على الرغم من أن الوالدين لهما تأثير حميم على بيئة الطفل في مرحلة ما قبل الولادة، إلا أن هذا التأثير يتعمق ويتسع أكثر بمجرد وصول الطفل للعالم وحين يقوم الوالدان بتأسيس البيئة المادية للطفل، بالإضافة إلى التفاعل مع الطفل من خلال الكلمات واللمسات والمشاعروالتعبيرات الوجهية .
وفي العامين الأولين من الحياة تتطور حواس الطفل الطبيعي، كما يتعلم أن يحبو، ويمشي ويجري، ويناغي، ويتحدث ويستخدم الملعقة، ويستمع إلى اللغة ويفهمها، ويتناول عددا من اللعبات والأدوات، ويتفاعل مع أفراد الأسرة الآخرين والقائمين على رعايتة.
كما يتم كذلك إرساء الجوانب الأساسية من الشخصية مثل الحالة المزاجية ، وردود الأفعال العاطفية، خلال فترة الأربعة وعشرين شهراً. وبالغريزة، يجد الأطفال الرضع والدارجين أنفسهم مخلوقين للتعلم، واستكشاف كل التفاصيل في محيطهم بفضول مكثف وينضج مخ الرضيع، وتزدهر قدراته على إدراك العالم والاشتراك فيه .
هذه الأنشطة النمائية بدورها، تساعد على تشكيل المخ النامي ومن أنشطتهم المكثفة التي تشتمل على اللمس، والنظر والتذوق، والاستماع والحركة، يجهز الرضع أنفسهم بمعظم الخبرات التي هم بحاجة إليها، حتى يتمكن المخ من النمو بصورة طبيعية. ولكن والدي الطفل الرضيع أو الدارج ، يجب أن يوفرا له أنواعا معينة من الخبرات، وبصفة خاصة في نطاق الدعم العاطفي واللغة، لتوسيع نموه للحدود القصوى في هذه المرحلة.
أكثر من نصف النساء اليوم يعدن للعمل قبل أن يتم أطفالهن السنة الأولى من العمر بالنسبة للنساء الحاصلات على درجات جامعية، تصل النسبة إلى حوالي ٧٠% وهذا يعني أن بيئة الحب والاستثارة التي يخلقها الوالدان في المنزل تعتبر جزءاً مهما من خبرات الطفل خلال فترة النمو ؛ ويشغل نوع الرعاية المقدمة للطفل التي يختارها الوالدان الجزء الرئيسي المتبقى فبالنسبة لثلاثين بالمائة من الآباء يكون الاختيار هو مركز رعاية نهارية.
وبالنسبة للثمانية وأربعين بالمائة يكون الاختيار هو توفير أحد الأقارب لرعاية الطفل في هذه الفترة. وبالنسبة لاثنين وعشرين بالمائة، يكون الاختيار هو إحضار جليسة للطفل، أو رعاية شخص من غير الأقرباء في منزل آخر.
وعند اتخاذ القرارات بالعودة للعمل، والاختيار النوع الرعاية الموجهة للطفل في هذه الأثناء، يكون من المهم أن نتعرف على:
العناصر العامة للبيئة الثرية، الأحداث الجوهرية لنمو المخ في السنتين الأوليين من عمر الطفل، الأساليب التي يمكن بها للخبرات أن تدعم وتوسع من هذا النمو، استثارة العقول الصغيرة، هناك أسباب وجيهة للتفكير في أن البيئة الإثراثية سوف تستثير عقل الطفل الصغير، فقد أوضحت الدراسات التي أجريت على الحيوانات في معمل دياموند في بيركلي أن صغار الفئران الأصغر من ثمانية وعشرين يوماً، وقبل أن يفطموا يظهرون قشرة مخية أكبر حتى ولو بعد فترة إثراء قصيرة. وقد وضع فريق دياموند ثلاث أمهات وعدد تسعة صغار في قفص أكبر دون وجود دمى أو لعب (المجموعة الضابطة)، أو في قفص كبير به ألعاب المجموعة الإثرائية التجريبية) ومن ثم قارنوا كلتيهما بأسرة فئرانواحدة موجودة وحدها في قفص صغير دون وجود العاب وفي فترة قصيرة تصل إلى ثمانية أيام، نمت الصغار في المجموعة الإثرائية قشرةدماغية من 7 إلى ۱۱ بالمائة أكثر سمكاً مقارنة بالصغار الآخرين . وبعد أسبوعين في القفص الإثرائي الذي يحتوي على ألعاب، أظهرت منطقة محددة من الدماغ مختصة بالتكامل بين المعلومات الحسية، نموا مقداره ١٦٪ من حيث السمك لدى الصغار فى البيئة الإثرائية – وهي الزيادة الأكبر في أي منطقة مخية في أي مرحلة عمرية.
وقد قام كل من آرنولد شيبيل، و روديريك سيموندز بدراسة مخ الأطفال، من خلال ملاحظات مشابهة. وقد حصلا على عينات من المخلسبعة عشر طفلاً ماتوا ما بين عمر ثلاثة أشهر وست سنوات.
وفي حين كان الباحثون لا يعلمون نوع بيئات التعلم التي تربى فيها هؤلاء الأطفال، فقد وجدوا بعض الأشياء المثيرة حول الخبرات والقشرة المخية الصغيرة . وقد كان اهتمامهم الرئيسي حول التفريعات في أذرع الخلايا العصبية في طبقة القشرة المخية - الأشجار السحرية للعقل- التي تعرضنا لها في الفصل الأول . وقد وجدوا أنه عند الميلاد، تكون معظم الخلايا العصبية neurons في القشرة المخية لدى الطفل الرضيع لها تفريعات من الدرجة الأولى والثانية فقط. وذلك يعني أن أذرع الخلايا، وهي التي تمثل المستقبلات الحية Living antennas التي تستقبل الإشارات العصبية الواردة عادة ما تستطيل، وتنقسم مرة إلى فرعين ثم مرة ثانية إلى أربعة أفرع، ولكنها تتوقف عند هذا الحد.
وتقريباً بعد الولادة مباشرة، وحين تبدأ خبرات اللمس والتذوق، والسمع والرؤية وغيرها من الخبرات الحسية والحركية في غمر بيئة الطفل الوليد فإن الأفرع الممتدة من أذرع الخلايا العصبية تستأنف بوصول الطفل إلى ستة أشهر، تبدأ التفريعات من الدرجة الثالثة والرابعة في أن تصبح غزيرة في نسيج المخ الذى اختبره فريق شيبيل.
وفي حوالي السنة الثانية أو الثالثة من العمر ، تصبح التفريعات من الدرجة الخامسة والسادسة شائعة وقد أطلقت شيبيل على هذا الأمر التاريخ الحفري Fossilzod history لنمو النهايات العصبية المبكر.
وقد أمكنها أن تقرأ شيئاً آخر في هذا التاريخ، فمن الشهر الثالث إلى السادس من العمر، قبل أن يبدأ الوليد في الكلام، تصبح أذرع الخلايا العصبية في النصف الأيمن من المخ أكثر طولاً وأكثر تفريعاً من تلك التي في النصف الأيسر ، خاصة في المنطقة من المخ التي تتحكم في المص والبلع، والشم، والبكاء والتعبيرات الأخرى، ولكن الكلام ليس من بين هذه الوظائف. وبتمكن الطفل من تعلم الحديث بين الشهر الثامن والثامن عشر، تنمو شجرة أذرع الخلايا العصبية النهايات العصبية في النصف الأيسر وهو الجانب من المخ الذي يتحكم في اللغة، لكي تصبح أطول، وتتفرع بشكل أكبر مقارنة بالنصف الأيمن.
هذه التفريعات في النصف الأيسر، يوضح لنا شيبل ، أنها قد لاتكون السبب، ولكنها النتيجة أو الاستجابة لتعلم الطفل استخدام الكلمات. وهذا بالطبع يمثل حالة كلاسيكية من نمو أذرع الخلايا العصبية كاستجابة للمثيرات البيئية - في هذه الحالة، تتمثل في حديث الوالدين للطفل والغناء له والقراءة له.
إن هذا العمل من جانب شييل و«سيموندر» يعتبر من بين أكثر الأعمال التي توضح مباشرة كيف يمكن للخبرة والاستثارة البيئية أنتتسبب في نمو عقل الطفل الوليد.
اضافةتعليق
التعليقات