غالبا ما تكون الفتاة الضحية إزاء تزييف أهل الشاب حقيقة ابنهم (العاق) على أمل أن تزويجه سيغير من سلوكه ويكون شابا صالحا، متناسين أن المرأة هي كيان يريد شريكا يقاسمها الحياة وليست مركز تأهيل للرجال الذين نشأوا بشكل سيء ولا تقع على عاتقها مسؤولية اصلاحه أو تغييره لذا تنتهي أغلب تلك الزيجات بأروقة المحاكم.
ولأهمية هذا الموضوع (بشرى حياة) أجرت هذا الاستطلاع:
إثبات نسب
ما زالت تتذكر(ع-ل) كيف لازمت نوبة الصرع زوجها في أيامها الأولى من الزواج وكيف تغير معها، تسرد لنا ما مرت قائلة: تحول إلى شخص آخر فمرضه الذي اعتقدت أسرته بأنه سيخف بعد الزواج ولربما يتماثل للشفاء ازدادت وطأته وبدا كأنه وحش كاسر كلما لازمته نوبات مرضه العضال، فلا ينفك عن ضربي وتكسير أغراض المنزل وتركه للبيت أيام بلياليها.
رفضت أسرتي فكرة الطلاق على أمل تحسن وضعه الصحي في قادمات الأيام إلا أن الصدمة الكبرى التي تلقيتها بعد صدمتي الأولى بمرضه هو نكران نسب ابنه بعدما حملت مدعيا بأنه عاجز، لا يسعني وصف أهوال ما قاسيته في ذلك الحين، أخذ القضاء مجراه برفع دعوة قضائية لإثبات نسب بعد إجراءات مطولة كانت لصالحي، كما أن الأمر لم يخلو من العرف العشائري لكن الأمر انتهى بالطلاق لصعوبة الحياة مع شخص مريض حيث تفاقمت حالته إلى أزمة نفسية حادة.
الجلاّد
وأشارت المحامية كوثر المسعودي في هذا الموضوع إلى أن الفتاة هي أكثر من تتعرض للأذى بهكذا زيجة إذ بعد طلاقها تتلقفها ألسنة الناس دون رحمة أشبه بالجلاد، الأمر الذي يمكن أن يسبب لها اضطرابا نفسيا لتعيش صراعا جديدا بعدما واكبته في بيت الزوجية. وأضافت: ولو عكسنا الصورة نجد أن الشاب من السهل أن يقترن بزوجة صالحة دون أي رتوش وتساؤلات وإن كان لديه أطفال، لكن الفتاة ستعاني الأمرين الطلاق ومسؤولية تربية الأطفال وبسبب المشاكل التي تلاقيها يصاب بعضهن بأمراض مزمنة أو نفسية كما هناك حالات انتحار، فضلا عن فرصة زواجهن تكون ضئيلة وغالبا ما تفشل.
لذلك هنالك من تتحمل قسوة حياتها بين التعنيف والاضطهاد أو تطالب بخلاصها فتكون من عداد المطلقات اللاتي ينظر لهن المجتمع نظرة معيبة وكأن الطلاق وصمة عار في جبينها، متناسين ذوي الزوج أن ما قاموا به هو ظلم لفتاة كل ما ارادته هو نصفها الآخر لتكمل معه مسيرة حياتها.
وأكدت المسعودي: أن تدليس أهل الزوج لمصلحة ابنهم هي جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، وذلك للحد من هذه القضية.
تقاليد سائدة
وشاركتنا الاستشارية زهراء عبد الرسول التميمي من مركز الارشاد الأسري قائلة: من التقاليد السائدة في المجتمع العراقي موضوع تزويج الابن العاق الذي تقع مسؤوليته على عاتق الوالدين، فلا ينبغي التخلي عنه بل السعي إلى مساعدته على اصلاح ذاته بذاته، كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) إذ إن مسألة الحكم على نجاح زواج الابن العاق هي مسألة افتراضية، تخضع لمختلف العوامل، فقد يسهم زواج الابن العاق في اصلاح سلوكه، من خلال تحمله مسؤولية الزوجة والأطفال والبيت فتتغير نظرته إلى الحياة وبالتالي يتغير نحو الأفضل، ولربما يبقى على حاله وقد يزداد سوءاً مما يؤدي ذلك إلى معاناة زوجته وأطفاله فيؤثر على عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء وعلى توافقهم النفسي والاجتماعي، وقد تضيق الزوجة ذرعاً فلا تتحمل بقائها مع زوج عاق لوالديه وعديم المسؤولية ولا يحمل صفات الزوج الذي تتمناه فتنفصل عنه، فيكون الأطفال ضحية تلك الزيجة إن وجدوا.
وأضافت: لذا عند الشروع بموضوع زواج الابن العاق ينبغي على الوالدين اخبار عائلة الفتاة التي يتقدمون لخطبتها، كي تكون لهم حرية الاختيار ويكونون على معرفة بحقيقة الشاب، فمن الضروري في مسألة الزواج أن يكون كلا الطرفين على مصداقية ووضوح، فمن الخطأ المبالغة والكذب على الطرف الآخر وادعاء المثالية غير الحقيقية لكلا الطرفين، واغراق الطرف الآخر بالوعود غير الصادقة، لأن مسألة الوضوح والصراحة تجنب الوقوع في المشكلات فبعض الفتيات لا يتقبلن منذ البداية الارتباط بهكذا شخص، والبعض الآخر لا يشكل لهن عائقاً لسبب أو لآخر لذلك تبدي الفتاة استعدادها لتغيير سلوكيات الشاب ولها القدرة على تحمله.
ثقافة شعبية
وبين الشيخ قيس العامري الرؤية الشرعية التي تتوقف في صدد هذا الموضوع: من المعلوم أن التدليس من الناحية الفقهية يعطي خيار فسخ العقد للطرف المدلس عليه في حالات يفصلها الفقه، أما العقوق أو الانحراف السلوكي فهو ليس من التدليس كما في الفقه.
لذا إن من رجاحة العقل عدم الثقة في الكلام الظاهري قبل اتخاذ قرار مثل قرار الزواج، وأن يتم الفحص والتمحيص عن الطرف الآخر للتأكد من أن هذا الزواج هو زواج ناجح ومتناسق ويصنع أسرة سعيدة.
كما أن فكرة تزويج الشاب بسبب كون الزواج يعطي للشاب الاحساس بالمسؤولية اتجاه الأسرة التي كونها وبالتالي يحسن الشاب من سلوكياته المنحرفة ويتجه نحو الاعتدال في السلوك فهذا الأمر غير راجح عقلا، ولا اجتماعيا بنسبة كبيرة وإنما هو ثقافة شعبية عامة غير موزونة، وتسري هذه الفكرة في المجتمع لعدة أسباب منها انتشار ثقافة التزويج المبكر غير الموزون، وانتشار فكرة أن الشابة عند تقدم الشاب لطلب الزواج منها فإنها فرصة لا تتكرر، وأن العجلة والتلهف للزواج من قبل الشاب والشابة بسبب عوامل نفسية وفسيولوجية، فضلا عن قلة الثقافة الأسرية والاجتماعية من قبل أولياء الأمور اتجاه أبناءهم.
وأضاف: كما يمكن للزوجة أن تغير سلوك الزوج وهذا يعتمد على مدى صبرها، وقدرتها على معالجة الأمور بحكمة وروية وقد يكون الأمر صعبا لكنه أفضل من التفرقة.
اضافةتعليق
التعليقات