عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الصِّيامُ جُنَّةٌ إذا كانَ أحدُكُم صائمًا فلا يرفُثْ، ولا يجهلْ، فإن امرؤٌ قاتلَهُ، أو شاتمَهُ، فليقُلْ: إنِّي صائمٌ، إنِّي صائمٌ."
منذ أول يوم من أيام الشهر المبارك تشهدُ الشوارع والناس والبيوت هدوءً غير معهود خلال النهار وتتغير الكثير من التصرفات والأفعال والسلوكيات اليومية. يعم الأجواء هدوء غريب، يستطيع الناس فجأة السيطرة على غضبهم، يكبتون رغبتهم بالضغط على بوق السيارة، أو الصراخ في وجه شخص ازعجهم في الشارع، احتراماً لصيامهم من جهة وحفاظاً على طاقتهم المحدودة من جهةٍ أخرى.
على الجانب الآخر، يرتدع الكثير أو يُقلعون عن عاداتهم اليومية التي اعتادوا فعلها قبل رمضان، فيتحملون عدم سماع الأغاني وعدم التطاول على الغير، ويتحكمون برغبتهم الجامحة في الغيبة والنميمة والتنمر على الآخرين وفعل كل ما لا يُرضي الله.
يُثبت لنا شهر رمضان من كل عام أن الإنسان يقدر على فعل الكثير من الأمور التي كان يظن أنها بالغة الصعوبة في الأيام العادية، فأمرٌ بسيط مثل الجوع والعطش كفيلان بتوضيح المقدرة العظيمة للمرء في التحمّل طلباً للأجر والثواب. حيث يتحمل عدم دخول أي طعام أو شراب إلى جوفه لنهارٍ كامل، بينما يكاد يموت من الجوع في الأيام العادية لمجرد أن الغداء تأخر ساعة واحدة! رمضان هو شهر إثبات وتجديد التذكير بحكمة الله في عباده، وأن لكل جسد ولكل نفس طاقة وسِعة لا يُكلّف العبدُ أكثر منها، وأن كل شيء عند الرحمان بقدرٍ ومقدار وله حكمة في كل مخلوقاته، وأن رحمته لا يُعادلها شيء، ولا تحتاجُ إلا إلى التفكّر في أبعادها وحيثياتها.
إن التغيير بمفهومه العام، هو التحول من حال إلى حال، إما بشكل جزئي أو كلي، سواء كان تحولاً إيجابياً، أم سلبياً، سُنة كونية قائمة، سواء على مستوى الفرد، أم المجتمع، أم الدولة، أم العالم والكون كله. إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان سويّ وهادف) هي غاية الدين الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً.
فالفرد منذ نشأته الأولى يمر بمراحل التغير الخلقي، ويتبعه بعد ذلك تغيّر في المعرفة والفهم والسلوك، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم: ٥٤.
فالتغيير نحو الأفضل هو من أسمى حكم الله لعباده في الشهر الفضيل، ولا يجب أن يكون هذا التغيير ظاهري أو اسميّ فقط، بل أن ينبع من العمق، أن يترك أثره في أيامنا القادمة كلها. التغيير شأن عظيم والكل يتحدث عنه وينصح به، إلا أن محط الاختبار في التغيير هو تغيير النفس وهو الميدان الأصعب، فالتغيير لا يأتي من الخارج بل من الداخل فالله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وهذه هي القاعدة الرئيسية.
عادات وتصرفات قد تبدو لنا بسيطة وعابرة، كلمة دارجة على اللسان؟ عادة السهر في الليل مثلاً! عادة تناول المأكولات السريعة، الصراخ في وجه الأم والأب، التدخين، الكسل، النوم لساعات طويلة، الجمود الفكري وإدمان مواقع التواصل... هل استطعنا أن نغيّر عاداتنا الفكرية أو السلوكية أو الأخلاقية أو اللفظية؟ شهر رمضان هو المحك وهو الفيّصل لمعرفة ما نقدر عليه في أنفسنا فنغيّره ونجاهد في تحسينه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ميدانكم الأول أنفسكم فحاسِبوا قبلَ أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن تُوزَنوا، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وان خُذلتم فيها كنتم عن غيرها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولاً."
اضافةتعليق
التعليقات