الابتزاز العاطفي هو أحد أشكال التلاعب النفسي ويحدث خلاله استخدام منظومة من التهديدات وأنواع مختلفة من العقاب يوقعها شخص ما على آخر قريب منه في محاولة للسيطرة على سلوكه.
"يتضمن الابتزاز العاطفي عادة.. شخصين تجمع بينهما علاقة شخصية قوية، أو علاقة حميمية (الأم والابنة، والزوج والزوجة، والشقيقتين، الأصدقاء المقربين). وعند التعرض للابتزاز العاطفي "يصبح الشخص رهينة عاطفية للآخر".
وقد يهدد المجرم المبتز باستخدام معلومات عن ماضي الشخص لتدمير سمعته، أو يطلب أموالا نظير عدم إفشاء السر.
أما الابتزاز العاطفي فله تأثير شخصي أكثر، فالمبتزون عاطفياً يعرفون مدى تقديرنا لعلاقتنا بهم ويعرفون نقاط ضعفنا وبغض النظر عن مقدار اهتمامهم بنا، فعندما يشعرون بأنهم لن يحصلوا على ما يريدون يستخدمون معرفتهم الحميمية لتشكيل التهديدات التي تعطيهم النتيجة التي يريدونها ألا وهي امتثالنا لرغباتهم، فإنهم يهددون بأن يمنعوا ذلك أو يسلبوه بالكامل، فمثلا إذا كنت تعتز بكونك كريما ومهتما بالآخرين فربما يصفك المبتز بأنك أناني أو غير مراع للآخرين إذا لم تستجب لرغباته.
إذا كنت تحتاج إلى المال والأمن، فربما يفرض المبتز شروطا لتوفيرهما أو يهدد بسلبهما.
وإذا صدقت المبتز، فقد تقع في نمط السماح له بالتحكم في قراراتك وسلوكك.
وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن الذين يبتزوننا يجعلون اكتشاف تلاعبهم بنا أمرًا أقرب إلى المستحيل: لأنهم يخبرونك أو يلمحون إلى أنهم سيهملون أنفسهم أو يؤذونها أو يصابون بالاكتئاب إذا لم تفعل ما يريدونه؟
يريدون المزيد دائما، بغض النظر عما تقدمه لهم؟ يفترضون دائما أنك تستسلم لهم؟
يتجاهلون أو ينتقصون من مشاعرك ورغباتك دائما؟. يقدمون وعوداً كبيرة متوقفة على سلوكك ثم نادرا ما يوفون بها؟
يصفونك دائما بأنك أناني أو سيئ أو طماع أو عديم المشاعر أو لا تهتم بالآخرين عندما لا تذعن لهم؟
يمطرونك بوابل من عبارات الاستحسان عندما تستسلم لهم ويمتنعون عنها إذا لم تذعن لهم؟
يستخدمون المال كسلاح ليحصلوا على مرادهم.
قبل أن نتمكن من إحداث تغيير، نحن نحتاج إلى التخلص من التشويش والخلط المتعلقين بالنمط الذي تسير عليه علاقاتنا بالمبتزين. نحن بحاجة إلى إشعال الأنوار، وهذه خطوة بالغة الأهمية في إنهاء الابتزاز العاطفي، لأنه حتى إن كنا نعمل على تبديد الضباب، فإن المبتز يكون منهمكا في ضخ طبقات جديدة وكثيفة من الضباب.
وعلى الرغم من كل التطورات التي أحرزناها في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحالاتنا المزاجية وعقلياتنا ودوافعنا، فإننا عندما نتعامل مع الضباب، فإن حواسنا يتم تقييدها وأجهزة الاستشعار الدقيقة التي توجهنا في علاقاتنا بالآخرين تصاب بحالة من الجمود.
فالمبتزون يتمكنون ببراعة من إخفاء الضغط الذي يمارسونه علينا وعادة ما نشعر به بطرق تجعلنا نتشكك في فهمنا لما يحدث.
وبالإضافة لذلك، عادة ما يكون هناك فرق شاسع بين ما يفعله الذين يبتزوننا والطريقة اللطيفة أو حتى المحبية التي نقسر بها تصرفاتهم تجاهنا وشخصياتهم. فتشعر بالارتباك والتشوش والحنق لكننا لسنا الوحيدين فالابتزاز العاطفي معضلة تؤثر في ملايين الأشخاص.
كانت المعالِجة النفسية والمؤلِّفة الدكتورة "سوزان فوروارد" رائدة في هذا المجال، فحاولت من خلال كتابها الصادر عام 1997، الذي كان يحمل عنوان "الابتزاز العاطفي: عندما يستخدم الناس في حياتك الخوف والإلزام والشعور بالذنب للتلاعب بك"، شرْح تعريف الابتزاز العاطفي وأنواعه وطرق التغلب عليه.
تقول مستشارة الصحة العقلية المرخصة كريستين هاموند: "لكي ينجح المبتزون، يجب أن يعرفوا ما يخشاه الهدف. غالبا ما يكون هذا الخوف عميق الجذور، مثل الخوف من الهجر والوحدة والإذلال والفشل".
قد لا تعتقد أنك تتعرض لسوء المعاملة إذا لم تتأذ جسديا، ولكن يمكن أن يكون للإساءة العاطفية اللفظية آثار قصيرة وطويلة الأمد لا تقل خطورة عن آثار الاعتداء الجسدي. تشمل الإساءة العاطفية اللفظية الإهانات ومحاولات إخافتك أو عزلك أو السيطرة عليك. وغالبا ما تكون هذه الأشياء نفسها هي أيضا مؤشرات على احتمال حدوث اعتداء جسدي.
في العديد من البلدان يُنظر قانونيا في حوادث الإساءة النفسية. كانت فرنسا أول دولة تحظر "العنف النفسي في العلاقة الزوجية" في عام 2010. كذلك تم الاعتراف بالسيطرة القسرية على أنها جريمة يُحكم فيها بالسجن في المملكة المتحدة منذ عام 2015.
ينص قانون المملكة المتحدة على ما يلي: "يتم تعريف السيطرة القسرية من خلال نمط السلوك الذي يهدف تدريجيا إلى ممارسة القوة والسيطرة على شريك حميم آخر. يعتبر القانون أن الجاني هو الشخص الذي يرتكب هذه السلوكيات القسرية باعتباره المسؤول الوحيد.
يمكن أن تشمل السلوكيات القسرية ما يلي: جعل الشخص معتمدا عليك عن طريق عزله، استغلال نقاط قوتهم ومواردهم، إذلالهم وتحطيمهم، استخدام الترهيب أو الإساءات التي تُسبب الأذى.
وابتكرت فوروارد وفريزر الاختصار (FOG) ويعني "ضبابًا" ويشير إلى الخوف (Fear) والالتزام (Obligation) والشعور بالذنب (Guilt) .والذين يمارسون الابتزاز العاطفي يدركون في قرارة أنفسهم أن ما يطلبونه ليس من حقهم، لذا يلجأون الى الاحتيال لتحقيق أغراضهم، ويزيد الإبتزاز العاطفي في المجتمعات العاطفية التي تتحكم المشاعر في سلوكيات أبنائها .
والمرأة على وجه الخصوص بارعة في استغلال دموعها ومظاهر ضعفها وانكسارها واحتياجها في عمليات الإبتزاز العاطفي.
ويزداد الإبتزاز العاطفي في العلاقات العاطفية بين الجنسين وقد تمارسه المرأة أو يمارسه الرجل، ويحدث نتيجة ذلك استغلال الطرف المبتز للطرف الآخر واستنزافه ماديا أو معنويا أو إبقائه تحت السيطرة مستغلا في ذلك حظوته عنده .
وتكمن حالة الشعور بالوحدة والشعور بعدم الأمان والخوف من الهجر خلف سلوك الإبتزاز العاطفي، وهذا يدفع المبتز عاطفيا إلى استنزاف من يبتزه أو يبتزهم وجدانيا بشكاواه المتكررة والمستمرة وبتحميلهم مسئولية معاناته .
ويغلب حدوث الإبتزاز العاطفي من النساء (وان كان موجودا أيضا في الرجال)، ويكثر حدوثه في المصابات باضطراب الشخصية الحدية أو من لديهن سمات الشخصية الحدية، وهذه الشخصيات تشعر بالفراغ النفسي والعاطفي وتشعر دائما بالتهديد بالهجر ممن يتعلقون بهم ولذلك يتشبثون بهم تشبثا شديدا، ومع ذلك يؤذونهم بسلوكياتهم الملحة والمضطربة ويضعونهم في صراع ومشاعر بالذنب تجاههم .
ويحدث أيضا في الشخصيات النرجسية والسيكوباتية التي تميل إلى استغلال الآخرين لتحقيق أهدافهم وتلبية رغباتهم، وقد يحدث في شخصيات عادية حين تكون تحت تأثير احتياج ملح أو شعور بعدم الأمان.
اضافةتعليق
التعليقات