في حياتنا اليومية نعاشر الكثير من الأصناف البشرية وتختلف حالتهم النفسية فمنهم أصحاب الشخصية الحساسة وعادة ما يصعب على الآخرين معاشرتهم وتقبل وضعهم النفسي.
فهم لا يعترفون بوجود مشكلةٍ صغيرة، بل تتصدَّر فكرتهم بأنَّ "المشكلات كبيرةٌ دوماً".
فتجدهم يُبالِغون في ردَّات أفعالهم، ويُضخِّمون الأمور كثيراً؛ لأنَّهم لا يقتنعون بسياسة التجاهل أو ترك الأمور على سجيَّتها، وقد عرفوا بعشقهم للتفاصيل، فلا يفوِّتون أيَّ تفصيلٍ من تفاصيل الحياة، إلّا أنَّ عشقهم هذا يجعلهم في دائرةٍ مُفرَغةٍ من التحقيق مع الآخرين، معتبرين أنفسهم أنَّهم المقصودون بكلِّ أمرٍ، فيتقمَّصون دور الضحية، ويعيشون في لعبة المؤامرة، الأمر الذي يُربِك ويُقيِّد الآخرين في أثناء تعاملهم معهم.
من جهةٍ أخرى، يَصفون أنفسهم بأنَّهم أشخاصٌ غايةٌ في الطيبة والإحساس والضمير، وأنَّ الآخرين أناسٌ لا يقدِّرون خصالهم، تعلو على ملامحهم البراءة والجمال فتجد تصرفاتهم مدروسة وفق الوقت والمكان، وبالمقابل لديهم صفات سلبية فهم لا ينصتون إلى نصائح الآخرين بضرورة التخفيف من حدة تأثِّرهم بالأحداث والقضايا، مُغرقين أنفسهم في دوامةٍ من الضيق النفسي، والمشاعر السلبية، والصدمات المتلاحقة.
صفات الشخصية الحساسة:
1- ممتلئاً بمشاعر سوء ظنٍّ قاتلة، وتفسيراتٍ سلبية مُهيمِنةٍ على عقله، كأن يشعر بأنَّه في مؤامرة، وأنَّ الآخرين يقصدون الإساءة إليه بنظراتهم أو بكلماتهم، فقد يكون الحديث بعيد كلياً عنه، إلَّا أنّه يفسِّره على أنَّه يخصه وأنَّه المقصود به.
2 - دائم البحث عن إرضاء الآخرين:
يهتم الشخص الحساس بآراء الآخرين عنه، فيستشيرهم في كلِّ أموره، ويأخذ بنصائحهم وإن كانت لا تتناسب معه، ويعتب عليهم في حال تقصيرهم، ويتَّهمهم بالتخلي عنه وبالنفاق الاجتماعي.
3- فقد يقوم بالبعد عن الآخرين لفترة، بهدف اختبار مَن منهم سيسأل عنه، ويتفقَّده في غيابه؛ وفي حال عدم سؤالهم، يبدأ بعدها بإطلاق الأحكام عليهم، وقد يلجأ إلى نسفهم من حياته، مُتحوِّلاً إلى شخصٍ كتومٍ أو عدواني.
4- التعاطف المُفرط مع الآخرين:
تميل الشخصية الحساسة إلى التعاطف الشديد مع الآخرين، حتَّى لو كان على حساب طاقتها وراحتها، فتُذِيب نفسها من أجل الآخرين.
5- شديد التهذيب مع الآخرين:
يتبنَّى الشخص الحساس أسلوباً غايةً في التهذيب مع الآخرين، فهو إنسانٌ راقٍ جداً، لكنَّ تهذيبه يصل إلى درجةٍ مبالغٍ فيها، ممَّا يجعل الطرف الآخر مُقيَّداً معه، وليس على طبيعته.
يقول دكتور تشارلز ديكنز: "كانوا يسعون إلى امتلاك النجوم، فإذا بهم يملكون الهواء" تقع الكثير من الشخصيات الحساسة في فخ الكمالية، فيضعون حدوداً عاليةً جداً لمعاييرهم، ممَّا يسبب لهم الضيق النفسي والتوتر؛ لأنَّهم أصبحوا أسرى لمعاييرهم.
كما ويخضِعون الآخرين لهذه المعايير، ويحكمون على الأشخاص بكونهم "أبيض" أو "أسود"، فلا وجود لألوانٍ أخرى لدى هذه الشخصيات، ممَّا يُصعِّب عليهم تقبُّل اختلاف الآخر عنهم.
مفهوم الشخصية الحساسة:
الشخصية الحساسة هي التي لديها حساسية متزايدة وعميقة للجهاز العصبي والاستجابة المفرطة للمنبهات الجسدية والعاطفية والاجتماعية، ويعاني أكثر من 20% من سكان العالم من الحساسية المفرطة، إلا أن الطرف الآخر لا يمكنه تقبلها، وبالتالي تؤثر بالسلب على الصحة النفسية.
يقول أحد الأشخاص "أفقد عقلي عندما أجوع"، حيث يعاني الشخص الحساس من التوتر والانزعاج الشديد عند الجوع، وذلك بسبب تغير مستوى السكر في الدم.
كره القسوة والعنف:
الشخصية الحساسة لديها كره حول جميع أشكال العنف والتعامل بالقسوة، حيث يواجه شعور بالألم عند مشاهدة مقاطع تثير الرعب أو القسوة.
الحدس التنبؤي (الحاسة السادسة):
الشخصية الحساسة لديها القدرة على التنبؤ بالأشياء والمواقف، لديه براعة في فهم من حوله من خلال قراءة لغة الجسد وتعبيرات الوجه.
من طبيعة الشخصية الحساسة هي الهدوء والرزانة، حيث تمتلك صفة الإصغاء والاستماع إلى الآخرين، والتخفيف عنهم، لذلك نجده من أكثر الأشخاص الذي يتمتع بثقة من حوله.
التوتر من ضغط الوقت
"لا تثقل العمل وتحدد لي ثوان أنجز فيها مهامي"، يشعر الشخص الحساس بالتوتر الشديد عند فعل أي شئ يفوق قدرته أو يدعوه للتعجل، وليس لديه وقت كافٍ لإنهائها، لذلك لا تضعه تحت ضغوطات.
- ما هي أسباب تكوُّن الشخصية الحساسة؟
1. التربية الخاطئة:
يتعامل الكثير من الآباء بطريقةٍ تُقلِّل من ثقة الأبناء بأنفسهم، وترفع من شأن الآخرين ونظرتهم إليهم، فيُحوِّلون فلذات أكبادهم إلى أسرى للظروف والناس، فيكونون هَشِّي التعامل مع حريتهم، فهم لم يُربَّوا على أنَّهم أشخاصٌ لديهم الحرية الكاملة في اختيار ما يريدون، في إطار احترام حريةٍ وحقوق الآخر طبعاً. بل رُبُّوا على تقديس نظرة الآخر إليهم، حتَّى لو كانت على حساب طاقتهم وروحهم وراحتهم.
فالأمّ التي تقول لابنتها: "إيَّاكِ أن تخرجي من المنزل ما لم ترتدي الكعب العالي، فأنتِ قصيرة، ومن شأن الكعب العالي أن يزيد من إعجاب الآخرين بكِ"؛ إنسانةٌ ضعيفة الثقة بنفسها، ومُستمِدةٌ لقيمتها من الآخرين، ومن آرائهم؛ وللأسف تبثُّ هذه التشوهات إلى ابنتها، فتكبر ابنتها بشخصيةٍ مهزوزةٍ وحساسةٍ جداً، مُعلِّقةً حياتها على آراء الآخرين. فتجدها يوماً سعيدةً ويوماً تعيسة؛ لأنَّ طاقتها غير متوازنة، فهي عبارة عن شتاتٍ جُمِعَ من طاقات الآخرين. الأمر الذي يجعلها فاقدة الثقة بنفسها، وتشتري قيمتها وسعادتها وطاقتها من الآخرين.
2. تكرار التعرُّض إلى الضغوط النفسية مع عدم وجود المرونة الكافية:
يتعرَّض الكثير من الناس إلى ضغوطاتٍ نفسية، لكنَّ الشخص الواعي والقوي، هو مَن يستخلص الدروس من كلِّ محنة، ويبقى مستمراً في حياته بطريقةٍ أقوى وأكثر نضجاً.
- يفشل الكثيرون في التعامل مع العقبات بهذه المنهجية، مُستسلمين للوقوع في المشكلات مرةً بعد مرة، دون التعلُّم منها.
- يميل هؤلاء الأشخاص إلى تبنِّي نمط الشخصية الحساسة، فيقعون في المشكلات نفسها مئات المرات، غير قادرين على استنباط الرسائل الإيجابية منها؛ لأنَّ ضعف ثقتهم بأنفسهم واعتيادهم على جعل أنفسهم في المرتبة الثانية بعد الناس، يحول دون استفادتهم من تجاربهم.
1. الوعي بأخطاء التفكير:
يجب الوعي إلى أنَّ المسؤول الأساسي عن أيِّ أمرٍ في حياتنا هو أفكارنا، فهي جذر كلُّ المشاعر التي نشعر بها، فتفسيرنا للأمور هو ما يهم.
2. صنع القيمة الحقيقية:
يلجأ الإنسان الفاقد للقيمة في حياته إلى اكتساب قيمته #من_الآخرين، فاسأل نفسك: "ما هي قيمك في هذه الحياة؟"."ماذا تفعل من قيمٍ لتجعل من عالمك أفضل؟"."هل وُجِدت من أجل الأكل والشرب والتنزه وتأمين متطلَّبات العائلة فحسب؟ أم أنَّ هناك سبباً عميقاً لوجودك؟". "ماذا عليكَ أن تقدِّم لإرضاء الله، ولشكره على نعمه، بحيث ترفع من إنسانيتك؟".
فالمعنى الحقيقي للحياة هو إضفاء قيمةٍ حقيقية، وصادقة، ومُفعمة بالشغف والخير.
. 3 إدراك أنَّ الدنيا مليئةٌ بكل الألوان:
يجب على الشخص الحساس أن يعي أنَّ الحياة مليئةٌ بكلّ الألوان، وأنَّ جمالها يكمن في تنوُّعها، فعليه أن يتعامل مع إيجابيات كلّ نمطٍ من أنماط الشخصية، لا أن يحكم عليها إمَّا "أسود" أو "أبيض"، وأن يتأكَّد أنَّ "الكمال" غير موجودٍ إلَّا عند الله؛ لذلك عليه أن يسعى إلى التطوّر في كلّ يومٍ من حياته، لكن دون تدمير ذاته وإغراقها في معايير خارجةٍ عن المنطق، فالخطأ حقٌّ طبيعيٌّ من حقوق الإنسان، ومن دونه لا يتطوّر ولا يصبح أقوى.
التركيز على الأهداف:
عندما يركِّز الشخص الحساس على أهدافه، وأولوياته، وإشغال وقته في أشياء هامَّةٍ ومفيدة؛ فسيبتعد تدريجياً عن الانشغال في الأشياء الصغيرة التي ليس لها معنى، وعن التدقيق على كلام وتصرفات الآخرين. فعندما تزداد ثقته بنفسه وبإنجازاته، ستختفي كلُّ هذه الأعراض.
لا تبرر كلماتك في كل مرة يُساء فهمك فيها، فالعقول السيئة لن تستوعب النية الحسنة، العقول الصغيرة لن تستوعب الكلمات العميقة
اضافةتعليق
التعليقات