الفتنة ليست نائمة، إنها تمشي بلا استحياء بعد أن أيقظها رؤوسها، إنها تنتشر، تتكاثر في حواضن دافئة مليئة بالعفن، تنمو، تتغذى ولاتزال من قبل جهات وأدوات، وفي مقدمتها وسائل الاعلام بأشكالها المختلفة، تلك التي تعمل بلا أخلاق وضمير ومهنية.
لا يخفى على أحد دور الاعلام المحوري وتأثيره القوي في تشكيل وعي الأفراد وصقل ثقافتهم، لكن عندما يكون ذلك المصدر من الشر بحيث يغير من أخلاقيات المجتمع سواء كانت تلك الأخلاقيات ذات منبع ديني أو من عادات وتقاليد وتربية وثقافة، فهنا يجب أن نقرع ناقوس الخطر.
السلطة الرابعة في أيامنا هذه باتت من مسببات انهيار الأمم، رحم الله شوقي عندما قال: إنما الأمم الأخلاق مابقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وعندما نتساءل عن المسؤول عن هذا التردي الأخلاقي الاعلامي، تتقافز عدة عوامل يكاد يكون أهمها الدولة والقانون ومن ثم الشعب ذاته، فعندما نعيش في ظل مفاهيم تقول بأن: الدويلة أقوى من الدولة، والسياسة تشرعن العنف، والغاية تبرر الوسيلة، حينها يتطور الخطاب الاعلامي ليجاري تلك المصاديق، وقد قلنا مصاديق لأنها نُفذت على أرض الواقع.
وبطبيعة الحال يأتي دور القانون الضعيف الذي وإن كانت بعض بنوده واضحة وجيدة ومعترف بها عالميا، لكن تنفيذها ليس بهذه السهولة لأننا نرجع ونقول الحاكم على هذا القانون ليس واحدا بل عدة مجموعات كل منها يغني على مصلحته ونفوذه.
بقي عامل الشعب، وهو العامل الذي بأيدينا تغييره وتحسينه وهو ورقة الضغط الأساسية لقلب الموازين على من شوّه أخلاقيات السياسة والمجتمع والأسرة والمدرسة والاعلام.
ليّ ذراع تلك الوسائل التي تعمل بلا ضمير لا يتم إلا عن طريق الجماهير التي يجب أن تكون واعية لما تشاهد وتسمع وإلا ستنجح بسلب الانسانية منها، وهنا علينا أن نضع ثلاث نقاط بعين الاعتبار:
_المصداقية: تعتبر من أهم المعايير الأخلاقية التي يجب أن تتوفر في الاعلام، وهذا العنصر شبه غائب في أغلب القنوات التلفزيونية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، فالجهات التي تحترم متابعيها يجب أن تتأكد من كل خبر قبل نشره، وعلى الفرد كذلك أن لا يصدق كل ماينشر فالكثير منها وخصوصا المنشورات والصور والتغريدات قد تكون مجرد شائعات، وعليه أن يتأكد من المصدر ومدى قوته وأيضا أن لا يساعد على نشرها وتداولها واقعيا وافتراضيا.
_ الموضوعية: بلاشك هناك جبهات وصراعات بين المؤسسات بانتماءاتها المختلفة، قد يكون الأمر بين حق وباطل وقد يكون بين شر وباطل أيضا، أياً كان مبدأ الطرفين فمن الأخلاق المهنية أن لا يخلط الاعلامي أو المتلقي بين مشاعره وعواطفه والحقيقة والواقع، وأن لا يُدخل رأيه في نقل الخبر إن كان صحفيا أو مراسلا فالتحليل ليس من ضمن عمله هنا.
_مراعاة الآداب العامة: وذلك عن طريق احترام خصوصية الأفراد والابتعاد عن السب والشتم والقذف والاساءة.
ومن الشهامة والانصاف أن يعترف الانسان أو يتقبل أي حدث أو موقف قد يكون لايؤمن به أو يتفق معه قبلا، وهذا لا يعني الحيادية السلبية في المواقف الواضحة، فبين الأبيض والأسود لا يوجد رمادية بينهما، وإنما القصد أن يكون في كل أحواله ملتزما بالأخلاق حتى مع عدوه.
تقدم الفرد من كل النواحي لا يكتمل إن لم يكن له رسالة أخلاقية تؤطر أفكاره وقناعاته ومبادئه، ووسائل الاعلام تساهم بشكل كبير في صناعة هذه الرسائل وصياغتها وتوضيح بنودها ومن ثم نشرها، وسياسة الوسيلة لا تشفع لصاحبها إن تذرع بها وانحاز أو انحرف في سبيل سبق صحفي يتميز به بين أقرانه.
بشكل عام، الشخص الكاذب لا يمكننا الوثوق به، وكذلك لا يمكننا الثقة بأي وسيلة اعلامية تعتاش على الأخبار الملفقة والتحليلات الملغمة بالفتنة، تلك وإن باتت اسماءها أوهن من بيوت العنكبوت، فعلى كل فرد أن يهز أركانها بكشف أكاذيبهم أو عدم تصديقها أو تداولها بأضعف الايمان وخصوصا في الأزمات التي تكشف أخلاق ومعدن ورقي أصحابها.
اضافةتعليق
التعليقات