الزواج رباط مقدس، وفعل قانوني يضع الزوجين تحت التزامات شرعية واجتماعية. يؤسسان لعلاقة يرضى عنها الدين والقانون والمجتمع. ونجاح أي زواج يتوقف على مدى قدرة الطرفين على التفاهم والتوافق والتكيف.
وإن السعادة الزوجية هي شعور شريكي الحياة في تفاعلهما معا بالسكن والمودة والرحمة، حيث قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وشعور الطرفين بالانسجام والانتماء العاطفي والرضا والسعادة والاتفاق في حياتهم الزوجية والقدرة على التعامل الناجح مع مشكلات الحياة الزوجية حيث ان الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، ويتوقف نمو هذا الأخير وتقدمه على ترابطها وتماسكها، وقدرتها على إعداد جيل فريد للحياة الاجتماعية.
ومن المفاهيم التي ظهرت حديثًا مع التغيرات الاجتماعية التي أصبحت تركز على التوافق الإنساني، مفهوم توافق زواجي (Adjustment Marital): حيث يعتبر التوافق الزواجي من أبرز مؤشرات الصحة النفسية في الأسرة، وهو يعني قدرة الزوجين على التكيّف مع الحياة الزوجية وهو مركب من لفظين مفردين بإضافة لفظ: «توافق (Adjustment) إلى لفظ: «زواجي» والتوافق يعني قدرة الانسان على التواؤم مع النفس(توافق نفسي) ومع البيئة الاجتماعية (توافق اجتماعي)، وهي عملية مستمرة ليحصل التوازن بين الفرد وبيئته. وللتوافق الزواجي أنواع عديدة تبين جوانبه وتكون مفهومه الكلي ومن أبرزها:
أنواع التوافق الزواجي:
أولًا: التوافق النفسي: ويعني توافق الزوجان في الصفات النفسية وسمات الشخصية.
ثانياً: التوافق الأخلاقي: وهو التوائم من حيث الصفات الأخلاقية والسلوكية.
ثالثاً: التوافق العمري: أي أن يكون الزوجان متقاربين من حيث السن، ويفضل أن يكون الرجل أكبر سناً من المرأة ليمكنه ذلك من إدارة الأسرة بشكل إيجابي.
رابعاً: التوافق الشأني (الاجتماعي والمالي والفكري)
ومن اهم عوامل التوافق بين الزوجين:
- الاستعداد النفسي للزواج واللازم لتحمل مسئولياته وكذلك الاستعداد المادي من حيث تكاليفه ومطالبه.
- الاختيار الموفق للزوج.
- النضج الانفعالي وأساسه الحب المتبادل.
- الاحترام والتقدير والتفاهم المتبادل والثقة والتسامح والتضحية المتبادلة.
- النضج الاجتماعي ويتضمن فهم الذات وتقبلها والاستقلال الذاتي والنجاح في القيام بدور المسئولية تجاه كل منهما للأخر وكذلك للأبناء.
- تكافؤ شخصيتي الزوجين وتكاملهما من حيث الصحة النفسية والجسمية.
- نمو كل من شخصية الزوجين معا حيث يحدث النضج العقلي للزوجين وليس لشخصية منهما على حساب الاخر .
ونأتي الان الى اهمية التوافق الزواجي:
حيث تتمثل أهمية التوافق الزواجي في أن ارتفاع مستواه يزيد من قدرة كلا الزوجين على تحمل الضغوط الحياتية، واجتياز الأزمات التي يواجهونها. ويجعلهما أكثر سعادة في الحياة بشكل عام وأكثر قدرة على توظيف طاقاتهما وقدراتهما للقيام بأعباء الدور، وانجاز المهام المنوطة بهما بأكبر قدر من الكفاية.
وأهمية دراسة موضوع التوافق الزواجي تتضح عندما يكون منخفضاً في المجتمع، فإن ذلك الانخفاض سيؤدي إلى التأثير السلبي على المجتمع من خلال عدم استقرار الأسرة فيه بما تتضمنه من أطفال ومراهقين؛ مما ينتج عنه الكثير من المشكلات في المجتمع أهمها الصعوبات الزواجية، وهي مؤشر لانخفاض التوافق الزواجي وتسبب بنتائج خطيرة مثل:
1- الطلاق الذي يعد نهاية مطاف العلاقة الزوجية، وما يتبعه من تفكك أسري.
2- ظهور الأعراض والاضطرابات النفسية والجسمية، فالتوافق الزواجي يرتبط سلباً بهذه الأعراض.
3- ارتفاع معدل الخيانة الزوجية.
4- نشوب النزاعات والخلافات بين الزوجين؛ مما يؤدي إلى عدم استقرار الأسرة ويؤثر سلبا على الأبناء.
5- تشوه صورة الزوجين في عيون الأسر المحيطة بهم، مما يؤثر سلباً على مكانتهم الاجتماعية فتتقطع أواصر الصلات بينهم.
إن الثمار الايجابية التي يجنيها الأزواج الذين يرتفع مستوى توافقهم تتمثل في زيادة قدرتهم على تحمل مشاق وضغوط الحياة مما يساعد على توظيف طاقاتهم وقدراتهم للقيام بأدوار أكثر فاعلية.
حيث ان وجود علاقة عاطفية بين الزوجين له تأثير ايجابي وفعال على الحالة السلوكية لأبنائهما سواء صحياً او نفسياً او اجتماعياً ويقلل من امكانية انحرافهم وهذا يتضح مليا وجليا في البيوت والاسر التي تعتمد الحب مبدءاً يحكم العلاقة بين الاب والام مما يساعد على نشأة ابناء يتمتعون بالأمان، على حاضرهم ومستقبلهم.
ومن خلال بعض الدراسات انتهت النتائج الى ان ابناء الامهات غير المتوافقات زواجياً اكثر معاناةً من المشكلات الدراسية والاسرية والصحية بيد ان هذا التوافق لابد وان يطال اشياء كثيرة واعني به التوافق الثقافي والفكري وكذلك الاجتماعي اضافة الى التوافق المهم والاهم في ذات الوقت وهو التوافق النفسي والذي من خلاله يتم التقارب بدرجة كبيرة من التفاهم بين الزوجين وبالتالي تنشأ بينهما المحبة والمودة والالفة والرحمة ويعتبر مدخلاً ايجابياً ومناسباً لتنشئة الابناء تنشئة سليمة وخالية من العقبات.
فالصفاء بين الوالدين وتقاربهما يجعل الابناء يرون الدنيا جميلة، كما ينشأ الابناء في ظل التوافق بين الوالدين في جو من الامن والطمأنينة اضافة الى حياة يسودها التكاتف والتعاضد بين الأخوة اضافة الى اتسامهم بالأمانة والصدق والوفاء وجميع هذه الصفات الايجابية التي تكتسب من هذا الوضع السوي الذي يسود العلاقة بين الزوجين.
والتوافق بين الزوجين له أهمية خاصة في تنشئة الأطفال فاتفاق الوالدين وتعاونهما وحفاظهما على كيان الأسرة من أهم العوامل التي تؤثر في نوع المعاملة التي يتلقاها الأبناء من أمهاتهم وابائهم، كما أنها تخلق جوا هادئا مستقرا ينشأ فيه الطفل نشأة متزنة، وهذا الاتزان العائلي يترتب عليه غالبا إعطاء الطفل الثقة في نفسه وفي العالم الذي يتعامل معه فيما بعد.
أما إذا كان الجو الأسري يسوده التوتر والنزاع الدائم بين الأبوين فقد يؤدي إلى تنافس كل من الاب والام إلى كسب محبة اطفالهما، وهذا بالتالي يؤدي إلى قيام كل من الأم والأب بدورهما كاملا في تنشئة أطفالهما، ومن ثم تنعكس حالة الوالدين على معاملتهما لأطفالهما فتكثر أخطاؤهما معهم ويعم على الاطفال الشقاء والتعاسة فإنه لا يمكن لوالدين تعيسين أن يسعدا أبنائهما.
أن عدم التوافق بين الزوجين والخلافات الحادة التي تنشأ بين الزوجين يعتبر بداية لكثير من المشكلات الاجتماعية والتربوية التي تعوق تنشئة الأبناء تنشئة طبيعية تحقق لهم الصحة النفسية السليمة وتجعلهم قادرين على القيام بدورهم في الحياة، وكلما كانت الاسرة مستقرة من حيث اسلوب التعامل بين الابوين والابناء والاحترام المتبادل والتفاهم والمشاركة والتعاون في توزيع مسئوليات الزوجين ووفاء كل منهما بما يعهد إليه كلما ظهر ذلك على تنشئة ابنائهم تنشئة سليمة لا يشوبها شائبة.
ومن المؤكد أن توتر العلاقة بين الزوجين على نحو طبيعي لا يعتبر نهاية للحياة الزوجية أو فشلها، لكن ما ينبغي أن يتنبه له الزوجان ألا يتركا خلافاتهما تنعكس على تربية أبنائهما فتتمزق نفوسهم وتضيع حقوقهم، ويستقبلون الحياة عبر أجواء سيئة ملوثة، وبالطبع مهما كانت درجة التوافق الزواجي عالية، فإنها لا تمنع حصول بعض الخلافات والإشكالات بين الزوجين، و خاصة في السنوات الأولى من الزواج، حيث تكون خبرة كل منهما بالآخر قليلة والثقة في بدايتها، لكن إذا كان أسلوب التعامل مع المشكلات واعياً ناضجاً، فإنه يمنع تفاقمها وتطورها، بل يحولها إلى مصدر إغناء وحماية لتجربة التوافق بين الزوجين.
وبالتأكيد لا أحد من الزوجين يرغب في وجود مشكلات تنغص حياته الزوجية، بل إن كلاً منهما يتمنى السعادة والانسجام، إلا أن هناك أسباباً تنشأ وتنمو في ظلها الخلافات والمشكلات العائلية حين تجد تربة خصبة لذلك، ولا أكثر تهيئة لهذه التربة المريضة من ضعف ثقافة العلاقات الزوجية، والزوجان يتحملان مسؤولية التسلح بالوعي لحماية عيشهما وأولادهما تحت سقف واحد بوئام . لذلك يجب ان يتوافر في الاسرة الحب والامان والاطمئنان والتوجيه الذي يحدد إلى درجة كبيرة نمو شخصية الطفل وتفاعله مع المجتمع فيما بعد.
اضافةتعليق
التعليقات