قرأت مقالة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بعنوان انقذونا من التلفزيون تتحدث في مطلعها عن مقوله لأحد الحكماء والتي تقول "توجد في طريق العظمة أربعة عوائق، وهي: الكسل وحبُّ النساء، وانحطاط الصحّة والإعجاب بالنفس". تضيف الكاتبة في مقالها على هذه العوائق الأربعة هو إدمان المرء الفضائيات وربما كان أخطر العوائق على المبدع، انصرافه عن الكتابة والإبداع، وهدره وقته في اللهاث مشاركاً في هذا البرنامج أو ذاك.
أقول لك يا عزيزتي الكاتبة عندما كتبتِ هذا المقال كانت مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وجه التحديد الفيس بوك غير منتشرة ولم يعاصر مقالك ثورة التطور الالكتروني. أنا أقترح عليكِ إعادة النظر في مقالك وابعثي رسالة شكر وتقدير إلى التلفاز لأن مخاطره على البشر لا شيء أمام الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.
أما الحكيم الذي كتب هذه الحكمة: لو عاصر جيل مواقع التواصل الاجتماعي ورأى ما فعل التطور الالكتروني بهم لقال أن أكبر العوائق في طريق الحكمة والتطوير هي الفيس بوك وتويتر وانسكرام وتلكرام ووو... برامج التشويش والجهل والضعف الثقافي.
لا أعتقد أن هناك من يشكك اليوم في أثر تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءا رئيسيا من حياة معظمنا، منذ أن بدأت الثورة التي أطلقها موقع «فيسبوك» ثم «تويتر» و«انستغرام» و«سناب شات»، إلا إنه يبدو من واقع ممارستنا لهذه المواقع أننا نفتقر إلى القواعد الأخلاقية والتشريعية والقانونية لمجاراة بعض الممارسات التي تتم في تلك المواقع والتطبيقات الإلكترونية.
دائما أقولها إن برامج التواصل الاجتماعي كشفت الستار عن هشاشة المجتمع وجهله وسطحية تفكيره. ويؤسفني أن اؤكد هذا الشيء وأضيف عليه أن مواقع التواصل الاجتماعي هي الحلقة الأخيرة من انتزاع الاخلاق والقيم الاسلامية والعربية الاصيلة. وغرس بدلا عنها قيم وتقاليد أخرى غريبة وشاذة.
بسبب ضعف ثقافة الشباب في التعامل مع العالم الافتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي أخذوا سلم التقليد الأعمى مثالا لهم بدون أن يمرروا ذلك التقليد ولو لثانية على عقولهم لمعرفة الصواب والخطأ فذهبوا خلف تلك المنصات مما ساعدوا على سهولة امرار الزيف الذي ينتشر في شرايين تلك المنصات ومحاولات التلاعب بوعي المجتمع واتجاهاته خدمة لغرض دفين في بعض المحتوى الذي يلقى من خلالها.
الأخلاق هي عنوان تقدم الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان السماوية، ونادى بها المصلحون، باعتبارها أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة الراقية بين البشر، وحضارتنا العربية هي أول من خطت عنواني الأخلاق والقيم العريقة لكونها بلاد الأنبياء والصحابة والمرسلين.
انقراض الأخلاق
فيؤسفنا أن نرى الشباب العربي هش الأخلاق وضعفاء العقيدة وذلك بسبب مواقع التواصل الاجتماعي ويتسببون بانتشار كل ما يسيء إلى عقيدتهم وقيمهم فعندما تتصفح في أحد مواقع التواصل الاجتماعي وترى حفلة زفاف لمثليين في إحدى الدول العربية ومنتشرة بصورة غير طبيعية وعندما تدخل إلى التعليقات لتقتل آفة الحشرية في داخلك تُصدم أن هنالك من يقول دعهم هذا قرارهم الخاص. وآخر يؤيد فعلتهم البشعة فهنا تقول فعلا أن الأخلاق العربية في طريق الانقراض.
مسخ الانسانية
وعندما ترى فيديو منتشر لطفل يتحدث بلهفة مع أمه أو التي يظن أنها أمه ويبكي لشوقه لها بصورة محزنة وبدلا من أن نتعاطف مع هذا الطفل نضحك عليه ويصبح ايقونة للابتذال والضحك والسفاهة, بأي حق تشهرون بشخصية الطفل هل تقبلون على أطفالكم هذا التقليل من الشأن؟ هل فكرتم بنفسية الطفل عندما يرى هذا الابتذال منه، هل دينكم وأخلاقكم تسمح لكم بذلك؟ إذن مواقع التواصل الاجتماعي لم تمسخ الأخلاق العربية ولكن مسخت حتى الانسانية.
تمجيد الأفعال الشاذة
تمجيد النماذج المنحطة والتصفيق لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأفعالها الشاذة معنى ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي أخطر علينا من أنفسنا فعندما نمجد طالب يهين أستاذه لأي سبب من الأسباب فهنا قم للمعلم وفه التبجيلا نقرأ عليها السلام وأي رسول يهان على يد أبنائه وطلابه، ولايردع هذا الطالب من قبل المجتمع لابل يصفق له ويضعون له تاجا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لأي سبب من الأسباب لايهان المعلم ولا يجب علينا أن نشيد بفعلة من هان معلمه هانت عليه نفسه؟.
محاضن الفتنة
بات من المألوف رؤية عدد من المنشورات في الفيس بوك أو على تويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تحتوي على عبارات تحاول المساس من الرموز الدينية من خلال بعض الصور الساخرة والتعليقات المسيئة لمذهب معين، إن مثل هذه المنشورات التي ربما لا يعرف من يقوم بنشرها مدى خطورتها لأنها تزرع الكره والحقد بين أبناء الشعب الواحد. وكما مهدنا سابقاً إن سذاجة وهشاشة مستخدمي الفيس بوك تذهب خلف هذه المنشورات بدون أدنى تفكير وتفتح ساحة القتال بين الأصدقاء أو حتى الغرباء عبر التعليقات فمنهم من يؤيد هكذا منشورات ويبدأ يضحك ويستهزئ ومنهم من هو ضد هذه المنشورات ويغضب منها وتبدأ المهاترات والقذف بالكلام بين الطرفين وتنتهي إلى عداءات.
هذا لا يعني أن وسائل التواصل الاجتماعي سيئة إلى هذا الحد فوسائل التواصل الاجتماعي ليست سيئة بطبيعتها، وتتمتع بالقدرة على إعطاء نتائج جيّدة، مثلما هو الحال حين تسلّط الأضواء على الأضرار والمآسي التي كانت خفيّة في السابق، وحينما تمنح صوتاً ومنبراً للمجتمعات الضعيفة.
فكل تقنية اتصال جديدة تأتينا مصحوبةً بمجموعة من التأثيرات البنّاءة والهدّامة، ولوسائل التواصل الاجتماعي العديد من التأثيرات البناءة والمفيدة ولكنها مغيبة الاستخدام. وغطت عليها كثرة تداول المؤثرات الهدامة مما أعطت الصورة السيئة لهذه البرامج فبدلا من أن يكون التطور الالكتروني سبب في الرقي وتسلق سلالم النجاح أصبحت تسحب الشباب ورواد التواصل الاجتماعي إلى خطوات متأخرة وإلى حيث النزاعات والانحطاط الأخلاقي.
لذا يجب على الجهات المختصة مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وحجب المواقع التي تنشر الأمور الغير أخلاقية والتي تشيع روح التفرقة وتثير المواضيع الشاذة ومحاسبة من يسعى خلف اشاعة هكذا أمور لتسويس أفكار الشباب، في الجانب المقابل على منظمات المجتمع المدني وأشخاص من داخل القطاع التقنيّ أن يعملونطا الآن في تضافرٍ لتوجيه الشباب على التأثير الايجابي وكيفية البحث عنه من خلال نشر دورات توعوية وفيديوهات تربوية للسعي إلى جعل جيل المستقبل خاليا من تلك الشوائب الشاذة.
اضافةتعليق
التعليقات