الحمدلله!، كلمة تصف السعادة التي تجتاح القلب حين تسمع الأذن: *ببركات من الله سأتوجه إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ، سأمشي في أربعينه، وأجدد العهد مقتديًا بمسيرة زينب الكبرى (عليها السلام) ، وأحتضن القبر الشريف يدلني عليه لهفتي لا عيناي كجابر الأنصاري*.
نعم، الحمد لله على استمرار الزوار الوافدين الملبين للنداء رغم كل الظروف، والحمد لله على كل سعيٍ للحسين (عليه السلام) وفي سبيله.
لكن! سرعان ما تطفو للسطح مشاعر أخرى، فتَدمَعُ العين كلما نطق اللسان: *قلدناكم الدعاء والزيارة يا زوار*، مشاعر تحسر لعودة موسم الزيارة - الذي ذكره الإمام العسكري (عليه السلام) من علامات المؤمن الخمس- دون أن تكون زائِرًا.
فيبدأ القلب يصارع العقل، ما الذي يشوب نيتي؟ هل ضعفت عن الدعاء في لحظة استجابة فلم أكتب زائِرًا؟ ما الذي يحول بيني وبين الوقوف في حضرة سيد الشهداء أبكيه في ساحته وعند قبره؟ هل تعلقت بالدنيا فأبعدتني عن السعي الحثيث الذي ينتهي بالمشي بين الحرمين؟
ويستمر هذا الصراع لا يهدأ كلما تحركت قوافل العاشقين قاصدة حسينًا، وكيان المحروم من الزيارة يناجي: "سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَنِي وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي ، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفا بِحَقَّكَ فَأَقْصَيْتَنِي ، أَوْ لَعَلَّكَ رَأيْتَنِي مُعْرِضا عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَنِي فِي مَقامِ الكاذِبِينَ فَرَفَضْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شاكِرٍ لِنَعْمائِكَ فَحَرَمْتَنِي ...".
فيجيب العقل مُطمئِنًا القلب، مُهدِئًا من روعه، ومُذكِرًا إياه بما قاله الإمام الكاظم (عليه السلام): "من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا، يكتب له ثواب صلتنا".
وقد سبقه والِدهُ الإمام الصادق (عليه السلام) دافِعًا من تَفصِلُ المسافات بينه وبين سيد الشهداء بقوله: "إصعد فوق سطحك ثم تلفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم تنحو نحو القبر وتقول: *السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته*".
ليبينوا أن كل هتافٍ للقلبِ بحب الحسين (عليه السلام) منظورٌ بعينهم وعين الباري عز وجل.
فمهما طال الأمد، وبعُدتِ المسافة وأثقلتك الحسرة لا تفتأ وَجِّه كل ألمك وحسرتك واشتياقك للزيارة، واسأل الله أن يكتبك من الزائرين، فما خاب من كان سعيه حسينيًا.
اضافةتعليق
التعليقات