شهدَت مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً كبيراً حول تعديل قانون الاحوال الشخصية، وبعدما تناولت الخبر القنوات الفضائية أخيراً، وعلى سرعة انتشاره في مواقع التواصل كان الخبر كشعلة نار، أُوقدت في قلوب المعارضين، وما أثار هذه الزوبعة الاعلامية مطالبات المرأة بحقوقها ومساواتها مع الرجل وقد طالبت بعض الاصوات بتعديل القانون وعدم القبول به، على انه قانون جعفري يظلم المرأة!.
فاختلفت الآراء والتعليقات فمنهم من اعتبر هذا القانون تعسفي، في حين يرى آخرون انها حصانة ووقاية للشباب قد يساهم بحفظ المجتمع من الانحراف، وان البعض حاول تهميش الجانب الايجابي لهذا القانون، وجعلوه شماعة لتلك القصص الفاشلة، بذريعة (انها قاصر) وهذا هو المقصود منه تغير مسار الاسلام وتعاليمه التي أكد عليها القرآن الكريم والأحاديث النبوية من دون أن يحدد سن الزواج كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، والقصد من الباءة هنا هي القدرة البدنية والقدرة المادية، وطالما لم يرد نص من القرآن الكريم ولا من السُنة يُحدد سناً معيناً، فإن هذا الأمر يعتمد على الشروط التي تتوفر في العقد بين المرأة والرجل كالبلوغ والعقل وأن تكون خالية من العيوب .. الخ.
فالشرع الاسلامي كان يحث على الزواج المبكر حتى لا يقع الشاب المسلم في الرذيلة والفاحشة بحكم ان طاقته تكون أقوى في هذه المرحلة، ويكون أكثر عرضاً للشهوات حينما يكون الوازع الديني قليلا أو يعيش في مجتمع مخالف لهذه الضوابط الاسلامية، وحتى يعيش في جو الامان النفسي والجسدي يتزوج الشاب في السن المبكر ليدفع عن نفسه الفتنة ويمارس ما شرعه الله له عن طريق الزواج، فيصبح قادراً على تحمل المسؤولية، ويعرف واجباته وحقوقه، وانه يساهم أيضاً في القضاء على العنوسة، فكلما تأخر الشاب عن الزواج كلما ازدادت طلباته، وقد يعيش في حالة الانعزال والاكتئاب، كذلك البنت التي تعزف عن الزواج، فهو اذن علاج للشباب وليس داء أو تعسف كما وصفوه.
وفي إطار هذا الموضوع شاركت بشرى حياة آراء بعض الكاتبات والناشطات في المجتمع المدني.. فكان رأي الكاتبة فهيمة رضا: جميعنا نعرف ان المسلم حالياً في مجتمعاتنا لا يُمثل الاسلام، وفي كثير من الأحيان يتعدى على أركان الإسلام. لذلك هذه المسألة أيضاً من المسائل الكثيرة التي لم يتعلمها الناس حسب الأصول، عندما يقول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الكلام فهذا الكلام صحيح حتى وان لم يعرف الناس عمق صحته.
ثم لماذا ننظر إلى المسألة بهذه الصورة، الآن البنت في الغرب ألم ترتبط مع الشباب في سن مبكر؟
وهناك علاقات محرمة أيضاً مع الآباء ووو.. فهناك تسمى هذه المسألة "انفتاح.. واستقلال" لأجل مستقبل أفضل. أنا شخصياً ممن تزوج في الصغر ولست نادمة أبداً، بل بالعكس أنظر إلى نفسي في المقدمة.
وأضافت رضا: ان زواج القاصرات منفعة لهم نفسهم، والطلاق يحدث عند كل الفئات الآن الدكتورة والمعلمة التي تفهم أيضاً تعاني من مشكلة الطلاق وقد تزوجت على أساس انها راشدة و(فاهمة).
وشاركت الكاتبة هدى مفرجي برأيها: ان زواج القاصرات هو اعتداء صريح على الطفولة مؤطر بإطار مزخرف من الاسباب الواهية أولها (الستر)، وربما لايجب علينا أن نوجه جمَّ اصابع الاتهام على القانون الذي صدر، فالسبب الأساسي فيه هو العوائل وقلة الوعي الثقافي لديها الذي سينقل طفلة لا تفهم سوى لغة الالعاب إلى زوجة ذات مسؤوليات وأم غير مؤهلة، أما عن القانون الذي صدر ربما هو حل لمشكلة زواج القاصرات خارج المحكمة الذي يُضيع حق الفتاة في مجتمعنا الحالي والذي أصبح فيه الطلاق أسهل الامور فهو قانون لا يجبر أحد أن يزوج ابنته، بل هو موضوع شائع في وقتنا الراهن واذا ما حدث طلاقا ووفاة فقدت هذه البنت كل حقوقها، وربما ينتج عنه أطفال يفقدون أبسط حقوقهم القانونية بسبب إن الزواج كان خارج اطار المحكمة ولم يترتب عليه أي أثر قانوني. ربما هو حل لمشكلة عقول آباء متخلفة لا تنظر إن للطفلة حق اللعب والدراسة قبل أن يُثقلوها بالمسؤوليات..
وتابعت مفرجي: وأنا لم اقصد من بلغت سن الرشد التي تستطيع تحمل مسؤوليات نفسها قبل مسؤوليات الزواج ..فاليوم أبصر ان الاباء يزوجون أطفالا لا نساءا لذلك زادت حالات الطلاق، ومن المستحيل أن أتطاول على كلام الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - وقطعاً ان الدين لا يقبل بما يحصل من إساءة للطفولة، وهي اساءة لا يمكن السكوت عليها ..
اذن هل يعقل ان الدين يؤهل طفلة لا تعي نفسها للزواج، ربما هذا كان رأيي وانا لا اعترض على الدين بل انني على يقين إن الدين يؤكد وعي الفتاة على نفسها أي أن تعي جسدياً وذهنياً وماعُرف عن آل البيت عليهم السلام انهم فقهاء منذ الصغر..
وما نبصره الآن هو عدم الوعي التام من جميع الجوانب وأطفال قد أصبحن مطلقات بسبب عدم الوعي..
و بدأت الكاتبة سجى الكربلائي قولها بوصية الرسول حينما قال: زوجها في الثمان. فهو العالم غير معلم انه سيأتي هكذا زمان ويجتاح التطور المنازل، ولكنه الأولى بالمؤمنين من انفسهم يعلم ما فيه الخير لنا، فأين التسليم لكلامه! اننا وضعنا حلول الغرب لمشاكلنا فما زادتها إلا تعقيداً ولذا انهالت علينا الأزمات وأولها العنوسة! بسبب ابتعادنا عن السُنة والاسلام الحق..
وأشارت زينب ناصر/ كاتبة وناشطة: الأحكام غالباً تخضع في كثير من الأحوال للعُرف الغالب في المجتمعات باختلاف الزمان والمكان.
مثلاً ورد في الآثار أن الرسول كان يكتحل بالكحل حيث كان الاكتحال من عادات العرب التي يحرصون عليها ومن مظاهر الجمال عندهم؛ لذا اكتحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالاكتحال، وورد في سنته صلى الله عليه وآله وسلم الحث على الاكتحال بنوع معين من الأحجار بينما لا يكتحل الرجال في زماننا غالباً، وكذلك الحال في إطالة الشعر للرأس، لم يكن في شعر رأسه عليه السلام تجعيدا كما لم يكن أملساً ناعماً، وكان كثيفاً بحيث يصل طوله في بعض الأحيان إلى شحمتي الأذنين، وفي أحيان أخرى إلى نصف الأذنين، وفي أحيان أخرى إلى المنكبين، كما كان يفرق شعر رأسه ويدهنه، وكان شعره قليل الشيب ففي حال دهنه لا يظهر من شيبه شيئاً، ومن البديهي جداً أن لا ترضى أي واحدة الآن من تزويج ابنتها في ال8 من عمرها لِما طرأ من اختلاف في الأعراف، حيث كان الزواج في السابق بسيطاً لا يتجاوز الإنتقال من بيت الى بيت آخر، ولم تكن مسؤوليات المرأة ثقيلة مثل الآن، إذ كان يقتصر على اعداد الطعام والقيام بأمور المنزل البسيطة.
مثلاً المرأة في زماننا يجب أن تعرف مهارات الحياة لتحمي أسرتها من كواسر المجتمع وأنيابه فلا يرضى زوجها بطبيعة الحال بامرأة تقليدية، وهو يرى العجب العجاب من موديلات النساء وهذا هو الواقع.
كما لا يرضى بطبخة واحدة تتكرر مرات عدة خلال الأسبوع مع وجود الكم الهائل من الوصفات التي يشاهدها عبر التلفاز، وهي أيضاً يجب أن تكون مُلمة بشيء من الثقافة الأسرية على الأقل كإدارة الأولاد والطرق التربوية الحديثة، في القديم لم تكن المرأة بحاجة لأن تتواصل مع المدرسة لتعلم حال أطفالها ولا أن تتصل بالإسعاف إذا ما حدث طارئ ما ولا كيف تستخدم مطفأة الحريق إذا شب لا سمح الله، وهكذا ما لا يُعد ويُحصى من المسؤوليات المترتبة والمتوقعة من المرأة.
لذلك إذا أردنا القياس مع زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أن يكون قياسنا منصفاً وإلا وقعنا في كارثة لانتمكن من لملمتها وهي الطلاق.
وفي الختام كان لنا وقفة مع المحامية منى حبيب حيث قالت: في مقدمة الحديث يسعدني أن اكون معكم في هذه الصرخة الاعلامية التي يحاول البعض أن يُضعفها بتلك النداءات والتلبيات التي نسمعها من حين لآخر، إن مسألة الزواج المبكر وارتباطها بالقانون العراقي مسألة قديمة وليست بحديثة العصر حتى تنال هذه الضجة، ووفق القانون العراقي إن السن القانوني لعقد الزواج بين (المرأة والرجل) هو اكمال الثامنة عشر من العمر، حسب نص المادة (7) من قانون الاحوال الشخصية رقم(188) لسنة 1959 المعدل، يجوز استثناء ابرام عقد الزواج قبل اكمال الثامنة عشر من العمر وحسب نص المادة (8) من قانون الاحوال الشخصية اعلاه.
اولاً:
1- ان يكون الشخص (ذكراً او انثى) قد أكمل الخامسة عشر من العمر.
2- أن يتقدم بطلب الى القاضي.
3- موافقة وليه الشرعي وهو الاب.
4- اذن القاضي بعد تثبته من أهليته وقابليته البدنية.
ثانياً:
للقاضي أن يُعطي الاذن لمن بلغ الخامسة عشر من العمر عند الضرورة القصوى بعد التحقق من البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.
وتعلمون جيداً مدى اقبال الفتيات في هذا العمر على الزواج، وحسب خبرتي لم أرَ يوماً فتاة أُجبرت على الزواج وهي في سن (القاصر)، نعم يوجد أعمار صغيرة ولكن تتوفر فيها الشروط القانونية والاسلامية كهذه الاعمار (14 أو 15) واعمار الشباب (16 و17 و18)، وعندما تتحدث معهم تعرف انهم صالحين وان كان هناك بعض حالات الطلاق التي تنتج عن عدم الاستقرار أو تدخل من أهل احد الطرفين من قبل أهل الزوجة او أهل الزوج، والحالة المادية وكثرة الطلبات، وتقليد الغرب في الحياة الزوجية، كلها عوامل دفعت الزوجين الى الانفصال ولم يكن العمر هو السبب وإنما قد يكون أحد العوامل وليس كلها، فهذه الولايات المتحدة والدول الغربية التي يعدها العرب نموذجا هي ايضاً لم تحدد سن للزواج، وأباحت لكل الاعمار، فلماذا بهذا الأمر نخالفهم.
في فضل الزواج
وعن الإمام الرّضا عليه السلام:
"إنّ امرأة سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام فقالت:
إنّي متبتّلة. فقال لها: وما التبتّل عندك؟
قالت: لا أريد التزويج أبداً. قال:
ولِمَ؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل، فقال: انصرفي، فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحقّ به منك، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل".
اضافةتعليق
التعليقات