عندما قرأت عن فوائد حساب السعرات الحرارية التي نتناولها عبر الطعام، أو التي نحرقها في المقابل من خلال الحركة والرياضة على إنقاص الوزن الزائد لم أكن أعلم أن ذلك سيتحول إلى أسلوب حياة، بالتالي هوس من نوع ما، إذ كان من المتوجب عليّ بداية أن أشتري ميزاناً للأطعمة يدلني على وزنها بالغرامات. ومن ثم اضطررت إلى شراء ساعة ذكية من النوع الذي يرصد عدد الخطوات ودقات القلب والسعرات التي نحرقها. وبعد ذلك آلات رياضية مناسبة للاستعمال المنزلي، حيث كان العالم يمر بأزمة "كوفيد-19".
تكومت تلك الآلات في زاوية من زوايا المنزل لاحقاً، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل وتبعاً لنصيحة أحد التطبيقات التي تتقاضى نحو 40 دولاراً كل موسم، اشتريت ميزاناً ذكياً للأوزان البشرية، بحيث يعطي نسبة الدهون والماء والوزن الزائد تبعاً للطول والعمر والجنس. وهكذا تحول الموضوع من "ريجيم" عابر إلى تغيير في أسلوب العيش، وقد تنسحب تجربتي على تجارب عديدة لنساء ورجال حول العالم.
السعرة الحرارية أو "الكالوري"
السعرة الحرارية هي وحدة لقياس الطاقة عادة ما تستخدم للتعبير عن القيمة الغذائية للطعام، وهي مأخوذة من كلمة "calor" اللاتينية التي تعني "حرارة"، ويستخدم التعبير منذ أكثر من قرن. وكان العالم الفرنسي سادي كارنو أول من استخدم الكلمة في المحاضرات التي ألقاها عن المحركات الحرارية في بدايات القرن الـ19، وتختصر بالإنجليزية في "Cal"، وهو مقدار الطاقة الذي نحصل عليه عند تناول طعام معين.
شكلت القدرة العلمية على قياس ما يحتويه الطعام من سعرات حرارية نقطة تحول مهمة. يقول البروفيسور نيك كالاثار أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة "إنديانا" بمدينة بلومينغتون الأميركية "فجأة تحولنا من عالم يسود فيه اعتقاد أن النظام الغذائي لشخص ما يرتبط بشكل مباشر بخلفيته العرقية، وبالمناخ الذي يعيش فيه، وطبقته الاجتماعية، وبالطبع بكونه ذكراً أم أنثى، وبأن كل نظام غذائي لا يمكن مقارنته بنظام آخر، إلى عالم آخر أصبحت فيه هذه المقارنة ممكنة".
الجانب المظلم لأوزمبيك أو "حقنة النحافة"
ويتابع أن "افتراضاتنا في شأن الطعام تغيرت بشكل كبير، فقد بدأ الناس ينظرون إلى الطعام على أنه محصلة لعديد من المكونات، مثل البروتين والكربوهيدرات والدهون والمغذيات الدقيقة إلى آخره، صار الجسم ينظر إليه على أنه محرك وقوده الطعام، مما أدى إلى تغيير نظرة الناس إلى الطعام".
ثم بدأت السعرات الحرارية بالتأثير في السياسات العامة، فخلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وضعت البحرية اليابانية معايير غذائية لضباطها تشبه المعايير الغذائية الأوروبية، وأضيفت اللحوم، ولا سيما لحم الخنزير والدجاج، إلى طعام البحارة، وتم ترويج فوائدها للشعب الياباني بشكل عام، ويقال إن الطعام الياباني الذي يستمتع به كثيرون منا في الوقت الحالي تطور بفضل تلك التغييرات. وعلى مدى عقود طويلة، استخدمت الولايات المتحدة طريقة حساب السعرات الحرارية لتحديد كميات الطعام التي ينبغي إرسالها للبلدان التي تعاني الجفاف، كما أن عصبة الأمم التي تشكلت في أعقاب معاهدة "فرساي" في نهاية الحرب العالمية الأولى، وضعت معايير غذائية عالمية عام 1935، ونصت على أن الشخص البالغ ينبغي أن يستهلك 2500 سعرة حرارية يومياً.
حالياً السعرات الحرارية التي ينصح بتناولها يومياً هي 2500 سعرة للرجل، و2000 للمرأة، فيما يعتبر بعض المتخصصين أن حساب السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص طريقة بالية عفا عليها الزمن. فحتى لو احتوت أطعمة مختلفة على قيمة الطاقة نفسها، فإنها قد لا تحتوي على الفوائد الغذائية ذاتها.
على سبيل المثال، كوب من الحليب يتضمن نحو 184 سعرة حرارية، في حين أن كوب جعة بالحجم نفسه يحتوي على 137 سعرة. ونقلت شبكة "بي بي سي" عن إدريان روز بيطار المتخصصة في تاريخ وثقافة الغذاء الأميركي بجامعة "كورنيل" في نيويورك، أن "هذا الهوس بالسعرات الحرارية يضر بالناس"، مؤكدة أن هاجس السعرات الحرارية واتباع برامج تخفيضها قد يؤديان إلى بعض المشكلات".
تقول بيطار "بعكس مدمن المشروبات الكحولية الذي يستطيع الإقلاع عن تناولها، فإنك لا تستطيع التوقف عن تناول الطعام. وكثير من اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية المرضي وفرط الشهية المرضي (النهم) تبدأ ببرنامج حساب سعرات بريء". مضيفة أن بعض برامج الحمية تقدم النصح والمشورة للأشخاص حول كيفية احتمال أنظمة غذائية منخفضة السعرات بشكل خطر.
المكملات الغذائية تجارة مربحة
قد يكون من الجيد احتساب السعرات الحرارية ومعرفة النسبة التي تدخل إلى الجسم يومياً من خلال الطعام المتناول، لكن تحول الأمر إلى هوس قد ينذر بمشكلة حقيقية تحول دون خسارة الوزن بالشكل المطلوب، إضافة إلى زيادة التوتر والقلق والابتعاد عن الهدف الحقيقي من وراء الحمية، وبخاصة أن إعلانات إنقاص الوزن التي تنتشر بسرعة هائلة على وسائل التواصل فارضة شكلاً ووزناً مثاليين، تدفع عديداً من الناس وبخاصة فئة المراهقين لمقارنة أنفسهم ومظهرهم الخارجي بالمشاهير، تلك الإعلانات قد تكون وسيلتها الأولى التلاعب بثقة الفرد بنفسه، دافعة إياه لاعتماد وسائل تؤذي صحته مقابل مبالغ من المال تذهب إلى شركات منتجات الحمية والمكملات الغذائية، إذ تعد تلك الصناعة من الصناعات المربحة. حسب اندبندت عربية
عقاقير التنحيف وزيادة الوزن بالعراق.. وعود كبيرة في حبة صغيرة
"لدي ضعف مزمن في الأعصاب بسبب المنحف، ولدي كذلك هبوط مستمر في الضغط، ولم أنحف ولا حتى نصف كيلو، أرجو ألا ينخدع أحد ويتناول عقاقير التنحيف لكي لا يخسر صحته".
لماذا عليك تجنب هذه الأطعمة في وجبة الإفطار؟
"في الصف السادس الإعدادي تناولت مسمّنا، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني من عدة أمراض أبرزها حساسية الدم والجلد".
"أخي تناول مسمّنا، وبسببه حدثت لديه مضاعفات في المعدة، أنفقنا عليه أموالا طائلة ولا زالت حالته الصحية في تدهور مستمر".
"أنا مدرب وأمتلك مركز لياقة، اعتبر كل المنحفات والمسمّنات عبارة عن أكذوبة تجارية، لها تأثيرات ضارة إن لم تظهر عاجلا فستظهر لاحقا".
مجموعة من الردود التي توالت على صاحب صفحة كبيرة ومعروفة بالعراق على موقع إنستغرام، بعد أن توجه إليهم بسؤال عن تجاربهم مع المنحفات والمسمنات، والتي باتت رائجة الفترة الأخيرة بسبب كثرة الإعلانات عنها من قبل العديد من المشاهير على صفحاتهم بمواقع التواصل، والذين يروجون لمنتجات بوصفها الحل الأسرع لمشاكل النحافة والبدانة، وبأنها العصا السحرية التي تحول الأمنيات بالحصول على قوام مثالي، إلى واقع ملموس.
ومؤخرا سُجلت العديد من حالات الوفاة التي ربطت بتناول أصحابها عقاقير التنحيف.
تؤدي للوفاة
آخر هذه الحوادث كانت لشابة تدعى هيلين أحمد من محافظة دهوك في إقليم كردستان، توفيت إثر تناولها حبوباً للتسمين كانت قد ابتاعتها عن طريق الإنترنت، وقد أصدرت صحة محافظة أربيل لاحقا تحذيرا من تناول العقاقير والأدوية بدون وصفة طبية.
هيلين ذات 19 عاما كانت طالبة بالمرحلة الثالثة في معهد رويال الأهلي بأربيل، وكانت قد بدأت بتناول حبوب معينة حصلت عليها من خلال الإنترنت، وبعد ما يقارب الشهر من تناولها لتلك الحبوب، فارقت الحياة بشكل مفاجئ، وعزا ذووها سبب الوفاة إلى الحبوب المذكورة. وقال الأطباء إن سبب الوفاة تلف في الكبد، وانسداد في الأمعاء مما أدى إلى انفجارها لاحقا.
المتحدث باسم وزارة الصحة في إقليم كردستان، آسو حويزي، أكد في وقت سابق بعد الحادث، أنه لا يصح شراء أي دواء دون الخضوع لوصفة من الطبيب، وأن يكون الدواء حاصلاً على تصريح من الوزارة لتأكيد خضوعه لمعايير السيطرة النوعية.
مسؤولية من؟
ماريا آزاد، مصممة أزياء وشابة كردية لديها عدة آلاف من المتابعين على إنستغرام، تقول إن مشاهير وسائل التواصل في كردستان عادة لا يقومون بالترويج للمنحفات والمسمنات بالكثرة التي تجدها في صفحات المشاهير المعروفين في باقي المحافظات العراقية، مطالبة بالرقابة على ذلك.
وتضيف للجزيرة نت أن غالبية الأشخاص المعروفين في وسائل التواصل لا يمتلكون حساً عالياً بالمسؤولية، فالمهم لدى كثير منهم هو الحصول على المكاسب المالية التي يتقاضونها مقابل الإعلانات.
وعن رأيها بالحلول الممكنة، تتحدث ماريا عن بعض المقترحات التي تتضمن القيام بحملات منظمة على مواقع التواصل من قبل عامة الناس، لمقاطعة هذه المنتجات، وتبيان ضررها، وتسليط الضوء على المعايير الخاطئة الخاصة بالجمال والتي تدفع بالكثيرين لمحاولة تقليد المشاهير.
أدوية التنحيف
طبيبة التغذية سمر البياتي تقول للجزيرة نت إن أدوية التنحيف بشكل عام تحفز الشعور بالامتلاء والشبع، لكنها في ذات الوقت تحوي بعض المواد الداخلة في تركيبها والتي يمكن تصنيفها بأنها ضارة وذات تأثير سلبي بعيد أو قصير المدى وفقا لنوع المواد المستخدمة.
وتضيف أن أغلب هذه العقاقير غير مرخصة من قبل منظمة الصحة العالمية وإدارة الغذاء والدواء الأميركية، ووفقاً للعديد من الدراسات والفحوص السريرية فإنها تؤثر على الكليتين والمعدة والجهاز العصبي ويتسبب بعضها بالإصابة بالتوتر والعصبية، كما تؤثر على وظائف المبايض لدى الإناث.
وتقول أيضا "لا يمكن تناول أي مادة مهما كان نوعها بدون استشارة طبيب مختص، وما يقوم به المشاهير من ترويج لبعض المواد جريمة لأنه ترويج قائم على أساس مادي".
وختمت البياتي حديثها بضرورة سن قوانين تلزم بوقف مثل هذه الممارسات ومنعها تماماً، فالشخص العادي قد ينجر المشاهير ويصدق المحتوى المقدم من قبله، ويغفل عن الدافع الذي دعا للترويج لهذه المادة من الأساس.
ضحية أخرى
(س.م) شابة جامعية، أم لطفل، تعرضت عام ٢٠١٧ لمرض غامض دعا والديها للسفر بها للخارج من أجل العلاج وصرف مبالغ طائلة للوقوف على حالتها الصحية.
والدتها أوضحت للجزيرة نت أن ابنتها كانت تعاني من البدانة، وكانت تسعى للتقليل من وزنها بشتى الطرق، وأنها وبدون علم العائلة كانت تتناول أدوية لتقليل الوزن، وبكميات كبيرة ونوعيات مختلفة، حتى بدأت صحتها بالتراجع.
وتضيف "بعد أن اضطررنا للسفر خارج العراق وإنفاق كل ما لدينا من أموال لدرجة اضطررنا لرهن منزلنا من أجل انقاذ ابنتنا الوحيدة، تبين أنها تعاني من انسداد في الأوعية والشرايين الناقلة للدم، وتضخم في الكبد لدرجة ظهوره خارج الجسم نتيجة مواد غير معلومة المصدر موجودة بالجسم، وأن عليها القيام بعملية عاجلة".
وتكمل السيدة (ف.ج) للجزيرة نت "بعد قرابة السنة من السفر المستمر والجهد والقلق وصرف الأموال، تمكننا من إنقاذ حياة ابنتي الوحيدة. رغم أنها ما زالت إلى يومنا هذا تعاني من بعض الآثار الجانبية المؤذية. ولو عاد بي الزمن لكنت تصديت بكل ما لدي لأمنعها من تناول هذه العقاقير تحت أي مسمى ولأي غرض كان، فقد كادت تودي بحياتها وتقضي على أسرتي الصغيرة الى الأبد".
وتختتم بالقول" قد تكون هنالك مواد سواء منحفات أو مسمنات مصرح بها طبياً وآمنة، لكنني لا أشجع مطلقاً الا الطرق التقليدية للحصول على القوام المناسب، كالالتزام بحمية صحية وتغذية مناسبة، مع ممارسة الرياضة بدل اللجوء لخيارات قد تفسد الصحة، وتقضي على الحياة أيضاً".
تؤكد العديد من الدراسات أنه حتى الأدوية المصرح بها لتخفيف الوزن أو زيادته، قد تكون فعّالة في البداية، لكنّها تتسبب لاحقاً بثبات الوزن وتقلّ فعاليتها بعد فترة من الاستخدام.
وينصح أطباء التغذية عموما، من أجل الحصول على قوام صحي ومثالي، بالحرص على اتباع نمط تغذية صحي، شرب المياه بوفرة، مداومة ممارسة التمارين الرياضية، مع المشي المستمر، اتباع عادات صحية تتحول تدريجياً لروتين حياة. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات