الحياة الزوجية تتطلب الكثير من التضحيات، أيسرها الأنانية التي تنتهي بمجرد عقد القران، فتبدأ مرحلة جديدة في عمر كلا العروسين، ثم تتضح الرؤيا بعد مجيء الأطفال، الذين يسهمون في ترابط الأسرة، وفي حال تأخر مجيئهم تبدأ مرحلة من الإستياء والتضجر والرغبة بالوحدة، أو بدء علاقات إجتماعية جديدة بعيدة عن الحياة المشتركة، فينفرد كلا من المرأة والرجل بالمعارف والأصدقاء، لقضاء الوقت الأكبر معهم، بعيدا عن علاقة المودة والرحمة والسكينة مع الشريك.
ومع مجيئ الأطفال، قد تبدأ الخلافات في أسس التربية السليمة، فإذا كان الزوجان متفاوتان في الأعمار والدراسة والطبقة الإجتماعية والوعي، ينظر كل منهما إلى الجانب السلبي في علاقته مع الطفل، فقد تحبذ الأم شيئا لا يحبذه الأب إلى أن يعتاد كل منهما على الآخر، ويستسلم لمنهج متوازن في التربية، بعيدا عن السلبيات.
الحياة المشتركة تتطلب الكثير من التنازلات، في سبيل إرساء سفينة العائلة إلى بر الأمان وتتطلب التفاعل والإجتهاد، في تأصيل الترابط الأسري، تحتاج إلى التفهم والحوار وإبعاد سحائب الحزن عن بيدر الحياة، وكذلك جراحات الألم التي تؤدي إلى سلوكيات منافية للمطلوب، بهدف الإبتعاد عن التهاب الجراحات، وثلم نزيف المظلومية في العلاقة، فالحياة تتطلب الحب والبهجة بهذا الحب، وابعاد كل المنغصات للحياة الطيبة السعيدة، فمن منا يحب الظلم أو الألم أو جرح المشاعر أو هدم المعنويات؟ لا أحد يحبذ أن يكون طرفا في ابتزاز عاطفي، يستهدف إخراج كل كمية المحبة والتضحية، لطرف بهدف إسعاد الطرف الآخر، دون مقابل من الاحترام والتشجيع والمؤازرة، لتكون العلاقة متوازنة في بناءها.
فلا ينبغي مثلا للمرأة أن تكون حضنا للرجل، وبلسما لجراحه، وموجهة لعواطفه، في حين لا تجد معه السند، والحماية، وكلمات ايجابية، اتجاه كل عمل تشكر عليه في دائرة من الإستهلاك لقواها المادية والمعنوية.
فالمرأة تحب أن تأخذ وتعطي، حتى في المسائل المادية، تشعر بحاجتها إلى جبل من الأمن، أمام عواصف الزمن وتقلباته. كما إنها تحب الإنسان الشجاع، الذي يحارب الظروف والآخرين من أجلها وتقدر له ذلك وتحترمه، ويكون له نصيب من قلبها من الصعب أن يزول بسهولة.
فكيف يحقق لها الرجل الإكتفاء إن كان قليل الحيلة أو غير مقتدر ماديا وكريماً في ابداء العواطف، ولكنه يسخر من إمكانات زوجته، ويحط من شأنها في المجتمع، ويريدها أن تكون له فقط بعيدا عن الناس أجمع، كطفل لا يحب مشاركة أحد في دميته، أو يحطم هذه الدمية على حساب حاجة الآخرين لها.
أما الإنسان غير المقتدر ماديا، يمكنه طلب المساعدة من عائلة زوجته، فقد أظهر الرسول الكريم أن المرأة تنكح لأربعة خصال فيها، مالها وجمالها وحسبها ودينها والظفر بذات الدين أفضل الخصال، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) في بداية نشأته فقيرا، واعتمد في نشر دعوته على مال خديجة وسيف الإمام علي (عليه السلام).
وعلى عائلة الزوجة أن يعينوا صهرهم، ولا سيما أنهم في مقتبل العمر، كما إن للأصدقاء دورعند الضيق.
إن طبيعة الإنسان المتدين، تجعله يساعد الفقراء والمساكين، ويطلب في ذلك رضا الله والدار الآخرة، وفي حال تقدم أناس فقراء لعائلته ليشاركوه البيئة الإجتماعية، لا تجعله يرفض لهم طلبا، لكنه قد يتردد في اتخاذ القرار المناسب حتى يعرف طبيعة مشاعر الطرف الآخر، هل هو قادر على الوفاء وبذل الغالي والنفيس من القيم والأخلاق، في سبيل إسعاد من حوله، هل هو قادر على التمسك بالمحبة رغم الظروف المادية الصعبة، التي قد يمر بها أي إنسان، فتزعزع قناعاته الروحية والمادية أمام هجمة الفقر والحاجة.
والفقر هو العدو اللدود في العلاقات الإجتماعية، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان الفقر رجلا لقتلته. فهو يفسد السعادة بين أفراد العائلة، التي قد لا تجد ثمنا للغداء أو العشاء فتضطرب مشاعرهم، وهم يجدون الآخرين يأكلون ما لذ وطاب سعداء في بيوتهم، لا ينقصهم مأكل أو مشرب أو كساء أو أثاث، والفقر قد يكون معنويا كما هو مادي، فلا يبذل الرجل لزوجته الكلمة الطيبة أو المشاعر الرقيقة التي تبني بها البيت العائلي، وتشيد أركانه، وقد يكون الطرف المقصر المرأة، التي لا تبذل جهدا في إسعاد زوجها، أو إكرامه أمام الناس، ولا تقدم لأطفالها حقوقهم من الرعاية والأمن والمحبة، فيعيش الزوجان في كوخ معتم، زجوا فيه أنفسهم في لحظة عابرة من العاطفة، ماتت في أول امتحان في العش الزوجي .
إن مستلزمات الحياة في عصرنا الراهن تكاد أن تكون من الكماليات. ولعل تعاون الزوجين في العمل، سبب في ايراد المدخولات إلى البيت العائلي، على الأقل في السنين التي يكبر فيها الأطفال، ويألفون الحياة المدرسية مما يوفر وقتا للزوجة تعمل فيه، وتقدم لزوجها عونا ماديا يخفف عنه أعباء المسؤولية.
ومن واجب الأم والأب توعية أولادهم وبناتهم، طبيعة الحياة الزوجية والتضحيات التي يجب أن يقدمها كل طرف للطرف الآخر، ولا يجعلوا الفتاة أو الشاب يتأملون الزيف الإعلامي الذي يصور الحياة الإجتماعية، بما فيها العلاقة الزوجية، فيتأمل كل من الشاب والشابة اللحظات التي يرتدي كل منهما ثياب الحفل، متناسين المشاعر الأقدس التي جعلها الله في دين التوحيد، ليكون الإنسان سواء امرأة أو رجل يسيران على الصراط المستقيم، لا تتعثر خطواتهما عثرة بعد عثرة نتيجة نقصان المعرفة.
كما إن الحفاظ على الأمانة من خلق النبي (عليه الصلاة والسلام)، والحياة الزوجية مليئة بالأسرار، وهي أمانة بين الزوجين اللذين إن حافظا عليها مشى القطار في وديان الإنسجام والوئام، وإن لم تحفظ الأسرار يكبو الفرس، ويتعثر الفارس في ميدان السباق، والمرأة كالحصان الذي ينبغي للفارس أن يعرف أسرار التقرب منها ورضاها، وكيفية سياستها وفق الشريعة السمحاء.
وأخيرا لا بد للزوجين التعرف لبعضهما، فقد شجع الإسلام الرجل النظر إلى محاسن المرأة التي يريد خطبتها، وبذلك سد أمامه ما قد لا يرضيه منها في المستقبل. ولابد للزوجين من معرفة طبيعة الآخر، فلا يتفأجا في اختيار شريك الحياة التي قد تفرضه الظروف أو المجتمع أو العائلة، فقد لا يتناسب الزوجان وهما لا يعلمان بذلك.
ويبقى الأمر بيد الرجل، الذي ينبغي أن لا يظلم شريكة حياته في المعاملة والسلوك معها مسلكا أخلاقيا ودينيا.
اضافةتعليق
التعليقات