• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

حين يصنع الصبر أجيالًا

دلال العكيلي / الأثنين 28 تشرين الاول 2024 / تربية / 1116
شارك الموضوع :

قد لا تُكتب قصص هؤلاء النساء في الكتب، وقد لا يُروى عنهن في المجالس، لكن أفعالهن تظل محفورة في قلوب من عاشوا حولهن

قبل عشرين عامًا تقريبًا، كنت أسمع بعض القصص عن صبر النساء على مصاعب الحياة وهمومها في حين كان اعتقادي أن كلّ النساء سعيدات وقويات، مستندًة إلى ما رأيته من تصرفاتهن، وكيف كانت الأم تهتم وترعى الأطفال وتغمرهم بالحب والسعادة دون أن يظهر عليها أيّ أثر للحزن أو التعب.

من بين تلك الشخصيات التي حفرت بصمتها في ذاكرتي، صديقة والدتي، كانت تلك السيدة تجسد القوة الحقيقية، إذ تدير شؤون منزلها ببراعة ودون أن تشكو، وربت خمسة أطفال على أكمل وجه حتى كبروا ليصبحوا أفرادًا ناجحين في حياتهم؛ فمنهم المعلم، والمهندس، والضابط، ويمتلكون خلقًا وثقافة عالية، كلّ ذلك بفضل إصرارها وتفانيها الذي لم يخذلهم يومًا.

هذه المرأة البسيطة، التي لم تكمل تعليمها، أسهمت في بناء عائلة ناجحة، وكانت نموذجًا للمرأة الصابرة المعطاءة لكنها لم تكن الوحيدة في مجتمعنا؛ بل هناك الكثير مثلها، وربّما نساء أكثر عطاءً منها، وما عرفته بعد مرور عقدين أن تلك السيدة كانت تتحمل معاناة شديدة بسبب قسوة زوجها وجحوده رغم كلّ ما واجهته، لم تُظهر معاناتها، وكانت السند والداعم لزوجها وقت الحاجة.

تحلت بالصبر والأخلاق الحسنة، ولم تدع سوء معاملة زوجها ينعكس على تربيتها لأبنائها، كانت تسعى دائمًا لإرضائه على أمل إصلاحه وإكمال ما بدأت به في بناء عائلتها، ورغم معرفتها بكلّ ما يجري، لم تدخل في جدال معه ولم تخبر صديقاتها عن معاناتها، مما جعل البعض يتساءل عن سبب صمتها وعدم اتخاذ موقفًا حاسمًا منه إذ كان معروفًا بسلوكياته السيئة عند المقربين منهما.

مع مرور السنين، كبر الأبناء وأصبحوا ناجحين في حياتهم، بينما بدأ الزوج يلاحظ، متأخرًا، أنه لم يعرف أبنائه حقًا، ولم يشارك في تربيتهم شعر بالغربة عنهم، غير مدرك لأحلامهم أو تطلعاتهم، وبادر زوجته بالعتاب لكن ردها جاء مفاجئًا: "لم أترك الأبواب مشرعة اعتباطًا، بل حاولت جاهدة أن أحتويك وأعيدك إلينا، لكن عندما أدركت أن محاولاتي معك مضيعة للوقت، ركزت كلّ اهتمامي على أولادنا كنت أعلم أن الاستمرار في الجدال معك سيستنزف طاقتي، وسيتفكك بيتنا لذلك اخترت أن أكون الأم والأب في آن واحد، فكنت لهم الأب الذي رسموه في مخيلتهم، أحبك أبناؤك دون جهد منك، بعد كلّ هذه السنين أفقت!".

لم يعتقد يومًا أن يكون هذا ردها، غرق في مراجعة نفسه أيامًا وفي آخر الأمر أدرك خطأه.

بادر الزوج في النهاية إلى تعويض زوجته عن تقصيره تجاهها، وضمّ أطفاله الذين كبروا، لأنه بحاجة إلى حبهم واهتمامهم، وَجدهم كما كانت تحلم الأم، متماسكين وناجحين، فزاد إحساسه بالذنب تجاه تلك السيدة التي زرعت حبّ والدهم في قلوبهم ولم تدع الفراغ الذي تركه يؤثر عليهم، أدرك كم كانت تلك السيدة عظيمة بحكمتها، مستمدة قوتها وصبرها من الله، فهي طالما دعت الله أن يمنحها الصبر والتوفيق لتربي أطفالًا صالحين، وقد تحقق ما كانت ترجو.

بعد سنوات، تابعتُ أخبار هذه السيدة وتساءلت عن حالها علمت أن الزوج قبل أن يفارق الحياة وفي آخر أيامه، قد منحها كلّ ثروته كنوع من التكفير عن تقصيره أما الأبناء، فقد تزوجوا وأصبحوا ناجحين في حياتهم.

في ظل هذه التضحيات التي قدمتها تلك السيدة، بدأت أتساءل عن قوة الإيمان الذي حوّل امرأة بسيطة إلى أعمدة تستند عليها أسرة كاملة لم يكن لديها ما تتكئ عليه سوى توكّلها على الله وحبها لأبنائها، صبرها لم يكن ضعفًا بل كان قمة القوة، إذ إنها اختارت أن تصنع حياة أفضل لأبنائها بعيدًا عن الصراعات التي كان يمكن أن تمزق أسرتها.

عاشت هذه السيدة حياة مليئة بالصبر والإخلاص، ووضعت حياتها وأحلامها جانبًا لترعى بذورًا زرعتها بحبّ وتفانٍ حتى أينعت وأثمرت عائلات صالحة، لم تكن تتوقع من الحياة أن تكون عادلة معها، لكن إيمانها العميق جعلها تتحمل أعباءها دون كلل، كان زوجها في البداية عاجزًا عن رؤية تلك العظمة، لكن عندما استفاقت بصيرته، أدرك الثروة الحقيقية التي أهملها طوال حياته، سيدة صنعت من نفسها ومن بيتها مدرسة في الصبر والتحمل.

اليوم، وفي ظل التحديات التي تواجه العديد من الأسر، كم من امرأة تستطيع أن تتخذ قرارًا كهذا؟ أن تتجرد من ذاتها وتضع مستقبل أولادها فوق كلّ اعتبار؟ كم من امرأة تستطيع أن تثق بالله ثقة كاملة، وتعلم أن الودائع التي تُوضع في يدي الله لا تضيع أبدًا.

قد لا تُكتب قصص هؤلاء النساء في الكتب، وقد لا يُروى عنهن في المجالس، لكن أفعالهن تظل محفورة في قلوب من عاشوا حولهن، أولادها وعائلاتهم اليوم هم الشهادة الحية على أنها نجحت في رسالتها لقد حملت هذه السيدة أمانةً عظيمة، وحافظت عليها بإيمان راسخ، وها هي اليوم تجد نفسها قد تركت أثرًا لا يزول.

الأم
الأسرة
الايمان
قصة
الأبناء
النجاح
الصبر
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا

    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين

    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي

    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي

    بناء التنوع.. شعار اليوم العالمي لهندسة العمارة

    جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تنظم فعاليات نادي ريحانة الصيفي للفتيات

    آخر القراءات

    مجسم البومة والثروة: تجارة الوهم التي تهدد وعي المجتمع العراقي

    النشر : الأحد 01 كانون الأول 2024
    اخر قراءة : منذ 21 ثانية

    بذور التكافل في ظل الأزمات.. شباب تظاهرات كربلاء أنموذجا

    النشر : الخميس 26 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ 37 ثانية

    من أنا.. نظرة متواضعة إلى الذات

    النشر : الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024
    اخر قراءة : منذ 43 ثانية

    المراهقين والتدخين

    النشر : الثلاثاء 22 آذار 2016
    اخر قراءة : منذ 43 ثانية

    المساندة الوجدانية مع الطفل.. منهج التعليم الملطف

    النشر : الأحد 14 كانون الثاني 2024
    اخر قراءة : منذ 43 ثانية

    الامام صادق ومفهومه الإقتصادي في الحياة

    النشر : السبت 04 آيار 2024
    اخر قراءة : منذ 44 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1188 مشاهدات

    بعد تراجع وفيات النوبات القلبية.. ما الذي يُهدد حياتنا الآن؟

    • 428 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو": صدفة؟ أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 426 مشاهدات

    ابتسم… أنت تمضي بلا هوية

    • 390 مشاهدات

    تحدّي عاشوراء: أربعون يوماً لتكون حسينيّاً في زمن الضياع

    • 362 مشاهدات

    محرّم في زمن التحول

    • 362 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 1529 مشاهدات

    القليل خير من الحرمان

    • 1313 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1188 مشاهدات

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1170 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1106 مشاهدات

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    • 932 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا
    • منذ 2 ساعة
    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين
    • منذ 2 ساعة
    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي
    • منذ 2 ساعة
    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي
    • منذ 2 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة