بين ليلة وضُحاها انقلبت الموازين وانتحرت المبادئ والقيم بعدما هطل التطور كالمطر الغزير على ارض بلادي المقفرة لسنوات، فارتوت لتثمر بما كان منتظرا وما لم يكن في الحسبان ..
وفيما بعد تغير المجتمع بخفة اذهلت العقول واطاحت بالفكر، ليأسره التطور الذي شمل كل مرافق الحياة وأثر على اغلبية افراده وأخذهم في التيه ما بين ماضٍ مظلم وحاضر مشرق تجلت فيه الصور والمعاني لحضارات وثقافات لم يسبق التعرف عليها لتَفتح اعينهم على آفاق جديدة وحياة مختلفة كل الاختلاف عما كانت عليه في السابق من الرتابة المفروضة والنهايات المعروفة والمحسومة لمستقبل مرسوم ومحتم ولا خيارات تُذكر إما النجاح وإما الفشل ان كان رغماً او بمحض الارادة!.
وهذا ما جعل من المجتمع ينطلق كالصقر الجائع للبحث عن ما يُرضي معدته حيث اخذ يلتهم كل ما يتاح امامه وينقاد نحو الولائم ولا يُفوت ايً منها حتى وان كانت شكلاً فقط وما تحتويه سيضره وقد يؤدي به الى الهلاك فلا مانع من التجربة!.
والغريب في الامر ان هذا المجتمع وبالتحديد يعيش على ارض خصبة وافرة الثروات متجذرة الحضارة زاخرة بأولي العلم والمعرفة من العلماء والعباقرة واهل الدين والمذهب السامي، وأصلاً الثقافة المثلى التي يقدمها الاسلام للامة الاسلامية وللبشرية جمعاء، ليتركها الكثيرين من اهلها خلفهم متأثرين بثقافات تخالف شريعتهم ودون المستوى حتى فيصبحون جهلاء، ويعقلها الاجانب فيطبقونها ليصبحون عظماء!.
هذا هو الحال في مجتمعنا الآن، يُبقي حقبة من الزمن قد ولت وإندثر معها الظالم والظلام كَحُجة لتبرير أخطائهم فبدل ان تطوى تلك الصفحة السوداء اصبحت دافعاً وذكرى تطرح كلما اتى الجديد فيَسعون للعمل عليه دون علم ودراية بشأنه ومن اين اتى والى ما يهدف؟ وما ان يتشجع احدهم ويخوض التجربة حتى تتجمع خلفه طوابير متراصة كالقطيع والذي يقوده اعمى!.
والمخيف في الامر ان مسيرة التطور الهدام اخذت تتسع بصورة مرعبة شملت كل فئات المجتمع ولم تصيب كبده من فئة الشباب فحسب بل تعدت ذلك واكثر مع وجوده في كل زاوية من هذه الارض لدرجة انتقلت فيها الحياة الواقعية الى العالم الافتراضي حيث مواقع التواصل التي تتيح التطبيق اليسير لكل شيء في كل مكان وزمان..
وانت في منزلك تَصفح البرامج وانظر، أي الامور ستلفت انتباهك وإستغرابك، وبشكل ملحوظ ستجد الشباب بعمر العشرين يُلحدون! وكبار تجاوزت اعمارهم سن الاربعين يراهقون! وفتيات وصبيان لا يبلغون سوى العاشرة والاثنا عشر عاما يشكون الم العشق والهيام! وإحصائيات مخيفة للمطلقين الذين لم يمر على زواجهم أكثر من شهرين! وطلاب العلم يسخرون من علمهم ويحصلون على شهاداتهم بالغش والسرقة! وآخرين لا يحبذوه ويفضلون الاعمال الحُرة!.
وسترى وتسمع عن عجائب وغرائب ومأساة لا تختزل في سطور تُكتب..
وعندما تتحدث عن ما ذُكر وتتساءل مذعوراً متألما: لماذا؟ سيجيبك الجميع: انه التطور!
وهل يُعقل هذا، ما شأن التطور بعقول الناس ونفوسهم !
يا مجتمعي الى اين؟
فلنفرض ان احدهم قدم اليك تفاحتين واحدة كبيرة حمراء ولكن الدودة قد نخرتها ودخلت الى قلبها، وأخرى صغيرة خضراء لكنها طازجة ومفيدة اكثر، ماذا ستختار؟ العاقل صاحب القرار سيختار الصغيرة الخضراء اما الذي سيحتار فهو يحتاج في الاغلب الى من يُرشده وهذا ما نحتاج اليه اليوم.
نحتاج الى من يوقظ النائمين من سباتهم ويُوقف الساذجين عن نشر تفاهاتهم، ويردع هجوم الكافرين والمخربين ويحد من تأثيرهم، نحتاج الى اعادة تأهيل الفرد ليعمل وفق تعاليم ديننا الحنيف، نحتاج الى من يُذكرنا من نحن وعلى أي نهج سائرون وبأن علينا العودة والاستبيان من احاديث نبينا الكريم وائمتنا الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين، نحتاج الى العاملين بصدق ونزاهة، بإخلاص وانسانية على ان يعود هذا المجتمع الى رشده ويُفكَ اسره، نحتاج الى الرقابة والمحاسبة الجادة التي غُيّبت واصبحت سبباً رئيسياً لما يحدث من انفلات وفساد على جميع الاصعدة فقد تغيَّرت المقولة الشهيرة عند الكثيرين الى: "ان كُنت (لاتخاف) فافعل ماشئت!".
نحتاج الى من يوضح مفهوم الحرية والديمقراطية بصورة صحيحة، نحتاج الى التكاتف والعمل بيد واحدة لاستئصال الامراض الفكرية الخبيثة ومنع انتشارها والقضاء عليها، نحتاج الى المرشدين في كل مكان كما قال نبينا محمد (ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا".
كل مؤمن يتوجب عليه ارشاد اخيه الذي لا يعرف والقاء الحجة على من لا يكترث والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا بتقوى الله فقد قال تبارك وتعالى (وآلّذٍيِ خلّق آلّمٌوتٍ وآلّحًيِآﺓ لّيِبلّوگٍمٌ آيِگٍمٌ آحًسن عمٌلّآ وهًو آلّعزُيِزُ آلّغٌفُور) سورة الملك آية (٢).
كُل من مكانه يستطيع بالشيء اليسير ان يغير الكثير لنتطور بالشكل الصحيح ونرقى نحو الافضل، فالتطور وُجدَ عملاً انت المسؤول عنه انت من سيتبناه ويطبقه فلتجعل من التطور في مجتمعك حياة لا احتضار.
اضافةتعليق
التعليقات