كلما كانت القصة تحاكي ما يعيشه ويمر به القارئ كلما كان أكثر إنشداداً لها، وكلما التفت وتدبر وتأمل بما فيها؛ أثمر ذلك تطويرًا وبناءً في ذاته، فكيف إن كانت قصة قرآنية كقصة نبي الله موسى (عليه السلام)، فلكل متأمل فيها سيلحظ كيف إنها لم تخلُ من طرح تفاصيل ما تعيشه نفوس أقرب خلق الله تعالى أثناء رحلة سيرهم وتبليغهم لرسالات ربهم، لنتعلم منهم معنى التدرج في الصلة والقرب.
إذ قال تعالى: {يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ }(النمل:10)، فواحدة من الأمور النفسية التي تطرأ علينا كبشر هي الخوف، فكل إنسان منا -وبأي مرتبة من مراتب الخلافة- رسالة عليه تبليغها، إذ الآية تشير إلى حقيقة وخصيصة وهي كما إنها تخاطب رسل الله الخواص، هي تخاطب كل إنسان عرف رسالته الإلهية بأنه لابد أن لا يكون ممن يخاف من سوى الله تعالى كي يتمكن من إيصال رسالته، وإلا فليراجع مستوى إيمانه ما هو؟ ومصدر أمانه ممن هو؟.
ومن أجوبة هذين السؤالين هو ما نجده في أدعية شهر رجب الأصب الوافر بالعطايا والمواهب الإلهية التي تبني النفس الايمانية وتقوي اعتقادها بربها، إذ نردد في إحدى فقرات أدعيته هذا المعنى: [وأعطنا منك الأمان، واستعملنا بحسن الايمان](1)، هنا نحن نطلب عطاءً معنوياً ومادياً من الله تعالى وهو استشعار الأمان أي طرد الخوف من كل ما تهابه النفس، سواء كان ما تخافه مادي من جنسها، كالخوف من الأعداء أو من عدم القبول مِن كل مَن تربطنا به صلة أو تواصل إنساني، أو كان خوفها معنوياً كالخوف من الإقدام، من الفشل... وغيرها.
فإن أمِنتْ النفس وتحررت من مخاوفها انطلقت في الحياة، وأبدعت وتميزت ونجحت في تأدية رسالتها؛ ولذلك أتت بعدها هذه العبارة (واستعملني بحسن الإيمان) أي اجعل طاقتي الكامنة في داخلي من الإيمان وقيم التوحيد مستعملة ومُنصَبة في ما ترتضيه يا رب؛ فأكون ممن استعملته في طاعتك، وشرفته في خدمتك وخدمة عيالك.
فالإيمان في القلب إذا امتزج بالخوف سيخفت ضياءه وتضعف إرادة صاحبه عن السعي والسير إلى الله تعالى وتأدية رسالته في هذه الحياة، أما إذا كان ممزوجاً بالأمان من مصدره الأصل سيشع ويقوى فتقوى إرادة صاحبه؛ فيكون من أهل المسارعة والمسابقة في الخيرات والطاعات.
لذا الوعي بهذه الحقيقة وطلب المدد من المعطي عز وجل سيجعل الواحد منا ممن يُصنع بعين الله تعالى ولن تخلو خطواته من تسديد ومعونة وأنوار خالقه سبحانه.
__________
اضافةتعليق
التعليقات