بينما يغط الجميع في نوم عميق ويسود الكون هدوءا ويصبح كأنه كوكب من كواكب السماء السابحة في اجواء الفضاء، يبقى هو مستيقظا، فاذا انقضت دولة الظلام ونشر الفجر رايته البيضاء في افاق السماء , وحين يقف قرص الشمس مسلما على نافذته, ويظل ينثر ذراته وخيوطه الذهبية في عرض الفضاء , وتظل قطع النور تتساقط حتى تصل الى سريره كأنها الدنانير المبعثرة , فيمد يده الى ديباجته ويلتحف بها، فقد قلب ميزان الكون فيسهر حين يحل الظلام وينام الناس، وينام حين يستيقظون.
هكذا حال هذا الشاب وحال كثير من الشباب ممن ادمنوا السهر على برامج التواصل الاجتماعي والدردشات الجماعية.
فتحت لنا العولمة أبواب الكون حتى صار العالم قرية صغيرةً، مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، حيث صار للسهر لذة لا تقاوم لدى الكثيرين، وتحديداً عندما يفرغون من يومهم مساءا فيقضون ساعات الليل متجولين فيها، حتى بات السهر شائعاً لدى الأغلبية، بل إن هناك من يستغرب من أشخاص (ينامون مبكرا)!!
وعن موضوع السهر على برامج التواصل الاجتماعي كانت ل( بشرى حياة) جولة استطلعنا فيها اراء بعض الشباب الذين يدمنون السهر وعن سؤالنا اجاب (علاء) البالغ من العمر 24 عاما: انا اسهر كل يوم الى الساعة الرابعة صباحا، اتحدث مع اصدقاء اعرفهم، واصدقاء لم اراهم، واصبحت هذه عادتي.
واضاف: انام من الساعة الرابعة صباحا الى الساعة الواحدة ظهرا، وعن سؤالنا عن حالته عندما يستيقظ،
اجاب: انهض من نومي عصبي المزاج وليس لي شهية للطعام.
اما حسام البالغ من العمر 17 عاما فقد اجاب: انا اسهر دون علم والداي لأنهم يمنعوني من السهر، حرصا على دراستي وصحتي، فأنا انام الساعة الثانية صباحا واستيقض باكرا، في الساعة السابعة صباحا.
واضاف بالكاد اقوم من الفراش لأن عظامي تؤلمني ولا استطيع تناول الافطار، واظل اشعر بالغثيان حتى في المدرسة.
اما (حنان) التي تبلغ من العمر 16 عاما تقول: انا اسهر الى الساعة الثانية صباحا، اتحدث الى صديقاتي واذاكر معهن، فقد ادمنت جهاز الموبايل فهو يلبي احتياجاتي.
واضافت قائلة في ايام العطل اسهر حتى الصباح، لأن ليس علي النهوض باكرا للدوام، وعن سؤالنا عن صحتها, اجابت: كثيرا مااصاب بالأمراض ويصفني الاطباء بقليلة المناعة.
اما الشاب مهند البالغ من العمر 21 عاما وعن الاسئة التي وجهناها له, اجاب: انا اسهر حتى الصباح اتحدث الى اصدقائي، وانام عند شروق الشمس، واستيقظ من النوم في الثالثة عصرا، و كان يضحك ويقول انا كالخفاش انام نهارا واستيقظ ليلا.
واضاف قائلا: من حسن حظي، ان عملي يبدأ من الساعة الرابعة عصرا الى الساعة الواحدة صباحا، ما يساعدني ان اقلب ليلي نهارا ونهاري ليلا، وعن سؤالنا عن صحته, اجاب : اشعر بالارهاق والتعب الدائم، وعدم الارتياح و حالتي النفسية غير مستقرة.
شباب قلبوا موازين الحياة فأصبح ليلهم نهار ونهارهم ليل متناسين اضرار السهر على صحتهم.
بعض أضرار السهر على الصحة
خلق الله - سبحانه وتعالى - النهار للعمل، والليل للنوم، وفي النهار يصرِّف الجسم طاقاته، ليعوض في الليل ما صرفه منها، وعدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض وأمراض أخرى، منها: التعب - الصداع - الغثيان - احمرار العينين وانتفاخهما - التوتر العصبي - القلق - ضعف الذاكرة والتركيز - سرعة الغضب - الألم في عضلات الجسم والشيخوخة المبكرة.
أثبت باحثون متخصصون في أمراض وجراحة العظام، أن السهر ليلاً لفترات طويلة يؤدى إلى حدوث تشوهات بالعظام، خاصة عظام العمود الفقري، وظهور انحناء الظهر مبكرا في مراحل الشباب.
كما أن هرمون النوم الذي تقوم بإفرازه الغدة النخامية الذي ينظم نشاط الهرمونات التي تساعد على التئام كسور العظام ويقلل نسبة الكوليسترول في الدم، لا يثبت إلا ليلاً.
وقال الباحثون إن بعض الدراسات الحديثة قالت إن الكفاءة الجسمانية تزيد وتقل أكثر من مرة خلال اليوم الواحد، مشيرين إلى أن القوة العضلية تبدأ فى الازدياد فجرًا، وتزداد حتى تصل مداها فى الثامنة صباحًا، ثم تقل حتى الساعة الثالثة عصرًا، ثم تبدأ الكفاءة الجسمانية فى الانخفاض تدريجيًا، وتنخفض بشدة عند التاسعة مساء وحتى الفجر.
لذلك فإن السهر الدائم يؤدى إلى الاستيقاظ فى الوقت الذى تقل فيه الكفاءة الجسمانية، ما يؤدى إلى ضعف العمل وقلة التركيز فيه، كما يسبب اضطرابات بجهاز المناعة، ما يؤدى إلى الإصابة بالأمراض خاصة الأمراض المزمنة، مضيفًا أن في الجسم ما يعرف باسم الساعة البيولوجية، و تضبط على ساعات معينة للنوم والاستيقاظ، وعند حدوث تغيرات فى الدورة اليومية يصاب هذا الجهاز بالتشوش، مسببًا خللاً بالجهاز المناعي.
السهر وجهاز المناعة:
إن قلة النوم تسبب خللاً في جهاز المناعة، وهو خط الدفاع الأول والأخير ضد الأمراض، وعندما يعتلّ هذا الجهاز، فهذا معناه - وبكل بساطة - الانهيار؛ ذلك أن هذا الجهاز مبرمج على ساعات اليقظة وساعات النوم التي يحتاجها الإنسان، وعند حدوث تغيير في هذه الدورة اليومية يصاب جهاز المناعة بالتشويش والفوضى.
السهر والأرق :
أي انعدام النوم، وإنما هو النوم المسهد الذي يكون المرء فيه بين إغفاءة وانتباه، والمؤرق حركته دائبة لا يستقر، فهو يستدير نحو كل اتجاه، ويحتال على النوم بشتى الوسائل دون فائدة، وأحيانًا يكون الفكر منشغلاً بموضوع السهر إن كان أمام فيلم تليفزيوني، أو أمام الإنترنت، أو مسلسل، أو مبارة، فإن امتد الأرق والسهر ليلة وليالي انحطت قوى الشخص، وتوقف العقل عن الإنتاج، وسيطر على المؤرق التشاؤم والميل إلى الوحدة، فالجسم يحتاج إلى نوم هادئ وطويل، يكفي لطرح السموم العصبية التي تراكمت فيه نتيجة للأعمال الحيوية.
قليلو النوم عرضة للموت
وتشير دراسة طبية بريطانية إلى أن الأشخاص الذين لا ينامون بالقدر الكافي تزيد لديهم احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب، بأكثر من ضعفين، وتؤكد الدراسة أن عدم كفاية النوم له علاقة بارتفاع ضغط الدم الذي يزيد من مخاطر الإصابة بأزمات قلبية وحدوث جلطات، وأوضح تحليل شمل 10 آلاف عامل بالحكومة على مدار 17 عامًا أن الذين يخفضون ساعات نومهم من سبع ساعات كل ليلة إلى خمس أو أقل يتعرضون لزيادة في الوفيات تصل إلى 7،1 ضعف.
في الختام: ان الاستيقاظ مبكراً لصلاة الفجر والذهاب إلى العمل مبكراً ينتج عنه فائدة كبيرة كونه يعيد النشاط للدورة الدموية، كما كانت قبل النوم لاسيما في الوضوء والحركة، كذلك يفيد التنفس؛ كون المستيقظ باكراً يتنفس من هواء وقت الفجر الغني بغاز الاوزون الناتج عن تكاثف ثلاث ذرات من الأوكسجين، حيث إن ذلك الغاز يكون في وقت الفجر، ثم يقل حتى يغيب عند طلوع الشمس.
اضافةتعليق
التعليقات