تنتشر رائحة كريهة داخل المدرسة التي تحولت إلى مركز إيواء يضم مئات النازحين، وتختنق آية من الرائحة التي تسللت لأنفها، لتضطر إلى الخروج من غرفة الصف التي تتخذها مسكناً تحتمي فيها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في محاولة منها للبحث عن بيئة وجو أنقى.
بمجرد أن تغادر آية غرفة الفصل وتسند جسدها على باب مسكنها، يقع نظرها على جبل صغير من أكوام النفايات الصلبة، تفوح منه رائحة كريهة، تضحك السيدة وتقول بسخرية "إطلالة رائعة، لم أر في حياتي إطلالة مثل هذه، كانت شقتي قبل الحرب تطل على شاطئ البحر مباشرة".
تفاقم القمامة وتخمرها
يوماً بعد يوم تعلو أكوام القمامة أكثر أمام المدرسة التي تحولت إلى مركز إيواء، حتى باتت تشكل جبلاً، تضيف آية "قسوة الحرب أجبرتني على العيش قرب مكب نفايات، ولا حلول أمامي إلا تحمل تبعات هذه المشكلة البيئية الخطرة".
أكوام النفايات المتراكمة تتعرض لأشعة شمس حارقة طوال اليوم، مع تخطي درجات الحرارة الـ40 درجة مئوية أحياناً، مما يتسبب بتعفن القمامة وتخمرها، فيخلق بيئة خصبة للأمراض والقوارض والبعوض وحتى الروائح الكريهة.
وتبادر آية في حث النازحين داخل الإيواء على عدم إلقاء النفايات في المجمع أمام المدرسة، لكنهم يجيبون متسائلين "كيف وأين نتخلص من القمامة الصلبة"، حينها تعجز السيدة عن إيجاد إجابات مقنعة، إذ لا حلول على المدى المنظور.
تطور المشكلة
وشلت الحرب الإسرائيلية على غزة نظام جمع النفايات الصلبة وترحيلها في جميع أنحاء القطاع، يشرح المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة عبدالرحيم أبو القمبز "الهجمات الإسرائيلية العنيفة أدت إلى تدمير عدد ضخم من معدات جمع النفايات والأخرى المخصصة لترحيلها".
ويوجد في غزة 110 مركبات مخصصة لجمع النفايات الصلبة من جميع أنحاء القطاع، لكن بسبب الضربات العسكرية الإسرائيلية انخفض عددها إلى 73 شاحنة، يضيف أبو القمبز "نعمل على تشغيل هذا العدد القليل من المعدات، لكننا واجهنا مشكلة انعدام توفر الوقود".
واضطرت بلديات قطاع غزة إلى العمل بطريقة بدائية جداً، يوضح أبو القمبز "عملنا على تشغيل عربات تجرها الحمير لجمع النفايات من شوارع القطاع، لكن إسرائيل استهدفت عمال النظافة وبخاصة أولئك الذين يعملون ليلاً".
المكبات في مكان مجهول
للحفاظ على حياة عمال النظافة ألغت بلديات القطاع فكرة الدوريات الليلة، واضطرت إلى جمع النفايات في ساعات النهار فقط، يشير أبو القمبز إلى أن مشكلة أخرى ظهرت لهم تتمثل في الاجتياح الإسرائيلي البري للقطاع.
ويقول أبو القمبز "أدى الاجتياح الإسرائيلي البري لقطاع غزة إلى منع الطواقم البلدية من الوصول إلى مكب النفايات، حينها أصبحنا في حيرة، أين نرحل النفايات وأين نجمعها، لقد عجزنا عن وضع خطة للتخلص منها".
قبل الحرب خصص قطاع غزة مكبي نفايات، وهما مكب الفخاري ومكب جحر الديك، وكلاهما يقع شرق غزة أي قرب الحدود مع إسرائيل، وهذه المناطق بات الاقتراب منها محظوراً، ويعمل فيها الجيش الإسرائيلي بقوة، كما أن الفرق الهندسية للجيش تجهز هناك مناطق عازلة، أي على الأرجح لم يعد هناك وجود لمكبات النفايات.
في الشوارع ومراكز الإيواء
واضطرت البلديات إلى تجميع النفايات في أي بقعة أرض فارغة، بينما يؤكد أبو القمبز أن "العوامل السابقة أدت إلى تكدس كميات كبيرة من القمامة في الشوارع مما أدى إلى إغلاق بعض المرافق الرئيسة في القطاع".
وبحسب الأمم المتحدة فإن ما تبقى من شوارع في قطاع غزة تحول إلى مكب عشوائي للنفايات، إذ باتت القمامة التي ما أمكن تجميعها من طريق عربات تجرها الحمير، تنتشر في الطرقات وأمام المستشفيات ومراكز الإيواء ومكدسة بين الأسواق وبيوت الناس.
ويقول المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك "نظام جمع النفايات في غزة تعرض لأضرار جسيمة ففي شوارع القطاع 270 ألف طن من القمامة الصلبة، هذه تخلق أخطاراً صحية وبيئية جمة تؤدي إلى انتشار الحشرات والقوارض الضارة المسببة للأمراض والأوبئة".
روائح متعفنة
من بعيد شاهد صهيب عربة يجرها حمار تقترب من أكوام النفايات المتراكمة أمام معسكر خيم النازحين، وظل يراقب تحرك عمال النظافة، يقول "تأتي أحياناً عربات النفايات البدائية، لكنها لا تستطيع التعامل مع الأطنان الضخمة للقمامة، الناس هنا يواصلون إلقاء النفايات من دون اكتراث".
ويضيف "لا نستطيع النوم من الروائح الكريهة التي تنبعث من تكدس القمامة والبعوض والذباب، يتجه بعض الأشخاص إلى حرق النفايات فتنطلق سحب من الدخان الأسود يرافقها انبعاث روائح أشد عفناً وأذى في المكان، أعاني ضيقاً في التنفس والسعال ومشكلات أخرى في الصدر بسبب روائح النفايات".
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من تعفن أكياس النفايات أو تخمرها بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، بسبب غياب معدات للتخلص منها ويقتصر التعامل معها على تجميعها فقط.
من جهتها تقول مسؤولة الإغاثة في "أونروا" ويس ووتردج إن أكوام القمامة المتعفنة تتراكم قرب مخيمات النازحين مما يثير مخاوف من انتشار مزيد من الأمراض، وبخاصة بعد انتشار البعوض والذباب والفئران قربها.
فعلياً تحول هذا التحذير إلى واقع حقيقي، وأدى بالفعل إلى انتشار الأوبئة، ومنها الأمراض التنفسية والجلدية والكلى والتهاب الكبد الوبائي والجدري المائي المعدي، وسجلت منظمة الصحة العالمية 280 ألف حالة تعاني أمراضاً في الجهاز التنفسي، و14 ألف حالة إسهال، و480 ألف حالة بمرض الجرب، إضافة إلى انتشار الحشرات والقوارض، وأرجعت السبب وراء ذلك إلى انتشار النفايات الصلبة في الشوارع. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات