كنت ابلغ السادسة حينها، عندما لعبت مع أخواني في باحة المنزل، وخرجت من فمي كلمة _شتم_ تلقائية وجهتها لأخي الذي داس على رجلي الأيمن بلا قصد، عندما سمعني والدي وانا انطق تلك الكلمة، اتاني مسرعاً، وقال لي بكل هدوء، هل تأذيت؟ أجبته كلا، قال لي: كيف تتكلم مع اخيك بهذه الطريقة؟، هيا اذهب واغسل فمك بالماء البارد، ولا تعيد الكرة مرة أخرى.
حينها عرفت بأن الكلمات البذيئة تلوث اخلاقنا، ولأني لا اذكر بأن ابي رفع يده علينا في يوم من الأيام، فكانت الحيلة الوحيدة للتخلص من هذا التلوث، هو غسل الفم بالماء، كي يتطهر لساني ولا يتعود على نطق تلك الكلمات البذيئة.
في كل مرة كان يخرج من فمي كلمات بذيئة وشتم، كنت اقضي وقتي تحت حنفية المطبخ اغسل فمي بعناية، حتى اتطهر من دنس الشتم ويتطهر لساني حسب قواعد ابي في ماهية العقاب.
كما اني اتذكر جيداً عندما كنت اتخاصم مع ابن عمي او اخي، كان ابي يربطنا ببعضنا، كي يتقبل احدنا الاخر ونتصالح من تلقاء نفسنا، كانت ايام جميلة.. عندما كان يربطنا ابي كنا نضحك كثيرا ونتعثر بالسير والقيام والجلوس، فكنا نقع على بعضنا البعض ونضحك من صميم قلبنا، ونتصالح بطريقة تلقائية وتزداد المحبة والتواطد الأسري بيننا.
خُدع ابي كانت تنجح دائما، فأنا لا اتذكر بان ابي عاقبنا يوما ما عقابا جسدياً، او مد يده علينا بحجة التأديب والتربية، حتى اني اذكر جيداً عندما كنت العب بالكرة في داخل المنزل، وفجأة خرج مسار الكرة عن المعتاد وضرب زجاج النافذة، وهشمه تهشيما.. نظرات ابي حينها كانت توحي بالطمأنينة والسكون، بينما انا كنت اقف ساكناً في مطرحي انتظر ردة فعل ابي..
دخل غرفتي وحمل حصالة المال الفخاري التي كنت ادخر فيها مصروفي اليومي منذ السنة الفائته كي احظى بشراء الدراجة الهوائية التي في نفسي، حملها ابي وضربها بالأرض بكل ما اوتي من قوة، فتهشمت الحصالة الى قطع صغيرة، ثم جمع المال الذي كان بين القطع، وخرج من البيت..
وعاد بعد ساعة من الزمن وقد اشترى بأموال حصالتي الفخارية زجاج للنافذة التي كسرتها انا، حينها عرفت بأن ابي يريد ان يأدبني بطريقته الإبداعية الخاصة... فهمت حينها بأن علي ان ادفع ثمن اخطائي وثمن اللامبالاة التي اعيشها غالياً، كي اكون اكثر حذراً في المرات القادمة.
اما البارحة عندما حاولت ان استعمل فنون ابي على ولدي الصغير...
وتحدثت مع ابني في ان لا يتلهج بكلمات غير مؤدبة مع زملاء مدرسته، ولا يشتمهم، وان من يتكلم مع اصدقاءه بهذه الطريقة سيدخل النار، كان لا يبالي حتى بما اقوله من كلمات وكان يدس رأسه في جهاز "الآيباد" متحاشياً كلماتي بكل برود، وظل مستمراً في قذف الشخصيات الموجودة في لعبة "الآيباد" بالسب والشتم، حينها قلت له بعصبية: لو خرج من فمك كلمات شتم وعبارات سب مرة اخرى يجب ان تغسل فمك.
رفع رأسه من جهاز الآيباد، وقال لي: ماذا؟، قلت له: لو نطقت كلمات الشتم يجب ان تغسل فمك بالماء كي يتطهر لسانك من بذاءتها.
حدق ابني في وجهي لخمس ثواني، ثم اطلق عنان ضحكته الهستيرية، وبات يضرب برجليه في الأرض من شدة الضحك!، وبين قهقهاته المرتفعة قال لي: ابي سأعطيك الف لايك على كلامك هذا!.
سرحت في الفراغ، وتأملت الدقائق التي كنت اقضيها في غسل فمي، والساعات التي كنت متلاصقاً بإبن عمي، تأملت فنون التربية التي كان يستعملها معي ابي، القواعد التي كان يسيرها والدي علينا، كانت حازمة وابداعية وذات هدف، مع كل ردة فعل كان يبديها ابي تجاه مشاكساتنا، كنا نخرج منها بدروس لن ننساها مدى حياتنا.
وادركت جيداً بأن ما يفصل بيني وبين ولدي الصغير هو إختلاف جيلين، ولا استطيع ان اعيد مهارات ابي العقابية مع ولدي، لأن ابني خلق في زمان ليس بزماني.
اضافةتعليق
التعليقات