عند وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) انحرفت المسيرة ورأت السيدة فاطمة ضياع أمة أبيها، فما كان منها إلا أن أعلنت ثورتها (عليها السلام)، لأنها تعلم علم اليقين إن الله سبحانه نصّب للامامة والخلافة ربيب النبي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، وعندها جاؤوا الغير واغتصبوا الخلافة وصادروا فدكا، ولم يبقى لأهل الحق باقية، وحينها تحركت فورا وقادت حملة تعتمد على ركيزتين :
الأولى: استدرار عواطف الناس بالبكاء، حيث بكت بكاء شديدا حتى ضج منها بعض أهل المدينة، وقالوا لها، لقد آذيتِنا بكثرة بكائك، مع أنهم يعلمون ماهي حقيقة بكاء السيدة فاطمة (عليها السلام)!
فبنى لها الامام علي (عليه السلام) بيتا خارج المدينة كانت تأوي إليه في ساعات من الليل والنهار تبكي أباها الرسول (صلى الله عليه وآله) ماشاء لها، سمي ببيت الأحزان. ولقد خلّد بيت الأحزان صوت الزهراء في ذاكرة التأريخ الاسلام، حيث ضمن استمرار معارضتها للظلم مع تعاقب الأجيال، حتى انقلب بيت الأحزان منذ بواكير نشأته إلى منبر سياسي لإعلان المعارضة في مواجهة الطغاة.
فكان مجمع النسوة المؤمنات وكل امرأة أرادت زيارة الصدّيقة فاطمة لتعزيها وتسليها، كان عليها أن تصل بيت الأحزان لتلتقيها، وعندما ترجع إلى بيت زوجها تعلن عن استيائها من أعداء الزهراء وغاصبي حقها، فتروي لزوجها وأولادها كل ما سمعته من الصدّيقة فاطمة وكانت النسوة الزائرات يطلبن من ذويهن أن يضموا أصواتهم إلى صوت الزهراء، وينهضوا للدفاع عن بنت الرسول (ص) وبضعته المظلومة المقهورة، وبذلك أصبحت تلك النسوة سفيرات للصديقة فاطمة (ع) في اعلان الثورة، وهكذا صارت دموع الزهراء دروسًا للجهاد والثورة، وأصبح بيت الأحزان مدرسة كفاح ضد الطغاة الفاسدة الغاصبة .
الركيزة الثانية تتمثل في إلقاء الخطب الرنانة التي دافعت فيها عن حق أمير المؤمنين (ع) في الخلافة، ونبهت الناس عن انحراف القوم عن الخط الذي رسمه الرسول (ص) في مسيرة الإسلام من بعده.
وكان مغزى هاتين الركيزتين وحقيقتهما هو تسديد الأمة وانقاذها وتسييرها لطريق الحق وكشف زيغ الباطل. وقد كانتا لها خطبتين في هذا المضمار ..
الأولى: ألقتها عليها السلام في حشد من المهاجرين والأنصار، والثانية: ألقتها على مسامع نساء المهاجرين والأنصار، حيث كانتا في غاية الفصاحة والبلاغة والمتانة وقوة الحجة، وتمثلان أهم الوثائق التاريخية التي تعكس حالة التردي التي كان يعيشها المجتمع الإسلامي آنذاك، وتكشف لنا عن سبب ما تعانيه الأمة الاسلامية حتى اليوم من انحطاط وتقهقر واضطراب من ناحية الدين الاسلامي .
اضافةتعليق
التعليقات