في اليوم العالمي لسرطان الرئة يؤكد الأطباء أن الوقاية من المرض ممكنة بالامتناع عن التدخين كونه السبب الرئيس. فما الإجراءات التي اتخذتها الدول للحد من آفة التدخين؟
بات معروفاً أن التدخين هو المسبب الرئيس لسرطان الرئة بنسبة تقارب 90 في المئة من الحالات، لذلك يعتبر بالنسبة إلى الأطباء أكثر السرطانات قابلية للوقاية بما أنه يكفي الامتناع عن التدخين لتجنب الإصابة به.
على رغم ذلك تشير الأرقام في مختلف دول العالم إلى ارتفاع في معدلات الإصابة بسرطان الرئة بموازاة الزيادة المقلقة في معدلات التدخين بمختلف أنواعه، وفي مختلف الفئات العمرية.
مما لا شك فيه أن ظهور أنواع جديدة من التدخين زاد الوضع سوءاً، خصوصاً في دول لم تضع قوانين لمكافحة التدخين أو منعه في الأقل بالأماكن العامة.
في اليوم العالمي للتوعية حول سرطان الرئة، وعبر لقاءات مع أطباء من لبنان والسعودية ومصر والإمارات، نسلط الضوء على برامج نشر الوعي في هذه الدول ومدى فاعليتها في مواجهة هذه الآفة.
خطر التدخين السلبي
على رغم أن سرطان الرئة يعتبر من أكثر السرطانات التي يمكن الوقاية منها، فمن المؤسف أن دولاً عدة تركز على العلاج أكثر من الوقاية. أما الأطباء فيشددون على أهمية الكشف المبكر عن هذا المرض الذي يتطور بصمت من دون أن تظهر له أعراض في مراحله الأولى، إذ تظهر أعراضه عادة في مراحل متقدمة عندما يكون الأوان قد فات وتتراجع فرص التعافي على رغم تطور العلاجات خلال الأعوام الأخيرة، باستثناء الحالات التي يُكتشف فيها المرض عن طريق الصدفة في مرحلة مبكرة لدى إجراء الفحوص لأسباب أخرى.
يبدو المشهد قاتماً مثلاً في مصر حيث ترتفع معدلات التدخين ولا تتوافر أية قوانين لمكافحته وفق ما يوضحه المدير التنفيذي لمبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية في مصر خالد عبدالعزيز كمال، فـ"في البلاد مشكلة تدخين كبرى، خصوصاً مع اختلاف أنواعه ما بين التدخين التقليدي والشيشة والتدخين الإلكتروني".
وأظهرت الإحصاءات الأخيرة أن نسبة 20.9 في المئة من المصريين بين 15 و59 سنة من المدخنين، كذلك فإن المشكلة الكبرى المقلقة في التدخين السلبي هي أنه نادراً ما يُعطى الأهمية اللازمة وإن كان يشكل خطراً كبيراً ويزيد احتمال الإصابة بسرطان الرئة وغيرها من أمراض الرئة، ويطاول نسبة 60 في المئة من الراشدين، وتأثيره المباشر في الأطفال بات معروفاً في الإصابة بسرطان الرئة والأمراض التنفسية، إضافة إلى مشكلات القلب.
يقول كمال، "في مجتمعنا تظهر مشكلة التدخين السلبي في أماكن العمل بنسبة 60 في المئة من الحالات، وبنسبة 72 في المئة في النقل العام. كما أن نسبة 55 في المئة من المراهقين يتعرضون للتدخين السلبي، و35 في المئة يتعرضون له في المنازل، لذلك نعتبرها مسألة جوهرية لا بد من التصدي لها ضمن خطط التوعية حول أخطار التدخين وسرطان الرئة. لكن تبقى المشكلة الأساسية أنه ما من قوانين تمنع التدخين في الأماكن العامة والمطاعم في مصر كما من المفترض أن يحصل".
من المؤسف أيضاً أنه في مصر كما في لبنان، لا تتوافر الأرقام والبيانات التي تسمح بالاستناد إليها في إطار البرامج الهادفة إلى مكافحة الأمراض عامة، وسرطان الرئة خصوصاً. في مصر مثلاً تستند الأرقام الرسمية إلى بيانات قديمة لعدد محدود من المحافظات، فيما يعتبر السجل الوطني الخاص بالسرطان في غاية الأهمية لمكافحة المرض، لذلك تأتي الأرقام المتوافرة أقل من الواقع بكثير كما يرجح الأطباء.
ويعدّ سرطان الرئة ثالث السرطانات الأكثر شيوعاً في مصر بنسبة 7.6 في المئة من أنواع السرطان، علماً أنه كانت تُسجل في البلاد أرقام مرتفعة في سرطان الكبد وسرطان المثانة الذي يرتبط أيضاً بزيادة معدلات التدخين.
التغيير اللافت في سرطان الرئة هو أنه كان يظهر غالباً في سن متقدمة، وتدعو التوصيات العالمية إلى الكشف المبكر من عمر 50 سنة. أما اليوم فتظهر حالات كثيرة دون عمر 40 سنة، وحتى في مرحلة الثلاثينيات، مما يعتبر مستغرباً لأن هذا النوع من الأورام يتطور خلال وقت طويل. أما السبب فيرجح كمال أن يكون في انخفاض سن المدخنين، إضافة إلى التعرض للتدخين السلبي من الطفولة، مع الإشارة إلى أن العودة لحال ما قبل التدخين بعد الإقلاع عنه تتطلب ما لا يقل عن 15 عاماً. لذلك تدعو التوصيات إلى الكشف المبكر لمن هم في سن الـ50 من المدخنين، ومن أقلعوا عن التدخين من أقل من 15 سنة، مما قد يستدعي تجديد التوصيات لتواكب التغييرات الحاصلة في سن الإصابة بالمرض.
علاج مناعي جديد يحقق نجاحا مبهرا في التعامل مع سرطان الأمعاء
حالياً هناك تركيز في مصر على مبادرة للكشف المبكر، ويشير كمال، وهو المسؤول عنها، إلى أن الأرقام تؤكد أن نسبة 75 إلى 80 في المئة من الحالات تكتشف المرض في المرحلة الرابعة، وعندها لا يعتبر التعافي ممكناً على رغم تطور العلاجات، وهي مشكلة لا على مستوى مصر فحسب بل على مستوى العالم كذلك. ففي كل الحالات تعتبر العلاجات الجديدة مكلفة للغاية، ومن هنا أهمية الكشف المبكر لإنقاذ الأرواح عبر الحد من معدلات الإصابة بالمرض في المرحلة الرابعة، وفي المقابل يمكن تخصيص الموارد للمعالجة على نطاق أوسع.
ويوضح كمال أن "من المشكلات الأساسية في بلادنا أن موازنة الصحة العامة تُخصص بصورة أساسية للعلاج، بينما تخصص في الدول المتقدمة للوقاية والكشف المبكر، كما في فنلندا حيث تخصص نسبة 50 في المئة منها للكشف المبكر مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد. فالهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى إليه المبادرات هو إنقاذ العدد الأكبر من الأرواح، ومن بعده التوفير على المستوى الاقتصادي".
أما مسألة مكافحة التدخين فتتطلب، بحسبه، تضافر الجهود بين الوزارات والمنظمات غير الحكومية المعنية ووسائل الإعلام لنشر الوعي. فكل له دور مهم في ذلك، إضافة إلى أهمية تدريب العاملين في الرعاية الصحية الأولية والتثقيف والكشف المبكر بين فئات معينة والتوعية حول أهمية الإقلاع عن التدخين بالتعاون مع عيادات متخصصة في هذا المجال.
لا أرقام في لبنان
في لبنان، تعود الإحصاءات الأخيرة حول معدلات الإصابة بسرطان الرئة لعام 2016، ومن المتوقع أن تكون الأرقام اختلفت في السنوات الأخيرة. وحالياً يجري العمل على أرقام وبيانات عن عامي 2018 و2019، بحسب رئيس الخطة الوطنية لمكافحة السرطان الاختصاصي في أمراض الدم والأورام عرفات طفيلي الذي يشير إلى أن الأرقام ترتفع في الإصابة بسرطان الرئة كما بالنسبة إلى الأورام كافة. لكن حتى اللحظة تعتبر هذه الزيادة بطيئة وتدريجية، على خلاف ما يُحكى على وسائل الإعلام.
أما المشكلة الأساسية التي يسلط طفيلي الضوء عليها، فهي عدم تحديث السجل الوطني للسرطان الذي لا يميز الجنسية، ولا يحدد ما إذا كانت الأرقام المشار إليها تشمل السوريين. فهناك نقص في المعلومات مما ينعكس سلباً على إجراءات الوقاية من المرض ومواجهته.
ويضيف أنه "حتى اليوم، على رغم تطور علاجات سرطان الرئة فهي قليلة الفاعلية في مواجهته بالمراحل المتقدمة، وتظهر فاعليتها في المراحل الأولى فتزيد فرص التعافي بوجود العلاجات المناعية والذكية. أما في المرحلة الرابعة، فيكون الهدف من العلاج السيطرة على المرض ربما لأعوام ويكون التعافي صعباً، لذلك لا يمكن انتظار الأعراض التي لا تظهر إلا متأخرة، ويكون الأوان قد فات، علماً أن أبرز الأعراض التي يمكن ملاحظتها هي السعال المستمر وضيق النفس، لكنها من الأعراض التي يعانيها معظم المدخنين فلا يعيرونها أهمية. ومن هنا يجب التركيز على الوقاية عبر تجنب التدخين والحد من التلوث. ويجب الاعتماد على الكشف المبكر والوقاية، وفي حال الامتناع عن التدخين يمكن الوقاية من نسبة 90 في المئة من سرطانات الرئة".
يُتوقع أن تظهر الزيادة الكبرى في معدلات الإصابة بسرطان الرئة خلال الأعوام الـ10 المقبلة مع صعود معدلات التدخين بمختلف أنواعه والتلوث بسبب المولدات الكهربائية المنتشرة بصورة واسعة على الأراضي اللبنانية نتيجة انقطاع الكهرباء. لذلك يجري حالياً العمل بجدية باتجاه فرض الضرائب على منتجات التبغ، إلى جانب المساعي لتطبيق القانون الموجود أصلاً لمنع التدخين في الأماكن العامة.
أما وجود حالات في عمر أصغر بنسب معينة، فلا يسمح بتغيير السن المحددة للبدء بالكشف المبكر في التوصية، فهي مسألة تُدرس مع التدقيق بمدى جدواها، بحسب طفيلي، خصوصاً أن الفحص المعتمد للكشف المبكر عن سرطان الرئة مكلف على خلاف الصورة الشعاعية للثدي وفحص الـPSA لسرطان البروستات، فيما لا ينصح بإجراء الصورة عشوائياً للكشف المبكر لأن لا فائدة منها ما لم تترافق مع برنامج كامل من متابعة للنتيجة وبرنامج لوقف التدخين، وإجراؤها بمعزل عن هذا البرنامج هدر للأموال ليس إلا.
جهود جدية في الإمارات
يؤدي التدخين إلى 16 نوعاً من أنواع السرطان بحسب رئيس الجمعية الإماراتية للأورام وجمعية الخليج للسرطان البروفيسور حميد الشمسي، بالتالي لا تقتصر أخطاره على سرطان الرئة، ولا بد من تضافر الجهود لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد حياة الملايين.
وأكدت الدراسات وجود رابط بين التعرض للتدخين السلبي ونسبة 20 أو 30 في المئة من الإصابات بسرطان الرئة. وبدا واضحاً أن الترويج لبعض أنواع التدخين مثل السيجارة الإلكترونية على أنها البديل الآمن للتدخين التقليدي أسهم في انتشارها في مختلف الفئات العمرية، خصوصاً الشباب، وأكدت الدراسات أيضاً أن النرجيلة التي تحقق رواجاً أيضاً بين مختلف الفئات العمرية ليست أقل ضرراً من التدخين التقليدي.
في الإمارات العربية المتحدة يبدو أن الغليون يحقق رواجاً واسعاً في أوساط الشباب، في حين تبين أنه يحمل مواد مركبة بنسبة أعلى من السيجارة، ويقول الشمسي "أعتقد بأننا كأطباء نبذل جهوداً دون المستوى المطلوب في مواجهة هذا الطوفان الذي يهدد شبابنا أولاً ومختلف الفئات العمرية أيضاً بسبب عدم وضوح الآلية للمواجهة. نحن ندعو جدياً إلى إدخال التوعية من أخطار التدخين في المناهج التربوية ليدرك الاطفال الأثر البعيد المدى للظاهرة، خصوصاً مع ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الرئوية. وهي خطوة في غاية الأهمية، ومن الضروري أن تكون هناك حملات توعية مستمرة لا تقتصر على يوم أو شهر في السنة بمختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".
تظهر أرقام دولة الإمارات بين عامي 2019 و2021 ارتفاعاً بنسبة 25 في المئة في معدلات الإصابة بسرطان الرئة، وهو رقم مقلق يرتبط حكماً بزيادة معدلات التدخين. كذلك سُجلت زيادة في معدلات الإصابة بالجلطات وأمراض القلب إضافة إلى السرطان. ويقابل صعود معدلات التدخين بين الشباب زيادة بين النساء أيضاً، في حين من المتوقع أن يصاب معظم المدخنين بأمراض لها علاقة بالتدخين.
وعلى رغم تطور وسائل التشخيص في البلاد، ومنها تلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يشير الشمسي إلى أن معظم المرضى مهملون لصحتهم، ومن الممكن أن يتغاضوا عن سعال لوقت طويل قبل أن يستشيروا الطبيب مما يؤدي إلى تأخر في التشخيص.
ثمة جهود واضحة في دولة الإمارات في هذا المجال، وقد تم الإعلان عن برنامج وطني لإجراء فحوص مبكرة للمدخنين سنوياً من عمر 50 سنة بالصور المقطعية بهدف السيطرة على المرض، فضلاً عن صدور قانون لرفع القيمة المضافة على منتجات التبغ للحد من التدخين، وصدر قانون يمنع عرض منتجات التبغ في أماكن واضحة للحد من التدخين، إضافة إلى إطلاق أول برنامج للكشف المبكر مع حملات مستمرة بالتعاون مع وزارة الصحة بعد الصيف، نظراً إلى أن هذا المرض يشكل معاناة كبرى للمرضى وعائلاتهم عند اكتشافه في مراحل متأخرة.
ويسلط الشمسي الضوء على أهمية الفحص الجيني ضمن الحلول العلاجية لأنه يشكل تطوراً مهماً في هذا المجال، وهو قادر على إعطاء علاج خاص للمريض بحسب جيناته بوجود 10 أنواع مختلفة من سرطان الرئة، ومن المفترض بكل مريض أن يحصل على علاج خاص يكون أكثر فاعلية له.
التوعية أولوية في السعودية
في السعودية لا يتوافر برنامج للكشف المبكر عن سرطان الرئة، وفق ما يوضحه عميد كلية الطب في جامعة "الفيصل" خالد القطان لـ"اندبندنت عربية"، ويشير إلى أن منظمة الصحة العالمية تعيد النظر حالياً في التوصيات الخاصة بالكشف المبكر عبر خفض السن بما يلائم التغيير الحاصل، علماً أن الكشف المبكر لسرطان الرئة ممكن عن طريق الـLow Dose CT Scan الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
ويُسجل في المملكة أيضاً ارتفاع متزايد في معدلات الإصابة بسرطان الرئة خلال الأعوام الأخيرة، لذلك هو من الأورام التي تولى أهمية كبرى إضافة إلى سرطان القولون، وهذه المتابعة تتولاها وزارة الصحة مع الـNIH.
في المقابل، تبين أن الكشف المبكر يزيد فرص التعافي ويؤمن نوعية حياة فضلى مع كلفة علاج أقل، "لذلك تشكل التوعية أولوية في السعودية سواء في اليوم العالمي لسرطان الرئة أو في مختلف الأوقات. كما يجري العمل على الأبحاث حول سرطان الرئة، وعلى البرنامج الذي انطلق بقيادة جامعة الفيصل. وهناك تركيز على الطرق العلاجية الجديدة المتطورة في العلاج. وتصدر النشرة العلمية سنوياً للتوصيات حول سرطان الرئة مع تجديد للقواعد العامة للعلاج"، بحسب القطان.
ومن التحديات التي تتم مواجهتها في التشخيص اعتبار الحالات كافة دون سن الـ40 مجرد التهاب، فيما ترتفع الحالات في سن مبكرة بوجود طفرات جينية من الممكن أن تكون السبب وراءها. ويشير القطان إلى أن تطور العلاجات لمختلف الأمراض أسهم في ارتفاع متوسط عمر الفرد في المملكة، مما يزيد من احتمال الإصابة بالسرطان، ولقد أسهم ذلك بالفعل في زيادة عدد الحالات. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات