لم تعد منصات التواصل الاجتماعي وسائل ترفيه أو تواصل عابر، بل تحولت إلى منابر إعلامية تنقل رسالة عاشوراء إلى أبعد مدى، وتوثق تفاصيلها لحظةً بلحظة، بين صور المواكب وأصوات العزاء، مع استخدام التجهيزات الافتراضية للواقعة، لتتجدد كل عام حكاية الحسين (عليه السلام)، حتى تبقى خالدة في ذاكرة العالم، عابرةً للأجيال، تتحدى حدود المكان والزمان، وتُذكّر الجميع بأن كربلاء ليست حدثًا مضى، بل قضية حيّة تنبض في كل قلب حسيني.
(بشرى حياة) تنقلنا في جولة استطلاعية حول مراسم عاشوراء على منصات التواصل الاجتماعي...
الحسين (عليه السلام) للجميع
بدايتنا كانت مع الممرض مرتضى الكرعاوي، حدثنا قائلًا:
لربما لا أشارك في مراسم عاشوراء الفعلية بسبب انشغالي بالعمل، إلا أنني أسعى لنقل أجواء عاشوراء بطريقتي الخاصة؛ إذ استبدلت صورة ملفي الشخصي على تطبيق إنستغرام بصورة رمزية للإمام الحسين (عليه السلام)، الأمر الذي أثار فضول صديق لي يقطن في بلادٍ أخرى، فسألني عبر الرسائل الخاصة: "من يكون هذا الرجل؟".
فرحت أحدثه عن شخصية الإمام، وعن واقعة الطف، وما تعرّض له، وكيف تمثّل بجثمانه الطاهر، وما قاساه عياله بعد استشهاده، وكيف ساقوهم سبايا. كل تلك الأحداث دفعته للعزم على الحضور إلى مدينة كربلاء المقدسة، والمشاركة في مراسم العزاء عن كثب، وليس عبر مواقع التواصل فقط.
وكان آخر سؤال وجهه إليّ: "هل سيقبلون بتواجدي؟ فأنا مسيحي".
أجبته: "إن الإمام الحسين (عليه السلام) للجميع، لا يفرّق بين الديانات، طالما نعبد ربًّا واحدًا. لهذا نحن نرحب بكل من يزوره، وإن كان مسيحيًّا".
أسعدته إجابتي، وتوعّد بأنه سيزور العراق في العام القادم للمشاركة في مراسم العزاء.
توثيق الثورة عبر التليغرام
وترى المهندسة الزراعية شروق الفتلاوي أن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرًا إيجابيًا على المجتمع إن استُخدمت بالشكل الصحيح لإيصال أهداف الثورة الحسينية.
تقول: "هذا ما اعتمدته في قناتي على تطبيق التليغرام، التي أنشأتها منذ ثلاث سنوات، حيث وصل عدد المشتركين إلى (13861).
كنت أنشر مواضيع هادفة تخص تربية الأطفال، والعلاقات الاجتماعية، وكيفية تعزيز الثقة بالنفس، وغيرها من المحتويات الثقافية. ومع حلول شهر محرّم، بدأتُ بتغيير صورة الملف الشخصي، لأعلن للمتابعين من داخل العراق وخارجه أن شهر الحداد قد حلّ علينا.
اعتمدتُ نشر مراسم العزاء التي تُقام في الليالي العشر الأولى، والمواكب الخدمية والثقافية، وغيرها من الفعاليات الحسينية".
وختمت حديثها: "من الممكن جدًّا أن نستثمر أي وسيلة لنقل مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، حيث أعتمد في قناتي هذا الأمر، ليس فقط خلال شهري محرّم وصفر، بل حتى في أيام الوفيات والولادات جميعها، ولا أنسى المناسبات الخاصة لبعض الرموز الدينية والوقائع الأخرى".
الشعر والشعائر
فيما قال الشاعر الحسيني عباس محمد هاشم:
"أنا من المتابعين لمنصات التواصل، أشاهد من خلالها مقاطع الفيديو الارتجالية (التشابيه)، فضلًا عن التطبيقات المخصصة في تصميم الرمزيات والصور الخاصة بالشعائر التي تُقام خارج العراق للمغتربين، إضافةً إلى التواصل ومشاركة الزيارة بالإنابة لمن لا يستطيع الحضور إلى العراق، وكذلك المراثي والقصائد الحسينية.
أجد أن جميع التطبيقات تُستثمر بطريقة ما لنقل واقعة عاشوراء".
تطبيقات مختلفة
مع توسّع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، باتت مراسم عاشوراء تحظى بتغطية رقمية واسعة تمتد بين القلوب والعقول، تنقل نبض الشعائر وصوت الحزن العاشورائي، الأمر الذي ساعد على إيصال تفاصيلها إلى جمهور عالمي متنوع، حيث لعبت المنصات دورًا محوريًّا في توثيق الأحداث ونقل الصور والفيديوهات بشكل لحظي، وأسهمت في تسليط الضوء على البُعد الإنساني والتاريخي للقضية الحسينية.
إذ لم تعد مراسم عاشوراء حكرًا على مكان أو زمان، بل أصبحت صورة حيّة تتداولها الأجيال عبر الشاشات، لتظل القضية الحسينية متقدة وتنبض بالحياة.
رسالة حضارية
وفي هذا الجانب، حدثنا الشيخ حيدر علي الساعدي قائلًا:
"لمواقع التواصل دور مهم في نقل الرسالة الحسينية من خلال التطبيقات المختلفة بشكل حضاري، لسرد تفاصيل تلك الواقعة بدقة، كما يمكن أن تصل إلى أكبر عدد من الموالين، وغيرهم من الثقافات الأخرى.
فقد ينتاب البعض الفضول لمعرفة شخصية الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولماذا خرج من بيته، تاركًا مدينة جدّه، مطالبًا بحق المظلوم ونصرته، مصطحبًا معه عياله، الذين كان لهم دور في واقعة الطف، والتي كانت بطلتها سيدة الصبر، العقيلة زينب (عليها السلام)".
وأضاف: "هناك أيضًا انتقادات لبعض الشباب الذين يغيرون من صفاتهم في شهر محرّم خلال التحاقهم بالخدمة، والمشاركة في مراسم العزاء، وارتداء السواد.
أود أن أقول لهم: إن باب الحسين (عليه السلام) مفتوح لكل مذنب، وهي فرصة لإعلان التوبة، والعودة إلى الصواب والفعل الحسن، كما فعلها من قبل الصحابي الحر الرياحي (رضوان الله عليه)، وهذا خير مثال يمكن أن يُقتدى به.
لذا، اتركوا الخلق للخالق، ويكفينا أن نُصلح أنفسنا قبل انتقاد الآخرين والانتقاص من شأنهم، فهنيئًا لمن يعرف طريق الهداية من خلال الخدمة الحسينية المباركة".
اضافةتعليق
التعليقات