فقد أكدت مدارس علم النفس وخصوصا المدرسة السلوكية وبكل نظرياتها على أن سلوك الإنسان يتأثر بما يحيط به من مثيرات, أي إن سلوكه هو نتاج تأثير بيئته, سواء في البيت, أو المدرسة, أو غيرها من جوانب البيئة, وإن الإنسان في مرحلة المراهقة, والشباب, يكون أكثر تأثرا بما يحطه, محاولة منه لتحقيق أهدافه في التوافق, والتكيف.
وإن البيئة العراقية مع الأسف أصبحت جاذبة لسلوكيات غير مرغوبة لم تكن موجودة سابقا, إذ نلاحظ تأثر بعض الشباب الذين يرتادون المقاهي والمكوث بها لساعات متأخرة, والادمان على شرب السكائر بكثرة, والأركيلة, اضافة إلى التعاطي لحبوب المخدر والتي أصبح انتشارها مرعباً.
الأسباب
تعددت الأسباب في تفشي هذه المشكلة منها تداخل ثقافات الشعوب بفعل وجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي, وضعف الرقابة القانونية والأمنية لهكذا أماكن, سوء التربية الأسرية والاجتماعية, من خلال استخدام أساليب خاطئة كالتسلط والإهمال والدلال وغيرها.
المعالجة
إن المدرسة العراقية اكتفت بتقديم المنهج العلمي الذي يخص الجانب العقلي للشخصية, وإهمال الجوانب النفسية, والاجتماعية, والروحية, والصحية, والتربوية, كما يقع على عاتق الحكومة الجزء الأكبر لهذه المشكلة, وهي تزايد حالات البطالة, إذ إن الشباب العاطل يشعر بإهمال الحكومة له على المستوى العام, أو الخاص, فمن المؤكد يلجأ إلى تبني سلوكا غير مرغوب كردة فعل, ومحاولة لسد أوقات فراغه, والهروب من واقعه واحباطاته, وللحد من هذا يجب أن ندعو لمراجعة أنفسنا أولا آباء, ومعلمين, وعلى الدولة القيام بواجباتها للحفاظ على ما يمكن حفاظه.
ونحن بدورنا نقوم بجلسات سلوكية, وتحليلية, ومعرفية تساعد على تخفيف وطأة هكذا حالات تدريجيا إلى أن يشفى المصاب ويخرج من مرحلة التغيب التي يقبع بها, أما الادمان فيعالج حسب ظروف الشخص المصاب, سواء ادمانه على شرب السكائر, الاركيلة, أو الكحول وغيرها.
مضامين أخرى
من جانبها قالت الباحثة الاجتماعية نهى البهادلي: الفراغ الذي سببه البطالة هو العامل الأساسي بتزايد هكذا حالات, والتي تجبر الأغلبية من الشباب والشابات للجوء إلى العوامل المضيعة للوقت باللاشعور والإدمان على الإلكترونيات وقد تلحق تلك المسليات الوقتية ضررًا سيئاً جداً, إذ تؤثر على المستوى النفسي, كما تسبب اضطرابات في النوم وفشلاً على صعيد الحياة الخاصة أو الدراسة، وكسلاً وخمولاً وعزلة اجتماعية، إضافة إلى التوتر الاجتماعي, وفقدان المقدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة, فضلاً عن التباعد في الشق الديني الناتج عن كثرة الإدمان والانحراف المعتقدي, والتهاون عن اداء الفرائض والالتفاتة إلى العلاقة الربانية والتي تولد النشاط والاتزان والاهتمام بصنع مستقبل وحياة هانئة لدى الفرد.
كما لها مضامين سلبية خصوصاً في مستوى الصحة, قد تنتهي بإعاقات أبرزها الاصابة بسوفان الرقبة, وخدر الكفين, وآلام الظهر وتشكل خطرا محتما على البصر, وتباعد الرؤية الدماغية وعدم التركيز والقدرة على إنجاز أي شيء.
حلول ومعالجات
هنا يكمن دور الدولة في تدبير الوظائف والأنشطة اللازمة والقيام بها, كافتتاح مؤسسات وجمعيات كشفية وانسانية وثقافية لاحتضانهم وإقامة ندوات تثقيفية, وعملية, وتبني جميع المواهب لتنميتها وتطويرها, وتعيين لجان مختصة بوضع خطط أعمال تحتوي أفكار جميع الشباب في دائرة تنفيذية, وتوسيع الأفق الاجتماعي على صعيد العمل بصورة عامة لكي تساهم في بناء مجتمع وجيل واعٍ.
اضافةتعليق
التعليقات