حوار خاص مع القاصة فائدة حنون، والدكتور نزار عدنان
مازال عالم الأطفال مملوءاً بالغموض والاثارة، وليس من السهل أن تصل إلى عالمه بتلك الكلمات وإن قدمت الأبجدية لغة خاصة لكنها تبقى مقيدة في يد الكاتب، لذا نفتقد في عالم السرد الحديث أقلام تتحدث للطفولة من دون أن نستند على القصص المترجمة وعلى الرّغم من نجاحها في حثّ الطّفل على التّصرّف السّليم، فالأخلاق الحميدة سمةٌ مشتركةٌ لأهداف قصص الأطفال في كلّ الّلغات إلا انها تبقى مترجمة ودخيلة للأدب العربي.
وهناك آلية لكتابة القصص للأطفال من ناحية الايجاز فإذا كان فوق سبع سنوات وجب الايجاز، وعلى القاص الاعتماد على الحوار المباشر، أمّا قصص الأطفال تحت سنّ الخامسة يحتاج الطّفل إلى قارئ فعلى القاص الاختصار أكثر بحجم النّصّ وكلماته.
فمن البداية يجب أن ينجح القاصّ في الكتابة بلغة سليمة يدركها الأطفال بلا جهد. لقاءنا اليوم مع قاصة مبدعة جعلت من قصص الأطفال عالم مزدهر لا يضاهيه عالم آخر، أبدعت في السرد والأفكار فكانت متألقة، وهي القاصة فائدة حنون مجيد تفصح عن تجربتها في الكتابة للأطفال.
--
فائدة حنون مجيد مواليد 1976، معلمة لغة إنگليزية، بكلوريوس لغة إنگلزية قاصة وأديبة أطفال، لدي عدة مقالات تهتم بالأسرة والطفل، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.
لي إلى الآن عقدان، وأنا أعمل معلمةً، ومربيةً أجيال وبما أن الطفولة وليدتي منذ السنوات الأربع من عمري، فالتعليم وسّع فيض عشقي لهذا العالم، لا نتجاهل أهمية الأمر، فالاتصال بالطفل الصغير أمرٌ عميق وتلبية حاجاتهِ يتطلب تناغم طفولي، لنصل إليهِ، لذا أعتقد إني أمتلك هذا التناغم ما أضاف لحياتي لمسةً سحرية.
كيف كانت البداية ومن هو المحفز الأول لفائدة حنون؟
- نشأتي في بيت يتحفني دوماً بالقصص والمجلات والموسوعات التي تحاكي عقل الطفل،
أما قصص الشعوب وأفلام وولت ديزني الكرتونية.. لاسيما الروائع مثل ملهمتي (ساندريلا) فتلك لها دور الأكبر في تواصلي مع الطفل، وبدأتُ بالتربية والتعليم.
مسيرة قلم..
أكملت مسيرتي بأول تجربة لي بترجمة القصص وأخرى تأليف، خاطبتُ بها أعمار مختلفة اكتشفت حينها أني أبحر في عالم لا ينتمي إليهِ إلا النبلاء وما زلت أذكر أول يوم في الوظيفة (المدرسة) رأيتُ ألواناً باهرة وكثيرة.. على الجدران والسقوف والمقاعد، وحتى الأطفال أعجبتني أشكالهم المفعمة بالبراءة وثغورهم الباسمة.
سمعت صيحات وهتافات غنّت للوطن، عندها لم أتوقف صامتة، شاكلتهم بكل الأنشطة والفعاليات الطلابية وارتفعتُ بالكتابة للطفل ذلك الكائن الظريف، شاهدتُ العشرات من الكتّاب والرسامين في خلال الخمسة عشر سنة الماضية من كل الأنواع، من طلاب ونابغين، احترفوا كتابة القصة للطفل والرسم.. علّموا أنفسهم بأنفسهم كذلك تعرفت على سيدات يأملن أن تكون قصصهن رموزاً وعِبراً لأحفادهن ولا أنكر أكبر حقيقةً في حياتي بغرس هذا العشق في ذاتي هو والدي الذي بات مهتماً بي وبعالمي الجميل يومنا هذا، فائدة حنون مجيد.
في سياق متصل، وبين من يترجم الكلمات والأفكار شارك معنا في الحوار الدكتور نزار عدنان.
حيث يقول: الآن لي عقدُ وثلاث سنوات، وأنا أعمل طبيباً للأطفال، بدأ هذا الشغف معي - ودعوني أسميه شغفاَ لا عملاَ فقط - بدأ وأنا أطالع أستاذتنا في الكلية الطبية تستهل حديثها بعبارة: "الطفل كيانَ رقيق، فيجب أن تكون رقيقاَ مثله، وأن تعرفهَ جيداَ لتعرف كيف تتعامل معه". انسلت العبارة كنهر ديمومة لا ينضب، توازي يومي في العمل وخارجه فلسفة معرفة الأشياء، بل كنه الأشياء ودقائقها، لترسم خريطتك الخاصة وخطتك المميزة.
كانت سنوات الدراسة الست، أقرب للمعاناة منها إلى السهلة، ولكن بنكهة حلاوة مرة، كطعم القهوة التي أعتدت أن أشرب. انتهت بيوم تخرجي الخالي من والدٍ قدوةٍ غيبه القدر، والمليء بالأم المعبأة بالحب أرسم فرحاً متعباً بدواة الصبر، أقفُ كل مرةٍ على ناصية الحلم كما يقول درويش، وأتأمله بعينٍ ثالثة.
أذكر يوم عملي الأول في المستشفى، وهو تحدِ يضع كل تحديات الحياة في الكفة الأخرى ويكتبُ في ذاتي الجاهلة بالأمر، قائمةً من القوانين، بعضها لا يتماشى مع شخصي الحالم، الطفل أذكره جيداً حين أنتهي بأنني ارتميت كطائرٍ محارب حط تواً من جولة تحليقٍ أولى لثمانِ ساعات متواصلة ملونة بألوان المعاناة، معاناتهم لا معاناتي فحسب.
التوقف لن يجدي نفعاً، أنا في سباقٍ مع النجاح، مضمارُ مليءُ بالطموحين والزملاء، كل له أسلحتهُ في التحدي على تشابهها، "يجب أن أصل خط الأساس بعدها أبتكر، كنت دائماً أحدث صديقي الأقرب رحمه الله بهذا الشيء، ويوافقني بطريقته الخاصة الممازحة وهو يهز رأسهَ رفضاً.
لم يكن الكتاب هو الوحيد الذي آنسني، فالحياة كتابٌ آخر، فيه كل ما نحتاج، شرط أن تعرف قراءته، وأن تقرأ منه ما يصب في فائدتك، أن توظفهُ لخدمة أهدافكَ المشروعة، وتجمع منه ما يسلحك في طريق العمل.
لعل أكثر ما لوّن حياتي العملية، وأضفى ذلك اللون الجديد المتجدد عشقي للكتابة، شعراً أو نثراُ... ففي الكتابة شفاء، وفيها تتنفس رئة المرء هواءً مختلفاً، ومنها يقوم أود الفكر، ويطهر تلافيفه من حبائل الملل والروتين، الكتابة ما ورثتهَ بعضا من أمهات الكتب والقصص، وكانت تركةً عظيمة، حديقة الكتب تلك، وأنا أرى مذ صغري، أن عمود المنزل المكتبة، وغذاء الصباح وأوقات العطلة والفراغ، دفتي مؤلف وأوراق، وبعضاً مما أورثاه لي شمعتان متقدتان لا تنضبُ شعلتهما، والدانٍ خلقا لي جو الطفولة الأنسب وأثير الحب الأرحب من حبهما لي ولبعضهما ولكل شيء يحمل بين طياته خطوطاً ملونة التفاصيل، حتى اختارا لي اسماً عنوانه شعر.
لم تكن المسيرة سهلة، كانت جرة ملأى بالحب، والألم، بالسهر اللذيذ والقراءة المكثفة، والتلمذة على أيدٍ كانت محطات، ومواقف كانت لافتات طريقٍ تهديني، جرةَ أحملها على كتفي ثقيلةً، جعلت مني ذلك الصغير الرجل والكبيرَ الذي يطربَ لأصوات الطفولة الخالدة.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2019-02-10
لها كل التقدير والاحترام ..
العراق2019-02-10
لها كل التقدير والاحترام ..