عقب تفشي جائحة "كوفيد-19"، تعرض كثير من الآسيويين لاعتداءات وحوادث عنصرية تتهمهم بنشر فيروس كورونا، كما أن التغطيات الإعلامية الأولى للجائحة وتصريحات السياسيين تركزت بصورة واسعة على انطلاق الفيروس من مختبر ووهان في الصين ونشره عبر حركة السفر، وربما يكون استخدام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مصطلح "الفيروس الصيني" واستخدام وزير خارجيته مايك بومبيو لـ"فيروس ووهان" قد شجع على منحى عنصري تجاه الصينيين والآسيويين بصورة عامة.
وقال حاكم إقليم فينيتو في إيطاليا، وهي بُؤرة مبكرة للفيروس، للصحافيين في فبراير (شباط) الماضي، إن البلاد ستكون أفضل من الصين في التعامل مع الفيروس بسبب "اهتمام الإيطاليين القوي بالنظافة، وغسل اليدين، والاستحمام، بينما رأينا جميعاً الصينيين يأكلون الفئران الحية". وعلى رغم أنه اعتذر لاحقاً لكن الضرر كان قد وقع بالفعل. وسخر وزير التعليم البرازيلي من الصينيين في تغريدة تشير إلى أن الوباء جزء من "خطة الحكومة الصينية للسيطرة على العالم".
وفق دراسة نشرتها مجلة "ذا ناتشر" العلمية، فإن المطاعم الآسيوية شهدت انخفاضاً في مبيعاتها أكثر من غيرها غير الآسيوية بنسبة 18.4 في المئة خلال عام 2020.
ليس أفريقياً
ويبدو أن منظمة الصحة العالمية ووسائل الإعلام تداركت الخطأ وبدأت منذ ذلك الحين العمل على فصل الفيروس عن القوميات والجنسيات أو استخدام أوصاف تسيء لحاملي الفيروس وتثير الخوف والكراهية ضدهم. وبينما ينتشر حالياً أحد الفيروسات المسببة للجدري أو ما يُعرف بـ"جدري القرود"، فإن الهيئة الأممية سعت قبل عامين إلى إعادة تسميته باسم "أمبوكس" مستشهدة بمخاوف تتعلق بالعنصرية.
أعراض جدري القرود لا تظهر قبل 4 أيام على العدوى
ففي خضم تفش عالمي للفيروس عام 2022، أثار العلماء مخاوف من أن "التصور السائد" في وسائل الإعلام والأدبيات العلمية هو أن فيروس "جدري القرود" مستوطن في البشر ببعض البلدان الأفريقية، في حين أن الفيروس موجود بصورة كبيرة في الحيوانات، وتسبب تاريخياً في حدوث فاشيات عرضية. ودعا عدد من العلماء إلى تغيير الاسم الذي اعتبروه "غير دقيق" و"تمييزي" وبمثابة "وصم"، محذرين من رواية انتشرت قبلاً في وسائل الإعلام وبين عدد من العلماء الذين حاولوا ربط التفشي العالمي للفيروس بأفريقيا أو غرب أفريقيا أو نيجيريا. وكتب الخبراء عام 2022 مخاطبين منظمة الصحة العالمية، "في سياق التفشي العالمي الحالي، فإن استمرار الإشارة إلى هذا الفيروس وتصنيفه لكونه أفريقياً ليس فقط غير دقيق ولكنه أيضاً تمييزي".
وبعد سلسلة من المشاورات مع خبراء عالميين، بدأت منظمة الصحة العالمية باستخدام مصطلح مفضل جديد هو "mpox" (إمبوكس) باعتباره مرادفاً لـ"جدري القرود". وقالت منظمة الصحة العالمية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022إن كلا الاسمين "جدري القرود" و"أم بوكس" سيستخدمان جنباً إلى جنب مدة عام واحد بينما يتم التخلص التدرجي من الاسم الأول.
توظيف عنصري للصور
ليس ذلك وحسب، فقد انتقدت جمعية الصحافة الأجنبية في أفريقيا استخدام صور المرضى الأفارقة المصابين بآفات الجدري في تغطية تفشي المرض. وقالت الجمعية التي تضم في عضويتها الصحافيين المعنيين بتغطية الشأن الأفريقي، إن وسائل الإعلام ينبغي أن تقف على الخطوط الأولى في مكافحة العنصرية الممنهجة والتنميط العرقي من خلال نشر الصور الإيجابية.
وأوضحت الجمعية في بيان في مايو (أيار) 2022، "إنه من المقلق أن تستخدم وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية الشمالية صوراً أرشيفية تُظهر أشخاصاً ذوي بشرة داكنة وسوداء وأفريقية لتصوير تفشي المرض في المملكة المتحدة وأميركا الشمالية"، "إذا كنت تتحدث عن تفشي مرض "جدري القرود" في أوروبا أو الأميركتين، أليس يجب عليك استخدام صور من المستشفيات في مختلف أنحاء أوروبا أو الأميركتين؟ أو في حال عدم وجود صور، يمكنك استخدام مجموعة من المجهر الإلكتروني لهياكل خلوية فرعية".
تم تسمية فيروس "أمبوكس" للمرة الأولى بـ"جدري القرود" عام 1958 عندما لوحظ أن قرود الأبحاث في الدنمارك مصابة بمرض "شبيه بالجدري"، على رغم أنه لا يُعتقد أنها مستودع حيواني للمرض. وعلى رغم أن منظمة الصحة العالمية أطلقت أسماء على عدد من الأمراض الجديدة بعد فترة وجيزة من ظهورها، بما في ذلك متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة، أو السارس وكوفيد-19، يبدو أن هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها الوكالة إعادة تسمية مرض بعد عقود من تسميته للمرة الأولى.
تم تسمية عدد من الأمراض الأخرى، بما في ذلك التهاب الدماغ الياباني والحصبة الألمانية وفيروس ماربورغ ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية على اسم مناطق جغرافية، التي يمكن اعتبارها الآن متحيزة.
ومع ذلك، لم تقترح منظمة الصحة العالمية تغيير أي من هذه الأسماء.
طوارئ صحية عامة
وأعلنت منظمة الصحة العالمية "جدري القرود" حال طوارئ صحية عامة على الصعيد العالمي للمرة الثانية خلال عامين عقب امتداد تفشي الوباء الفيروسي من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دول مجاورة. وتصنيف تفشي أحد الأمراض بأنه "حال طوارئ صحية عامة تثير قلقاً عالمياً" هو أعلى مستويات التأهب في منظمة الصحة العالمية، ويمكنه تسريع نشاط البحث والتمويل والتدابير الصحية الدولية العامة والتعاون لاحتواء انتشار المرض.
وبدأ التفشي في الكونغو بانتشار سلالة وافدة معروفة باسم "آي"، لكن متحورة جديدة معروفة باسم "آي بي" انتشرت فيما يبدو بسهولة أكبر من طريق المخالطة، بما في ذلك عبر الاتصال الجنسي. وتفشت المتحورة من الكونغو إلى دول مجاورة، منها بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، مما استدعى اتخاذ منظمة الصحة العالمية الإجراءات اللازمة.
ويمكن لـ"جدري القرود" (أمبوكس) الانتقال عبر المخالطة ومن المحتمل أن يؤدي المرض إلى الوفاة في حالات نادرة، لكن أعراضه عادة ما تكون معتدلة وأشبه بأعراض الإنفلونزا مع بثور مليئة بالقيح في الجسد. وأسهمت اللقاحات وتغيير السلوك في وقف تفشي متحورة مختلفة عام 2022. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات