تعتبر الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع وهي المسئولة عن التربية بكافة أنواعها وأشكالها، ولكي تنجح الأسرة في تحقيق أهدافها في بناء جسور التواصل والحوار الصادق البناء مع الأبناء، لابد أن يكون قائماً على أسس ورؤى سليمة وبيئة تفاهم من خلال خلق ثقافة الحوار المفتوح لتنجح الأسرة في تحقيق أهدافها.
حيث إن الحوار بين الآباء والأبناء أو الحوار الأسري من أهم وسائل الاتصال في الأسرة والذي له تأثير كبير ومهم في بناء أسرة متكاملة وقوية ومترابطة، وبالطبع له فوائد نفسية وتربوية ودينية واجتماعية وأخلاقية تؤثر بشكل كبير على الفرد، وبالتالي على المجتمع ككل.
وهنا نجد أن الحوار الأسري ما هو إلا وسيلة من وسائل الإتصال الأسري الفعال فمن الأهمية القصوى أن يتوفر حوار إيجابي بين أفراد الأسرة، فمن خلال الحوار الأسري تنمو المشاعر الإيجابية ويتحقق التواصل بين أفرادها، ويساعد على إشاعة روح المحبة والمودة بينهم، ويساهم الحوار الأسري في التقريب بين وجهات النظر ويتعلم كل فرد في الأسرة أهمية احترام الرأي الآخر، حيث يعد الحوار الأسري أساس للعلاقات الأسرية الحميمة ويساعد على نشأة الأبناء نشأة سوية صالحة لما يخلق من روح التفاعل الإجتماعي مما ينتج من ذلك تعزيز الثقة في أفراد الأسرة مما يجعلهم أكثر قدرة على تحقيق طموحاتهم وآمالهم. ولما يحققه الحوار الأسري من حميمية بين أفراد الأسرة.
وهنا الدين الإسلامي أشار وركز على أهمية الحوار بين الأفراد في محيط الأسرة من خلال الاتصالات الفعالة والجيدة والنقاشات المتعلقة بالحياة اليومية التي لها أثر كبير على نفوس الأشخاص. وتتلخص منها نتائج إيجابية لإيجاد حلول للثغرات والمشكلات الأسرية، وأيضا من أجل بناء أسرة سعيدة وأبناء فاعلين في داخل المجتمع. وهنا أوضح الدين الإسلامي الذي هو دين الحوار بأن الحوار هو نوع من أنواع العبادة والله سبحانه يقول:
﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وهذه الآية هي منهج لابد أن يسير عليه الحوار داخل المجتمعات والأسر. وأيضا الحوار عبادة ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾ وهو وسيلة للتبليغ والإصلاح.
مفهوم الحوار الأسري:
هو نوع من أنواع الاتصال والتواصل الإيجابي مع الطرف الآخر من خلال احترام وتقدير الكبير للصغير الذي يؤدي إلى تهذيب سلوك الأبناء وذلك بمخاطبتهم بلغة هادئة مما يؤدي إلى التفكير المنظم السليم، ويؤدي أيضاً إلى تدريب الأبناء على الجرأة ومواجهة الحياة، وتهيئة الأبناء لإنشاء أسر مترابطة يسودها الحوار الهادف البناء.
أهميّة الحوار الأسريّ
يعد الحوار الأسري من أهم الأسس التي يجب الحرص عليها في الأسرة، وتتضح أهمية الحوار بين الآباء، والأبناء في النقاط الآتية:
- يعد مفتاح العلاقات الطيبة، والجيدة بين الزوجين، كما يعد عاملاً رئيسياً في تربية الأطفال بصورة إيجابية.
- يخفف من آثار النزاعات، والمشكلات الأسرية، والنفسية، والاجتماعية؛ التي قد تؤدي للطلاق، وفقاً لخالد المهندي رئيس مكتب الإرشاد النفسي، والاجتماعي.
- يقنع الأطفال بأية أفكار بصورة هادئة بعيداً عن الصراعات، وعن فرض الآراء من الآباء.
- يشجع في الحفاظ على الاحترام المتبادل، والحرية في التعبير عن الآراء في المنزل.
- يمنح الحب، والراحة للأبناء من قبل الوالدين.
- يمنح القدرة للأطفال على التواصل مع الآخرين في المستقبل.
- يساعد الاعتراف بالأخطاء الشخصية من قبل الآباء أثناء الحوار أمام الأبناء على تقليد هذا السلوك الإيجابي من قبلهم.
- يساعد الحوار على مشاركة الأبناء القصص الشخصية، والتحدث عن التجارب الخاصة.
- يساعد على التعبير عن الاهتمام الحماسي بشؤون الطفل، والتركيز على مصالحه، حيث يضمن جذب الطفل للاشتراك في الحوار، وتعزيز، وتقوية العلاقات الأسرية.
- يساعد الحوار على تفهم إحباطات الطفل، وخيبات الأمل التي شعر بها، والمشاركة فيها، وتعليمهم المشاعر المتعلقة بالحزن، وخيبات الأمل، والقلق، وأنها جزء من الحياة الشخصية، وتعليمهم أنها مشاعر مؤقتة تزول مع مرور الوقت، ومساعدتهم على التعبير عنها.
قواعد وأسس الحوار الأسري الناجح
إن من المفاتيح البسيطة والأساسية في الحوار الأسري الناجح، هو أن يصغي كل فرد من أفراد الأسرة إلى الفرد الآخر وهو يدلي برأيه، دون مقاطعته أو إظهار التململ من حديثه، إنما ينبغي الاستماع بشكلٍ جيد وتفهم كلامه جيداً حتى في حالات عدم الاتفاق مع ما يقول أو يطرح، فالإصغاء الجيد يضفي طابعاً من الاحترام على الجو العام للحوار وهو أهم الأسس والمفاتيح للدخول في حوار ناجح يلتزم كل طرف فيه باحترام الآخر والاستماع إليه، ومن ثم تقبل وجهة نظرته.
1- ضبط النفس والابتعاد عن الانفعال
وهو ما يطلبه الحوار حول مشكلة تمس أحد أفراد الأسرة، أو في الحوار حول خطأ قام به أحد أفراد الأسرة، وفي هذه الحالة يكون ضبط النفس وعدم الانفعال عنصراً أساسياً في التوصل إلى الحلول واستيعاب المشكلة بشكل كامل، لأن الانفعال في هذه الحالات سيزيد سوء التفاهم، ويبعد الحوار عن مجراه الرئيسي، كما يؤدي إلى فقدان الاحترام في الحديث، وفي العلاقة الأسرية بشكل عام، فيؤدي الحوار إلى نتائج عكسية.
2- أن يضع كل فرد نفسه مكان الآخر
ويكون ذلك بأن يتصور كل فرد من أفراد الأسرة نفسه مكان الآخر حتى يحس بما يحس، ويتفهم وجهة نظره بشكل أكبر، عندها يفهم كل أفراد الأسرة وجهة نظر بعضهم البعض، كأن يتصور الزوج نفسه بمكان الزوجة وما يقع عليها من مسؤوليات والعكس صحيح، فعندها يتفهم الآخر بطريقة أفضل؛ يصبح الحوار أكثر تقبلاً من كلا الطرفين.
3- الوضوح في الحوار والابتعاد عن التهرب
من أهم الأسس التي تجعل الحوار مثمراً هي الوضوح في طرح موضوع النقاش، وعدم استخدام الأسلوب المبطن الذي لا يعبر عن المشكلة للطرف الآخر بصورة واضحة، فتنشأ الالتباسات، ويبتعد الحوار عن مجراه الرئيسي، وفي هذه الحالة الأفضل أن يطرح كل فرد من أفراد الأسرة رأيه بطريقة واضحة وشفافة؛ حتى يفهم كل الأفراد الآخرين مباشرة، ومن ثم يقدمون آرائهم أيضاً بصورة واضحة بناءً على رأيه، فتتضح المشكلة أو القضية التي تناقش بشكلٍ أفضل.
4- الابتعاد عن هدف إثبات الذات في الحوار
إن غاية الحوار الأسري تقريب وجهات نظر أفراد الأسرة، ووضع حلول للمشاكل العالقة، أو التخطيط لمسائل تخص المستقبل..، لذا فإن الهدف ليس أن يظهر كل شخص نفسه بأنه هو الذي يملك الحلول وأن وجهة نظره هي الأفضل (في حال نقاش إحدى المسائل أو المشروعات التي تمس مستقبل الأسرة).أما في حال محاولة حل مشكلة بين طرفين في الأسرة (سواء الأب والأم أو الإخوة..)، فإن إثبات الذات يكون بالتغلب على الآخر بالنقاش فقط لإثبات أن وجهة نظره هي الصحيحة وأن الآخر هو الخاطئ، فيصبح الهدف من الحوار فقط كيف يستخدم كل طرف أسلوبه بهدف التغلب على الآخر وإثبات ذاته، فيبتعد الحوار عن مجراه، ويصبح أشبه فقط بمنافسة غير مثمرة.لذا يكون من الأفضل لأفراد الأسرة أن يضعوا نصب أعينهم الهدف الرئيسي للحوار، أو المشكلة الرئيسية التي تناقش، ويحددوا قبل البدء لماذا هم يتحاورون؟ ومن ثم يتقبل كل طرف رأي الطرف الآخر، حيث يستخدم أفراد الأسرة الحوار التشاركي وليس التسلطي.
5- توضيح الإيجابيات والسلبيات في رأي الآخر
لكي يكون الحوار مثمراً ويغطي كل جوانب الموضوع الذي تتم مناقشته، على الأفراد _ وبعد أن ينهي الطرف الآخر طرح رأيه_ مناقشة رأيه بأن يسدي كل فرد بما لمسه من إيجابيات أو سلبيات في رأي الطرف الآخر، وكلٌّ يتبادل الأفكار بشكلٍ منظم، وبذلك يتوسع النقاش ويغطي كل جوانب الموضوع، كما يتم بذلك حصر كل سلبيات وإيجابيات الموضوع، ومن ثم يتم ترجيح الرأي الأقل سلبية، و وفق ما توصل إليه نقاش الأفراد.
أخيراً... يشكل الحوار الأسري أساساً لنجاح العلاقات بين أفراد الأسرة من خلال تعزير الاحترام والمودة بينهم، أيضاً من خلال تبادل الآراء والأفكار التي تساهم في تحقيق أهداف الأسرة، ولكن الحوار الناجح يقوم على عدة أسس كتقبل رأي الآخر، والإصغاء الجيد، كذلك ضبط النفس والوضوح؛ حتى يكون مثمراً يحقق الأهداف المرجوة منه، في حين أن الحوار السلبي الذي لا يكرس القيم التي ذكرت يؤدي إلى خلاف ذلك، ويؤثر على العلاقات الأسرية بشكلٍ سلبي أيضاً.
اضافةتعليق
التعليقات