ثلاثة أدوار تمر بأمم الأرض، أما الماضي فقد مضى فلمَ التشبث بأذياله؟ ولم الاندكاك فيه إلى حد التلاشي وضياع الهوية؟
الأمم التي ترى ماضيها أفضل من حاضرها ومستقبلها لهي أمم مصيرها إلى الاندثار.. ولن يبقى لها مع مرور الزمن من أثر، لأنّ اجترار الماضي بكل ما فيه، وفي كل حدث لإضفاء نوع من الشرعية هو أمر مُحزن ومُخجل في آن واحد..
دعونا لا نتّكل كثيرا على ماضي مر مُثقلا بأخطائه، ومتعثرا بتضاريس أرضه.. إتركوا الخلافات مدفونة مع أصحابها، سجالاتهم.. خصوماتهم.. حروبهم الطاحنة وكل ما لوّن آفاقهم.. غيبّوها جميعا في جب عميق ما له من قرار، وٱفسحوا لنا متنفسا جديدا نشم من خلاله عبقا رائقا ننعش به أيامنا الحاضرة.
لا بأس أن نتخذ العبرة من الماضين؛ فالعبرة تولد البصيرة كي نتجاوز بها مطبات الطرق المتعرجة، ولكن دون أن نتّكل على ما عايشوه من حياة تخصهم لوحدهم.. فلا تغلوا ولا توغلوا في العمق فتجرفكم التيارات وأنتم لا تشعرون.. ها هو القرآن يجهر بالقول الفصل: (تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
دعوا التأريخ نائما في بطون أمهات الكتب.. لا توقظوه _ أرجوكم _ لان شلالات الدم المنسكبة في أوديتنا، لم تكن لتحدث لولا قراءاتكم الخاطئة لذلك التأريخ.. فدعوه لا توقظوه. ولنكسر العود وكل سمفونيات التغني بالماضي المجيد.
أما حاضرنا فلنبنيه معا برؤىً جديدة تناسب زماننا، وليس بالنوايا الطيبة فحسب.. فالحياة الحرة الكريمة تستحق تضافر كل الجهود لبنائها وارساء قواعدها.
ولنقف جميعا على أرض صلبة، ولننظر نحو المستقبل وآفاقه بعيون ملؤها الأمل بغدٍ أكثر إشراقا وأكثر تمدّنا.
اضافةتعليق
التعليقات