عالم السياسة الحالك ظاهره الرفاهية والشهرة والسيطرة على مقاليد الأمور، ومكانة اجتماعية وهيبة ووقار، وغيرها من مميزات رئيس أي دولة، أما باطنه فتراه ضحلا قائما على المساومات والدماء، هذا العالم فيه خطان فقط للسير خط ميكافيلي وخط أمير المؤمنين عليه السلام، والفارق واضح بين قوتين استطاعا أن يعطيا توجيهات في السياسة وتقديم رؤى صالحة لاستخدام أي سياسي يريد أن يعتلي كرسي الحكم، لكن أحدهما يضمن بقاء الحكم مع زوال الشخصية من قائمة الإنسانية وآخر يصنع بصمة في تاريخ السياسة ويبقى اسمه نموذجا لسياسة الأخلاق والقيم.
يعد ميكافيلي صاحب بصمة وفلسفة مهمة في تاريخ السياسة حيث وضع مجموعة من القوانين التي تصنع السياسي الناجح _من وجهة نظره_ وهو صاحب المقولة المشهورة (الغاية تبرر الوسيلة) التي تبرر للإنسان أي فعل للحصول على ما يريده ويضع ميكافيلي في كتابه (الأمير) مجموعة من القوانين التي لفاعليتها في هذا المجال يضعها هتلر تحت وسادته ليلا ويعتبرها قرآنه المفضل!.
من القواعد الأساسية التي وضعها في الكتاب والتي تعد من شروط صفات الحاكم:
"القوة فوق القانون، وهذا مبدأ أساس في منهج الطواغيت كهتلر وفرعون وصدام وغيرهم إذ لا قيمة عندهم للقانون الإلهي أو البشري أو الفطري، بل القوة هي التي لابد أن تهيمن على كل القوانين وأن تدوس بقدمها – وبكل قسوة ووحشية، على كافة منظومات القيم العليا والأخلاق الفضلى.
ثانيا (قانون الشحّ) وهو أحد القوانين التي اعتبرها أساسية للحكم الناجح! وحسب رأيه فإن على الحاكم أن يكون بخيلاً جشعاً ينزل الأموال في جيبه ولا ينفق على الشعب إلا بالقطّارة ومن هنا نجد أكثر الحكام والدكتاتورين يكادون ينفجرن من الثراء الفاحش والأموال اللامحدودة!.
(قانون القسوة) فالواجب، حسب رأي ميكافيلي، أن يكون الحاكم قاسيا بل كلما كان أشد قسوة كلما كان أنجح في الحكم!.
القانون الثالث: (قانون نكث العهود) وهو قانون آخر يؤكد عليه كتاب (الأمير) داعياً إلى نكث العهود وسحقها تحت الأقدام، وهو يعتبر الحاكم الناجح، وذلك على العكس تماماً مما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): "وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ [عَدُوٍّ لَكَ] عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِك.
وكذلك (قانون النذالة) وهذا قانون آخر غريب جداً إذ أن ميكافيلي يعتبر النذالة شرطاً أساسياً في نجاح الحاكم، وحسب رأيه فإنه كلما كان الحاكم نذلاً كانت أنجح في إدارة الحكم!".
ولو نبحث في تاريخ الحكام الظلام الذين يُذكرون مع الكثير من اللعن نجد أنهم طبقوا هذه القوانين التي تفتقر إلى القيم الإنسانية ولا زلنا نعيش تحت وطأة هؤلاء الحكام كترامب وحاكم كوريا الشمالية حيث مادته الأساسية في ابقاء حكمه هي القسوة والقتل، ولسنا ببعيدين عن الاستفتاء الرئاسي التي أقيم سنة ١٩٩٥ في زمن المقبور صدام حيث فاز بنسبة 99.96% من بين 8.4 مليون من الأصوات لبقائه خوفا من سلطته.
وغيرهم ممن عرفوا بهذه السياسات الظالمة وغير العادلة والخالية من القيم الإنسانية فضلا عن شعوبهم التي تعيش الويلات.
في قبال ذلك نجد أن أمير المؤمنين عليه السلام وضع خطة لمالك الاشتر يسير عليها مجموعة من القواعد في وصية صغيرة بعدد كلماتها كبيرة في فحواها، وتحتاج إلى انسان قيمي ممتلئ من الداخل بالأخلاق والإنسانية ليستطيع أن يُطبقها حيث يقول فيها: (ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحبت أو كرهت. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم).
والذي يحتاج أن تتكامل لديه الصورة يقرأ الوصية كاملة مع قراءة كتاب الأمير ليصبح على بينة من الفرق بين السياسة الأخلاقية القيمية والسياسية التي تفتقر لذلك، ولا زالتْ المجتمعات تحت سطوة عنفوان الحكم تعيش الويلات فترى هناك ثورة وهنا ثورة، وضحايا، وقتل، وصور بشعة من الإجرام بالبشر، فقط ليتسنى لهم الحكم ليوم أو يومين بعد!.
وما ذُكر لا يقتصر على حكام الدول فحسب بل أي منصب يتولاه أي شخص حتى دور الأب معني بذلك، فمهما اختلفت المسميات تبقى المعاملة واحدة بين أي حاكم ورعيته، ومثلما يقول الأمير (فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك)، فأي والي يجب أن يستشعر المراقبة الإلهية فإنه القادر على سلبه من أي دور هو فيه، وفي أي وقت.
اضافةتعليق
التعليقات