الاعلام رسالة وأمانة ومسؤولية، وأحد أهم أركان هذا العالم الكبير هي الصورة، بكافة أشكالها وتصنيفاتها الصحفية والغير صحفية، ومادمنا نعيش في عصر العولمة التي أسهمت ثورة وسائل الاتصال الحديثة في جعل كل انسان صحفي ومصوّر فيكتب ويلتقط مايشاء ويُرسل كل ذلك الى أقصى مكان في المعمورة وبكبسة زر.
لا يخفى على أي انسان ما للصورة من أهمية وخطورة في تحقيق أهداف وغايات شخصية أو سياسية أو غير ذلك، والكثير من الصور المطبوعة و الرقمية والفيديوهات القصيرة كانت سببا في إشعال فتيل حروب مباشرة وباردة وثورات بيضاء وغير بيضاء، فنحن في زمن الصورة التي بدونها لن نصدّق أو نتفاعل مع أي حدث أو نص غير مدعوم بها وهو الدليل القاطع في الغالب ويتم إرفاقها لكل موضوع مطروح أو قضية رأي عام مُثارة.
وكما في كل وسائل وأدوات الاعلام ولاسيما الصحافة التي هي سيف ذو حدين، كذلك الصورة، فهي من جانب تكشف جرائم وتفضح مفسدين وتوصل وتنشر حدث إنساني الى كل الناس وأيضا يتشارك بها الناس-فرحا أو حزنا- مع من يريدون، إلّا أنّ شخصيات وأطراف عديدة قد استغلّت هذه الوسيلة أبشع استغلال فوظّفتها سياسيّا وماديّا لمصالح لاتحسب لمشاعر الناس أي حساب.
آلاف الصور كانت ولاتزال عود كبريت للفتنة والسموم الطائفية و المذهبية والعرقية، والكثير منها أيضا كانت سببا في قذف وتشهير ولاسيما لفنانين ومشاهير تُسلّط عليهم دوما الأضواء، فكانت مقدّمة لمشاحنات قضائيّة و نزاعات عائليّة وطلاقات ووصلت بعضها لدرجة إراقة الدماء.
إنّ الصورة كالمفتاح الذي يجب أن يُحسن الشخص استخدامه فيخاطب بها عقول منطقيّة لا ترضى إلّا بالدليل الملموس ويقنع ويُحرّك بها أيضا قلوب تهتّز أوتارها فتُثير الشفقة والعطف أو حتّى الغضب.
مع التأكيد على ضرورة ترجمة تلك الصوّر ان كانت تحتاج لذلك والحذر من التلوين والتجزئة والتأويل من غير دليل، فطريقة (نسخ- لصق) لن تؤتي أكلها دوما، وشعار حقنا في نشر مانريد نرفضه جملة وتفصيلا، فاللحريّة ضوابط قررها الاسلام والعُرف والقانون، وأيضا يجب أن تبقى بعض الصوّر مغطاة بإسم المصلحة العامة.
وتأسيسا على ذلك كلّه يتّضح الفرق بين من ينشد ويُعزز الحقيقة ويستثمرها أو يستغلّ بعض المشاهد فيسيء استخدامها للحصول على سبق صحفي أو جيش من (اللايكات) والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي عالم الغاب المجنون نستحضر هنا صورة تخلو من ذرّة إنسانيّة وهي للطفل الافريقي وأفعى كبيرة تهاجمه، والتي أثارت زوبعة من الانتقادات، فأين كان المصوّر حينها؟!ولمَ لم يترك الكاميرة لينقذ الضحيّة بدل تصوير ذلك المشهد المُثيرعلى حدّ رأيه.
وفي ذات السياق صورة أخرى مرعبة ومخيفة لطفل يأكله الصقر فانتظر المصوّر حتى يموت الطفل!! وبالفعل خاف أن تذهب عنه اللقطة و التقط الصورة وحصل على جائزة عنها ونال على شهرة واسعة وتحوّل من مصوّر إلى قاتل في نظر البعض، وتذكر القصة أن المصوّر مات بعدها جرّاء تعذيب نفسه لأنه لم يفعل شيئا للطفل، وتمّ تصوير فلم قصير لهذه القصة.
وغيرها الكثير من الصوّر والفيديوهات التي تُباع بالملايين لحوادث سير أو جرائم قتل وتعذيب، فضلا عن صور أخرى لإثارة الرعب والخوف في النفوس وزعزعة الثقة بين الناس كما يفعل اليوم إرهابيو داعش في كل مكان فلم يرقّ لهم فؤاد أو يرف لهم جفن في ذلك، فينشروها على قنوات البث الفضائي والالكتروني فيعتبرونه نقطة قوّة لإجبار السكّان على الانسياق لهم بدل قتلهم وتعذيبهم.
ولأنّ الصورة بألف كلمة، فالمصوّر ينقل للعالم عذابات الشعوب ومعاناتهم، كتلك الصورة للطفلة السوريّة النازحة والتي استسلمت ل(فوهة) الكاميرا، فنقل المصوّر هنا مدى الخوف الذي عاشته تلك الناس في رحلة الفرار من الموت، أو صورة الطفل السوري الذي غرق على شوطئ تركيا وهزّت الصورة العالم وأبكته، وغيرها الالاف من الصور في العراق لتفجيرات إرهابية وصراعات لاتنتهي مع الفقر والمرض واليتم.
لكل شيئ ثقافة وكذلك النص وكذلك الصورة، فيتوجب علينا إحترام آداب التعامل معها، فالصورة تتكلم، وهي لغة من نوع جديد، والصحفيون هم المسؤولون بشكل أساسي عن ذلك وعن مراعاة الابعاد الاجتماعية والثقافيّة لها، ونقل الواقع كما ينبغي عبرها، والتعاطي السليم مع مواثيق الشرف الصحفيّة والمصداقيّة والمهنيّة وقبل كل ذلك الأخلاق والانسانيّة والابتعاد عن خانة صحفيون بلا حدود .. صحفيون بلا إنسان.
اضافةتعليق
التعليقات