إنْ أردتَ نجاحاً أو شهرة في الكثير من مجالات الحياة، وإنْ أحببتَ أنْ تكون تلك المكانة مٌطعَّمة بنكهات لذيذة أهمها القاعدة الجماهيرية والسهولة في الأداء والسرعة في الوصول إلى ما ترنو إليه عينكَ الطموحة، عليكَ بمواقع التواصل الاجتماعي ومنصاتها المختلفة التي تتيح لك ذلك وبأرخص الأسعار!.
هناك 3 مليارات شخص حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، أي مايعادل 40% من سكان العالم، وبلاشك أثّرت هذه الوسائل التكنولوجية على شريحة واسعة منهم سواء بالسلب أو الايجاب وذلك وفقا لشخصية صاحب الصفحة وعمله أو حتى فكره والهدف من إنشاء الحساب الخاص لديه.
تلك الأدوات الذكية سهلّت الطرق وقرَّبت المسافات بين الناس في شرق الأرض وغربها وألغَتْ الحواجز، تلك التي وضعها المجتمع أو الطبيعة الجغرافية أو العرف والعادات بين الشعوب..
والمستفيدين من هذه الميزات الجذّابة كُثر، لعلّ منهم مَعشَر الكتّاب والصحفيين وأرباب القلم وهواة الكتابة باتجاهاتها المختلفة..
فالفضاء الواسع في هذه المواقع والحرية المُتاحة فيها أغرت الكثير ولاسيما المبتدئين أو الذين هم في بداية الطريق، أغرتهم في نشر منتوجاتهم الأدبية والفكرية بثقة، بغية استقطاب المُعجبين والمؤيدين لأفكارهم أو المُشجعين لمواهبهم الفتيّة.
حتى باتت السوق الأدبية تلك التي كسدت بضاعتها على أرض الواقع، تراها رائجة في الساحة الرقمية المتمثلة بالفيس بوك والتويتر وغيرها، والفرق بينهما كبير، فالمواصفات مختلفة، فبطبيعة الحال آليات التسويق تتباين بينهما، في الرقمية جاء الموهوبون تترى، وفي الواقع ضاع المنتوج القوي وبُخس حقه لأن كاتبه بتعبيرنا الرائج غير شاطر، تقليدي غير مواكب ولايعرف من أين تؤكل الكتف!.
مع أخذ ماذُكر أعلاه بعين الاعتبار، حري بكل كاتب أو مشروع كاتب _إن كان صاحبنا متواضعا قليلا_ أن يعلم أنَّ لكل فن صرح، وكل صرح يقوم على أركان متينة، وليغدو بناءً عليه أن يبني لبناته على أساس وأرضية قوية، ومن أهم تلك الأركان؛ الثقافة العميقة وسعة المدارك والعلم الغزير الذي به تنهض الأمم، واللغة والبلاغة التي تأتي بالدراسة والمطالعة والجد..
قبل أن تهب هبّة التكنولوجيا التي كانت إحدى مفرزات العولمة، كنّا نفرّق جيداً بين الكتّاب ونعرف مستوياتهم الأدبية والفكرية عن طريق المحافل على أرض الواقع والنقد الفني القويم والجوائز المعتبرة وإن كان في بعضها يُثار اللغط، لكنها بشكلٍ عام كانت عادلة ومُنصفة والأهم من كل ذلك حقيقية.
أما الآن بتنا نحكم على جدارة وإبداع الكاتب افتراضياً وعلى عدد المتابعين وكثرة اللايكات، وعندما تتصفح منشوراته ترى العجب العجاب، فاللغة العربية في صفحاته تستغيث، والعامية الدارجة تطغى، والسطحية تطفح، والفكر ضحل، والسرقة الأدبية جهارا نهارا، والمصادر ضعيفة، ووو...
ومع كل هذا يغدو صاحبنا؛ الكاتب الفيسبوكي نجماً في سماء الابداع، ساهم الأصدقاء الافتراضيون في صناعته، نعم ولاغرو؛ صناعة، فالجمهور يحب المظاهر ويُعجَب بأصحاب العلاقات والنشطين الكترونياً والأهم من كل ذلك يريد أن يقرأ شيئا سهلاً، لايريد أن يُعمِل فكره وهو يطالع، لذلك يصفّق لمن يساير ذوقه الضيق البسيط!.
بالتأكيد، كل شخص يحق له أن يكتب ويُعبرّ عن مكنونات نفسه، وعلى قول المفكر فولتير: "أمقت ماتكتب، لكنني على استعداد لدفع حياتي كي تواصل الكتابة".
وهذا مايسجل كنقطة ايجابية لهم، فانشغالهم بالسلك الثقافي أنجع من غير مسالك غير هادفة وغير مفيدة..
لكن ياصديقي، إرتقِ بكتابتك، ووجه طاقتك لخدمة دينك أو وطنك أو أي قيمة سامية يؤمن بها العقل السوي، على أرض الواقع، إفتح كتب العمالقة، واقرأ مقالات عمداء الأدب.. وفي الفضاء التكنولوجي تذكّر أنَّ المهم هو نوعية القرّاء وليست الكمية بمقياس، ليس كل مايريده الجمهور هو الصحيح، ساهم في رفع ذائقة متابعيك وليس العكس في جعلك تكتب مايحبون!.
في دراسة أجرتها "بي بي سي فيوتشر" أوضحت في أحد نتائجها أن الناس يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عما بداخلهم، سواء حول موضوعات سياسية أو غيرها.
وكلنا يعلم، أنَّ الكتابة في تناسب طردي مع القراءة، فعندما يهبط مستوى الأول يجر الثاني معه تباعاً، والقراءة هي مفتاح تطور أي مجتمع، والقراءة على تلك المنصات لاتسمى مطالعة، لأنّ جلّها خواطر وشكوى وأخبار..
نريد كتّاباً نباهي بهم الأمم، يصلون بانتاجاتهم إلى العالمية بأعداد سكانها المليونية، ولا يقتصرون على المئة أو الألف لايك في صفحاتهم المحدودة، تُفرحهم ويكتفون بتعليقات أعجبني وأبهرني وأحزنني من شخصيات وهمية أو مجهولة ومزيفة..
لايكن هذا هاجسك، ثمّ ليس هكذا تورد الإبل!.
وعلى سيرة الإبل، نذكر قصة ذات مغزى.. يقال؛ خرج أحدهم بإبل كثيرة يرعاها، فاعترضه قاطع طريق فذهب بها، وقف صاحبنا ينظر إليه، ثم عاد إلى أمه يقول: "أوسعته شتماً وأودى بالإبل"..
للأسف، على أرض الواقع، هناك أخلاقيات تُمحَى، دين يُشوّه، مبادئ تُسحَق، أينكم عنها، ماهي مهمتكم؟.
كتّابنا الفيسبوكيون المملوؤون ثقة في صفحاتهم الرقمية، لايجيدون الرد السليم العصري، ولايحسنون التكلم مع الشباب، لاهم ينطقون بدراية، ولاهم يسكتون ويريحونا وإذا ناقشوا كان حوارهم جدلاً عقيماً أو غير أخلاقي، نحن من جهة بحاجة لمن يشحذ قلمه للرد على الثقافات المسمومة بأسلوب علمي ممنهج وراق ومن جهة أخرى بحاجة للجلوس الفعلي واتقان فن التحدث بلباقة..
وأخيرا، وسائل التواصل تساهم بنجاحك، تدعّم موهبتك، توسّع قرّاءك، وإلاّ فمن اتخذها غاية لاوسيلة؛ كان كطالبٍ من الماء جذوة نار!.
اضافةتعليق
التعليقات