جلد الذات وفقاً للمصطلح العلمي هو مرض نفسي يتسم بمبالغة الشخص في القسوة على نفسه ولومها على سلوكيات سليمة، لكنه يبالغ في تضخيم أخطائه في نظر صاحبها نتيجة للإفراط في التقليل من النفس والشعور بالدونية بسبب تعرّض الإنسان لمواقف حياتية مختلفة وعلاقات مؤذية أدت إلى صورة ذاتية مشوّهة، فيصبح لدى الشخص دوافع تجعله يفرط في إيذاء نفسه وتعذيبها في محاولة فاشلة منه لتصحيح سلوكها وتقويمه دون حاجة فعلية لذلك.
إلا أن هناك اعتقاداً شائعاً بين كثير من الناس أن الإنسان يجب أن يستخدم الشدة إذا ما تعامل مع نفسه، ذلك نتيجة لتصور خاطئ أن نجاح الإنسان في حياته وتحقيقه لأهدافه يتناسب مع تطبيقه للحزم مع ذاته، وهذا مثال واضح لاختلاط مفهوم الالتزام والانضباط مع مفهوم جلد الذات، هل يحتاج الإنسان أن يكون رقيباً على نفسه إلى حد القسوة كما لو أنها ستبالغ في الوقوع في الخطأ أو أنها مجبولة على الفساد؟
أرى أن البعض يبالغون في الرفق إذا ما كانوا في موضع من يقدم النصيحة والعون لأحدهم، يسمع ويتفهم، يرحم إذا لزم الأمر ويلتمس الأعذار، ولكن كيف إذا كانت الضحية هي نفسك؟ تلك التي تتألم لحادثة ما أو تتعافى من موقف سيئ ألمّ بها، كيف يسيطر الشك على نفس الإنسان حتى يشك في ذاته التي هي نفسه شكاً قاسياً يدفعه للوقوف معها بالمرصاد، هل تهون الحياة وتحلو في ظروف تعظم المعصية وتعمى عما في الإنسان من خير؟
المبالغة في إيذاء النفس جريمة في حق الذات
يظن البعض أن إيذاء النفس قد يخفف من حدة شعوره بالذنب، ولكن هل يعرف الإنسان حقاً متى يجب عليه أن يشعر بالذنب من شيء ما أم يختلط عليه الأمر فيصبح أبسط الأشياء ذنباً بشعاً لا يغتفر؟ يغفر الله لعباده إذا أذنبوا، تُفتح أبوابه دائماً بالرحمة والسعة والمغفرة بينما يقف الإنسان عاجزاً مع نفسه لا يقدر على أن يستوعب ضعفها الإنساني الطبيعي.
تعظيم الخطأ وتضخيمه قد لا يقتصر على الإيذاء المعنوي الذي يهدم الصحة النفسية للإنسان ولكن في بعض الظروف قد يقدم الشخص على أن يتسبب في إيذاء نفسه مادياً بأساليب مختلفة إرضاءً للصوت الذي بداخله الذي يخبره أنه يستحق ما يقع عليه من سوء دائماً وفي كل الظروف ويمنعه من دخول أي باب يسمح له بالرفق مع نفسه.
من أين جاء هذا الصوت؟
يشترك معظم الناس الذين يعانون من هذا المرض النفسي في أنهم تعرّضوا للإيذاء من قبل شخص آخر، كأن يكونوا ضحية للوالدين، فالكثير منا يتعرف على المفهوم الأول للعقاب في فترة الطفولة وتتبعها فترة المراهقة، حيث يكون العقاب نتيجة يحصل عليها الطفل من الوالدين أو المدرسة أو المجتمع إذا قام بشيء مخالف لما هو متعارف عليه في الأخلاقيات العامة، وهو بهدف الارتقاء بسلوك الطفل وإنشاء روابط ذهنية بين السلوك السيئ والحصول على العقاب، وقد يكون هذا الأسلوب جيداً في مواضع معينة إلا أنه يتسبب في ألم وأذى نفسي يتراكم في نفسية الطفل حتى يظل معه بقية حياته.
ماذا تسمع من نفسك؟
إنه صوت تسمعه الآن بينما تقرأ هذه الكلمات، هل يخبرك أنك تستحق العطف والحب دائماً وأبداً وكل يوم؟ أم يبحث عنهم في الآخرين، ينتظر أن يرى انعكاس صورته في عين أحدهم ليدرك أنها تلمع وتستحق، أو أن يقع فريسة لمرآة مشوّهة تعكس ذاته بحقد وقسوة فتدمر ما تبقى من تقديره لنفسه، هل الانعكاسات دائماً ما تقدم نفعاً أم أن الإنسان يحتاج لأن يكون له مرآة خاصة لا يتحكم أحد في انعكاسها أو يسيطر عليها، أن تكون حيادية مخلصة لصاحبها في المقام الأول قبل أن تكترث لآراء الجميع، قد يتأثر صوتك فيسمع أصواتاً قاسية تخبره من يكون.
لماذا يجب أن تحب نفسك؟
قال أحدهم إن ما تراه من نفسك تنعكس صورته أمام الآخرين، أتمسك دائماً بهذا الاعتقاد رغم صعوبة تفسير السبب الذي يؤدي إلى حدوثه، إلا أنه عندما تقدم حباً خالصاً لنفسك -وهي الأجدر بالحب- فإنه ينعكس عليك وعلى حياتك بأكملها.
قد تظن أن محبتك لنفسك قد تفسدها إلا أن تشجيعك لنفسك ومحاولتك الدائمة لدفعها نحو ما تحبّ هي السبب الأول والأهم لتحيا حياة طيبة، كيف تنتظر من الآخرين حباً وتعاطفاً وتشجيعاً تظن أنك لا تستحقه؟ وكيف تقدمهم للآخرين بقلب صادق وأنت تبخل على نفسك بالكلمة الطيبة؟ حتى إن كنت أسوأ شخص على هذه الأرض وهو افتراض غير قابل للحدوث إلا أن الإنسان يستحق أن يحب نفسه على كل حال من الأحوال، أن تظل قيمته ثابتة راكزة مهما حدث ومهما انتهت به الطرق إلى الفشل، يظل إنساناً مكرماً له قيمة، لا تستسلم لصوتك ولا تركز على عيوبك فالجميع لديهم عيوب وكل يشغله تقويم عيبه لا أن يلتفت إلى نواقصك.
أجبرْ صوتك على أن يتحدث بلغة واعية جديدة يوماً بعد يوم، ستستيقظ في يوم ما لتفاجأ بأن ذلك الصوت اختفى وجاء محله صوت رفيق يحبك وتحبه في خلفيته لحن موسيقاك الداخلية التي ستصبح عزفاً يُقدم على الحياة. حسب عربي بوست
لهذه الأسباب.. لا تبالغوا في جلد الذات
قال الدكتور أحمد عبد الله العيس، أخصائي نفسي، إن نـقـد الـذات ومـراجـعـتهـا أمـر إيجابـي ولكن لـوم الـنـفـس الـشـديـد والـمـتـكـرر قد يؤدي إلى أمراض نفسية كالاكتئاب وقد يؤدي إدمان جلد الذات إلى الانتحار.
وأضاف: أن نقد الذات شيء إيجابي جداً، وهو أحسن أنواع التحفيز ومكافأة النفس إذا كان نقداً إيجابياً، أما نقد الذات السلبي فيمكن التعامل معه باعتدال وتحويله لطاقة فعالة أيضاً لكنه بعيد كل البعد عن مفهوم جلد الذات.
وأوضح "العيس" أن جلد الذات هو اضـطـراب في التفكير نــتــيــجــة الإحـبـاط والـيـأس والإحـسـاس الـمـتـكـرر بـالـفـشــل، لافتاً إلى أن مـن يـقـوم بجلـد ذاتـه لا يشعـر بأنـه يخطئ فـي حـق نـفـسـه، وهـو غـالبـاً يفضـل العزلـة والبعـد عـن الآخريـن.
وأشار إلى أن الـقائـم بجلـد الذات ينتظـر إطراءً مـن الآخرين عـلـى سـلـوكـه وهـم قـد يـحـمـلـونـه مـا لم يفعله من أخطاء.
من جهته قال شـوكـت طـلافـحـة، خبير تربوي، إن "الـنفـس اللوامة" مصطلح قرآنـي يشير إلى ضرورة محاسبة الإنسان لنفسه على أخطائـه فـي حـق نفسـه وربه، لافتاً إلى أنه يمكـن تربية أبنائنـا علـى محاسبة النفس من خلال حكـي قصـص مـن التاريـخ توضـح نجاح مـن يراجعون أنفسهـم.
وأضاف أن جـلـد الـذات سـلـوك سـلـبـي يـؤثـر عـلــى الـفـرد وعـلـى الأسـرة الـتـي تـصـاب بـتـوتـر الـعـلاقـة فيمـا بيـن أفرادهـا، موضحاً أن الشخص الذي يدمن جلد ذاته تغلب عليه صفات التشاؤم والعزلية والإحساس بالفشل والاكتئاب والتخلي عن ميادين العمل والانسحاب من كافة مناحي الحياة. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات