بعضنا إن لم يكن كلنا من شتى الأماكن وجميع الديانات نعرف أن هناك أناس قال فيهم عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، هؤلاء الأشخاص الذين اصطفاهم الله نوراً لأرضه وصراطا دنيويا وشفاعة سماوية، حبل وثيق إن استمسك الناس به ماضلوا الطريق أبدا.
قبل أيام وفي جلسة لطيفة تجمع العائلة سألت أخي ذو العشرين عاماً عن مايعرفه عن المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، فأجابني بكل ثقة عن عددهم ولكن حين طلبت منه أن يذكرهم بالاسم على غير تسلسل، صدمني أنه عدد الكنى والأسماء من دون أن يفرق أن أغلب من عددهم من الاثني عشر كانوا مكررين، فقد قال الكنية تارة وتارة ذكر الاسم ليكمل العدد وحقيقة الأمر هو لم يفرق بينهم لأنه لا يعلم إلا مايسمع من التلفاز وأحيانا مايذكر في مجالس العزاء، كان الأمر محزنا إلى حد ما، من أن تكون شيعياً ولا تفرق بين كنية الامام واسمه، ربما ليس غريبا فهو لم يكن الوحيد الذي تعرض لهذا السؤال مني لأنني حتما أعدت السؤال على أكثر من شخص أعرفهم وغالبا ما كانت الاجابة مؤلمة على هذه الشاكلة، هنا اليوم وددت أن أذكر أول إمام للشيعة، رغم أنني لا أعلم كم عدد الأشخاص الذي سيقرأون أو ربما لن يقرأها الكثيرين لكن ماضرنا لو تعمقنا أكثر عن كل إمام من الإثني عشر وعرفناه ولو جزءا منه فمن الصعب احصاء الأنوار المحمدية في سطور عقيمة لا تعي سوى فكرة صاحبها وبحثه المبتور.
بداية يجب أن نتساءل: ماذا يعني أهل البيت (عليهم السلام) للعالم المعاصر؟
لايخفى على الجميع أن أهل البيت يشكلون قيمة معنوية ومعرفية كبرى للمجتمع البشري في مختلف العصور، فهم مصدر إلهام فكري معرفي، حيث اصطفاهم الله تعالى لحمل دينه ورسالته، الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله): "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا"، وأمر الله تعالى بمودتهم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، وتنفيذاً لتوجيهات أهل البيت (عليهم السلام) علينا ذكر مناقبهم واشهار علومهم، فقد ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «أحيوا أمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقيل له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا».
امام العارفين وأول المعصومين
نظرت من أين أبدأ فشيء بديهي أن مولانا قسيم الجنة والنار لا يخفى على أحد اسمه، فهو علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله محمد بن عبد الله وصهره، ورابع الخلفاء الراشدين عند السُنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة، أسلم قبل الهجرة النبوية، وعُرف بشدته وبراعته في القتال فكان عاملًا مهمًا في نصر المسلمين في مختلف المعارك، اشتهر عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، كما يُعد رمزا للشجاعة والقوة ويتصف بالعدل والزُهد، لكن ما يجب أن يعرفه الجميع أن كل إمام من الاثني عشر تميز بعلم واشتهر به أما إمام العارفين ووالد الأئمة المطهرين كان جامعا لكل العلوم وكما قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه»، من هنا تبدأ الحيرة في اختزال العلوم ببعض سطور تقيد الكاتب وتتحدى فهم القارئ، فرأيت أن أذكر من أقواله ما يقوم دمار مجتمعنا ويصفي جهل أجيالنا في قوله (عليه السلام): «أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه، والعلم مخزون عند أهله قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه»، فمن الخصوصيات التي اختص بها أَمير المؤمنين (عليه السلام) دون غيره هو العلم بأحوال زمانه، بل علمه (عليه السلام) بما فات وما سيأتي، فقد كان (عليه السلام) عالماً بالتوحيد وبالكتاب العزيز وأحوال آياته، وهو العارف بأحوال الملائكة والأنبياء (عليهم السلام) والرسالات وعوالم ما بعد الموت، وكان عالماً أيضاً بجميع أحوال القضاء والخصومات، وكان يحث الناس على سؤاله حرصا منه على نشر العلم، فلو أردنا احصاء العلوم لم نجد لها نهاية، ولكن يمكننا القول أن من يريد النور أن يدخل صدره عليه بالتعلم من امام العارفين والتعمق في سيرته، ولعل من أبرز العناوين التي قد مرت على أسماع الجميع وأشهرها كتاب نهج البلاغة الذي يحتوي على أقوال علي بن أبي طالب، وقد جمعه الشريف الرضي، تجولت في صفحاته فوجدتني ماقرأت من كتب الفلاسفة إن هي إلا هوامش سطحية من علم قد ذكره امام العارفين، وكالعادة في مجتمع يجهل علمائه الحق، متجهين نحو البحث عن الصورة النمطية التي يرتدونها كربطة عنق تعلق على صفحاتهم الشخصية تهترئ بمرور المنشورات، تاركين تلك العباءة التي تسترهم على مر السنين، لا أعلم كيف أغفر لنفسي حيث قصرت الأسطر وصعب علي وصف جوانب امامي كلها ولكننا قد قيدنا بسطور معدودة، سيتبعها سطور أخرى بإذن الله.
اضافةتعليق
التعليقات