إن أهم ما يميز العلم كنشاط انساني أنه يهدف إلى كشف العلاقات التي تقوم بين الظواهر المختلفة، والواقع أن كشف العلاقات والفهم شيء واحد.. ففهم الظاهرة معناه أننا نجد علاقة تربط بينها وبين الظواهر الأخرى أما إذا لم نجد أي علاقة لها بأية ظاهرة أخرى فإنها تظل غامضة غير مفهومة أو غير معروفة.
فالمعرفة أو الفهم لا يتم إلا عن طريق اكتشاف العلاقات المختلفة بين المتغيرات موضوع الفهم أو المعرفة. فنحن نفهم معنى الأحداث في ضوء مقدماتها أو الأحداث الأخرى التي تسبقها والظروف التي تحيط بها.
ولنضرب لذلك مثلا، فإذا ذهبت إلى منزلك فوجدت أثاثه متناثراً هنا وهناك ونظامه مضطرباً على غير عهدك به، فإنك تحاول أن تفسر هذه الظاهرة بأن تربط بينها وبين دخول شخص غريب في المنزل مثلا كسطو أو غير ذلك .
وإذا قلنا أيضاً على سبيل المثال: إن السبب في سلوك شخص ما على نحو معين هو شعوره بالنقص أو رغبته الشديدة في التفوق ــ فإننا لا نُفيد شيئاً من حيت التفسير، إلا إذا ربطنا بين الشعور بالنقص أو الرغبة في التفوق من ناحية وبين متغيرات مستقلة عن الشعور ذاته تعتبر مسؤولة عن هاتين الظاهرتين من ناحية أخرى - كظروف التنشئة الاجتماعية عندما كان هذا الشخص طفلا صغيرا .
فالفهم إذن يتم بعملية الربط وادراك العلاقات بين الظواهر المـراد تفسيرها والأحداث التي تلازمها أو تسبقها. ويجب أن نفرق بين الفهم بهذا المعنى وبين مجرد وصف الظاهرة أو الانفعال بها أو التعجب منها فالوصف والانفعال مهما دق التعبير عنهما، والتعجب مهما كان رائعًا ــ لا يؤدون اإلى ما نقصده بالفهم حيث لا يربط الوصف أو الانفعال الظاهرة بالظواهر الأخرى التي تعتبر مسئولة عن وجودها ..
وبهذا يتضح أن الظروف التي تبحث عنها لتفسير الظاهرة يجب أن تكون مستقلة عن الظاهرة نفسها . ففي هذه الحالة فقط يمكن أن يساعدنا التفسير على التنبؤ والضبط .
والمهم هنا أن نقرر أن الفهم كما يقصده العلم معناه البحث عن أحداث أو ظواهر أو متغيرات يؤدي التغير المنتظم فيها إلى تغير معين في الظاهرة. أو بمعنى آخر متغيرات تربطها بالظاهرة علاقة وظيفية.
التنبـؤ:
معناه إمكانية انطباق القانون أو القاعدة العامة في مواقف أخرى غير تلك التي نشأ فيها أصلا. أو بمعنى آخر تصور النتائج التي يمكن أن تترتب على استخدامنا المعلومات التي توصلنا إليها في مواقف جديدة - فبناءً على اكتشاف العلاقة بين الحرارة وتمدد الأجسام الصلبة نستطيع أن نتنبأ بأن قضيب السكة الحديد سوف يتقوس إذا مر عليه القطار، ولم تكن هناك فراغات بين أجزائه بعضها وبعض.
وفي عملية التنبؤ نفترض وجود علاقة جديدة لا نستطيع أن نتحقق من وجودها فعلاً بناء على معلوماتنا السابقة وحدها .
فإذا فرضنا مثلاً أننا في ضوء معلوماتنا عن العلاقة بين الذكاء من ناحية وكل من التحصيل المدرسي والتكيف الاجتماعي في المدرسة الابتدائية من ناحية أخرى، فقد نتنبأ بأن تقسيم التلاميذ إلى فصول بناءًا على تجانس نسب ذكائهم يساعد على تقدمهم في تحصيلهم المدرسي وتكيفهم الاجتماعي. وقد يتضح مثل هذا التنبؤ فيما بعد أنه غير صحيح . وذلك أن التجانس في الذكاء قد يوجد فروقاً كبيرة في السن مما يساعد بدوره على سوء التكيف الاجتماعي. وبناء على ذلك يتضح أن التصنيف بناء على الذكاء يزيد من سوء التكيف الاجتماعي بدلاً من أن يساعد على حسن التكيف، عندئذ لابد من مراجعة معلوماتنا الأولى أو فهمنا الأول عن الذكاء وعلاقته بالتكيف الاجتماعي في ضوء المعلومات الجديدة التي حصلنا عليها بناء على ما قمنا به من تتبؤ. وعلى ذلك فإنه بغض النظر عما إذا كان تنبؤنا صحيحا أم غير صحيح، فإن نتيجة تنبؤاتنا لها تأثير مباشر على فهمنا للمشكلة التي نحن بصددها .
وتعتبر عملية التحقيق جزءًا من التنبؤ وتختبر صحة التنبؤ بخطوتين :
الخطوة الأولى: القيام بعملية استنتاج عقلي عن طريق الاستدلال.
الخطوة الثانية: هي خطوة التحقيق التجريبي وهي أن نرى ما إذا كان استنتاجنا صحيحا أم لا.
الضبط:
معناه تناول الظروف التي تحدد حدوث الظاهرة بشكل يحقق لنا الوصول إلى هدف معين. فيمكننا التحكم في ظاهرة النجاح في الكليات على أساس التوجيه التعليمي، وفي العمل على أساس التوجيه المهني، كما نتحكم في ظاهرة تمدد قضبان السكة الحديد حتى لا تحدث أخطار معينة عن وجود هذه الظاهرة، فنترك فراغات بين القضبان على مسافات متباعدة.
والعلاقة بين الضبط والفهم، كذلك العلاقة بين الضبط والتنبؤ علاقة وثيقة. والواقع أن الضبط والتنبؤ لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر إذا ما أخذناهما على أنهما هدفان عامان من أهداف العلم. فلكي تحقق أي تنبؤ مهما كان بسيطا يجب أن تتحكم في الظروف التي تحدد الظاهرة التي تنبئنا بها .
اضافةتعليق
التعليقات