لابد على الإنسان أن يذكر نفسه في ظل هذه العولمة والصراع بين الذات والواقع، على أن الحياة الحقيقية أكثر جمالًا من فلتر. ولابد أن نتقبل أنفسنا كما نحن، ونحتفل بالتنوع والاختلاف الذي يميزنا عن غيرنا من الأشكال المتشابهة. فالسوشيال ميديا مجرد نافذة، وليست صورة كاملة للحياة.
وفي زمنٍ صار فيه العالمُ شاشة صغيرة، تتزاحم فيها الصور الملوّنة، والابتسامات المصطنعة، والسفرات المترفة، والقصور التي شُيِّدت بالكلمات قبل أن تُشيَّد بالحجارة، أصبح التظاهر سلعة رائجة، تُباع وتُشترى على أرصفة السوشال ميديا. صفحاتٌ لا تُظهر من الحقيقة إلا قشورها، ولا تكشف من الإنسان إلا وجهًا مرسومًا بعناية خلف عدسات مُصفاة.
لكن، هل تُغني هذه الصور عن العمق؟ وهل يزرع البريق في أرواحنا ثمرةً صادقة؟ الحقيقة أن هذا الزيف لا يزيد المرء إلا عطشًا، ولا يمنح القلب إلا خواءً. فالتظاهر الدائم يشبه السراب؛ يلمع من بعيد، لكن حين نقترب منه لا نجد غير الرمل الجاف.
إن مواقع التواصل لم تُخلق لتكون مسرحًا للبهرجة، ولا لتكون مرآةً مزيفة تعكس ما ليس فينا، بل فُتحت لتكون نافذةً نطلّ منها على العلم والمعرفة، جسرًا بين العقول، ومنبرًا للحوار البنّاء. نحن من نحولها إلى فضاء خصب يثمر فكرًا، أو إلى ساحة صاخبة تضجّ بالسطحية والفراغ.
الخيار الأول الذي بين أيدينا هو تطبيق فلسفة القبول والاحتفاء بالوجود فإن جمال الوجود لا يكمن في مثاليته، بل في تفاصيله العارية من الزيف. فكل تجعيدة في الوجه هي سجل لقصة، وكل ندبة هي تذكير بمرور عاصفة، وكل لحظة صمت تحمل في طياتها حكمة. السعي خلف الفلتر ليس إلا هروبًا من مواجهة حقيقة الذات، محاولة بائسة لصياغة واقع موازٍ لا يملك عمق الأصل.
لنتحرك من مفهوم "الصورة" إلى مفهوم "الجوهر". لنحتضن هشاشتنا وقوتنا، أخطاءنا وانتصاراتنا، لأن في هذا الاحتضان يكمن التحرر الحقيقي. فالحياة ليست عرضًا مسرحيًا يُؤدى أمام جمهور افتراضي، بل هي تجربة وجودية فريدة، تُعاش بلذتها وألمها. السوشيال ميديا قد تكون مرآة، لكنها لا تعكس سوى انعكاسات مشوهة، ومن واجبنا أن نكسر هذه المرآة لنرى ذواتنا كما هي، في أصالتها التي لا تُضاهى.
فالنجعل من منصات التواصل جسورًا بدلًا من أن تكون جدرانًا. يمكننا أن نحولها من مساحات للاستعراض إلى محافل للحوار الفكري وتبادل الخبرات الإنسانية. القيمة الحقيقية لا تُقاس بعدد الإعجابات، بل بعمق الأثر الذي نتركه في الآخرين، سواء كان ذلك إلهامًا، أو دعمًا، أو مجرد تذكير بأنهم ليسوا وحدهم في رحلتهم. فلتكن السوشيال ميديا أداة للتغيير، لا منصة للوهم، ولتكن أصواتنا دليلًا للباحثين عن الحقيقة في عالم يغرق في الصورة.
فالنحاول أن نبدأ رحلة نحو واقع أكثر صدقاً. دعونا نشجع المحتوى الأصيل، ونكشف عن الحقيقة وراء الكواليس.
اضافةتعليق
التعليقات