تخطت حاجز الصمت، وارتضت همسا لتروي عطش الوتين، تلك هي، سلوى ذات الخامسة والعشرين، عرافة بيتها وسيدة حرفها، تغذي الصدى من موال دفئها وتدفع الردى بدمعة عمرها،
شعارها، مداراة العقول.. ونبضها سيان يجول بين أطناب الهمة وتابوت الاستراحة..
تكابح البسمة على لطائف الحكاية، ويبادرها الاجتماع مع قريناتها عند المرفأ، تسامر القهوة ليلا لتعيش ذكرياتها التي مابرحت إلا دثارا لهمّ الماضي، ومعالجات المستقبل .
تنفست صاعدا، وارتوت قليلا من كأس لها كان قد عد وريثا لعدة حروف فاضت من صندوق الحبر،
ورفات الثغر المبلول بالحقيقة .
هل ياترى، يرجع ذلك الوثير، من أول الملتقى! أو لم يسعفنا نسمة ليرمم الزيزفون منا شهقة الحاضر..
كنت أتمنى، وألح على لحظات قد أهدرت من مساري ونبضي في حياتي، لأعاهد نفسي لترميم صدأ الأفول الذي واكبني منذ زمن..
تمتمات سلوى، ممزوجة بدمع قراح، لأن احساسها الموسوم بالوجوم لاينفك جزء من ظلها الوهيب.. يعاودها سمشا وقمرا .
لاتبرح الحسرة صدرها وأنفاسها، ثقل عقيم ينال منها كل لحظة، وكأنه ندم مباح..
ياترى، من الذي أوقد الوتر فيها، وارجف الجفن منها حتى بات الغلال منها مرابط الألم ومسرح عكسر موق عينيها ب قلق.
قالت سلوى، وهي تحاكي الضمير المستتر تحت جنح الكلمة.. لعلي أخطأت الاختيار، وجافيت بعد الإدراك عند مطب الرغبة لشريك الحياة، والذي هو سبب تعاستي، لقد أخذ مني كل شيء، ولم يعطني إلا النزر..
كان وسيما نعم، مرحا، ورفيق حلم قصير.. أجهضتني الغفلة وقتها ولم أدرك فيه قلة وعيه.. وسورة غضبه على أتفه الأمور، زاعما أنه رجل وليس عليه ضباب الأخذ بالقلة والازدراء.
لازلت أتذكر فضاضته عندما تركني أصارع البلوى ك رغيف يعالج به نواقصه .
لم يشعرني يوما، أن كياني قطب يجمع شتات الشعير ويرفض لم العتيق، ويحسن بوادر الغسق..
وكأني أكذوبة في لفافة الورق، بت أعالج وحدتي بحديث الأمل، وأرى الشفق لغزا يعانق أنفاسي، لعل ثغرة منه تقتل الملل وتهديني عمرا جديدا .
إنه فحل الفوارق، غارق في ألم نفسه، وعابث في تنهدات عصره، ولا يكابد إلا حرفين من معاشه .لا توبة ترضيه، ولاشرف يكسيه .
صدقا لا أعلم، هل براءتي هي التي أوقعتني شرك ذاك التعجرف الممقوت فيه!
أم سذاجتي، سرقت مني حرية التعبير، وكأني دمية سامية! أو لعله انفلات في التصرف الآني !
على كل حال، أضحى لكل حادث زمن مرهون به..
تقول سلوى :
اليوم أنا على شفا جرف ضاعت فيه الفرصة، وأخذ مني الندم صفحات كثيرة لا تعود، فقدت النواصي مني روعة شبابي، وكبكبت وفود المحيا راحلة عند خليج القبور، تهيم التراب المخمور برفات الزمن وتعجن منه قرصا مأساويا لا يشبع حتى النبض الرخيم..
ياهذا، ليتني.. لم أراك، لم أعانق فيك فجر الحروف، ياليت دقات قلبي تعاود الثريا..
لأجمع وسامتي وأرفل نسيما منمقا من عمق الزهور.. ياليتني أكلم حقيبتي، كي أراني عرافا لأعرف قيمتي وإن دثر .
وقفة..
هذه قصة سلوى، مسرح متكرر من أفواه نادمة تعج يوميا، من أذهان متعبة سرق منها فرحها وزاد من ترحها في وقت يكون الاستغراق في السبب نصيبه الأكبر..
من هو المسؤول؟!
هل العمق هنا في الذات، وشفافية الاختصار في الباطن وحجز تذاكر الرهان عند اختيار رفيق الدرب
مرفق بالتساهل في عين الطلب؟!
أم هو العبء الزماني مع شروط الحاضر، ودماثة الوسيلة؟!
أم إن الوفاض هنا يراهن على قدر الموجود مع تراكم المسببات، المحفزة لاختيار دون بصيرة ونظر؟!
معادلة معقدة، متزامنة مع حال النفس وقرار الفكر لها..
لا نراهن الخطأ هنا ب سذاجة الموقف فقط بل إن المجتمع الحالي يزامن الظرف ويلعب على وتر المكر أحيانا، داعيا إلفات النظر إلى مايطلب ومايرغب دون دراسة ووعي وامتثال قرار .لذا يقع فريسة بأيدي لا تعرف معنى المغفرة، والحذر ومعرفة الشخوص بدراية وغربلة .
ناهيك عن المظاهر الباهرة، ولسان حال الثقافة، وعمق إدراكه واختصار المعرفة لديه، واختزال النضج في استيعاب النواقص الذاتية والحسية في جسد المجتمع وأفراده .
وليس بعيدا، في أن التدهور المادي وأداته وأدلته، ونفوذه عمق التوقع والذوق والاعتقاد قد أولد شرنقة تقضم خضرة المبادرة، لترتوي كما يحلو لها وتعيش كما ترتضي ك فراشة متغيرة الألوان عند ارتياد جسد النسيم .
لامفر هنا، من فرز معادلة توازن بين الآلية المفروضة.. واستحقاق الوجود حتى في أبسط ظواهره، كي لا تركن الظليمة نفوذ متجلد من الرحمة، ولا تبتعد عن المضمون الخاص بها وكظم الفتور اللامبالي في جسد العلاقات، وترميم الشق المبتور فيها .
اضافةتعليق
التعليقات