"من يعرف أكثر في التدريب.. ينزف أقل في الحرب".. هكذا كانت عقيدة المحاربين الاسبرطيين، الذين اشتهروا بنزعتهم القتالية، وقد كانوا يربّون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على تحمّل صعوبة التدريب لينتصروا في حروبهم الطاحنة فيما بعد.
بالطبع، الصبر على الوجع والمرض والأزمات بكافة أنواعها شعور مؤلم ولا أحد يرغب به، والعقل والشرع يأمرنا بالاهتداء للدواء والطبيب والبحث عن كيفية المخرج من كل ضيق، ومهمّة الانسان أن يجدّ في السعي لذلك لنفسه أو لغيره.
لكنْ، وفي بعض الأحايين قد لا تجدي محاولاتنا نفعاً أولاً و ثانياً وهو الأهم قد لا يتطلب الموقف محاولة التخلص من ذلك الألم، قد يستوجب الصبر والتحمّل والتعايش معه فقط!.
مربط الفرس هنا أن نعرف متى نقوم بذلك، وذلك يحتاج لحكمة وسعة أفق، وأن نعرف ماهي الثمار التي سنجنيها من جراء أخذ خيار التأقلم مع الوضع بدل الصراع معه.
يقول أمير البلاغة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في إحدى حكمه الجميلة:
"امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ".
ربما الإمام قد حدد الفاصل في التحمّل وهو القدرة على الصبر عليه، (ما) أي مادمتَ تستطيع، فأن يكون الأمر فوق طاقة تحملك أو سوف يؤثر على حياتك أو حتى مصير أقربائك أو عملك أو مستقبك فهنا الصبر لا يكون محبذاً.
ويجب أن نلتفت هنا إلى نقطة مهمة، وهي أن الصبر غير الاستسلام أو التراجع والانسحاب، هناك فرق كبير، فالصبر قوة وله نتائج وثمار حلوة رغم مرارته أما الاستسلام فهو هزيمة وضعف.
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي أن الكثير من أحاديث الامام قالها في مناسبات معينة ولشخصيات محددة لها وضعها الخاص، والكثير من تلك المواقف لم تصل إلينا مع بالغ الأسف.
ماهي مصاديق هذا الحديث؟
وكيف ومتى نوظفه في مفاصيل ومفترقات حياتنا؟
قد نستنبط من كلمات الامام بعضاً من الخيارات في مواجهة بعض الأزمات التي نتعرض لها ومنها:
1_ صحياً: بعض الأمراض ومنها نزلات البرد مثلاً ينصح الأطباء بأخذ الاستراحة للشفاء منها ليس إلا، ولا ينصحون بمثل هذه الحالات بتناول الأدوية، وذلك لكي يكتسب جسم الانسان مناعة منه، فهو الذي يتولى القتال عنه ضد بعض الفايروسات.
2_ اجتماعيا: قد يكون الداء زوج صعب المراس أو زوجة، ابن أو ابنة، قريب، صديق مزعج أو ذو طباع غريبة، من المهم هنا تحمل بعض عيوبهم والغض عن مساوئهم ماداموا لم يلحقوا الأذى الكبير بنا. فالأب الذي لا تستطيع تغييره تحمله. و"نصف العقل مداراة الناس".
3_ اقتصادياً: قد يكون الداء فقراً، فأحيانا على الانسان أن يتحمل وضعه مالم يؤثر كثيراً على نوعية الحياة التي يعيشها. وقد يؤدي ذلك إلى الاعتماد والاكتفاء على الصناعات المحلية وعدم الاستيراد إلا للضرورة.
4_ نفسياً: للايحاء النفسي والتفكير الايجابي في التعامل مع مصاعب الحياة ومشاكلها دور كبير جداً في التخلص من الآلام، وإذا قويت عزيمة الانسان سيتشافى حتى من بعض الأمراض الصعبة كالسرطان، "ماضعف بدن عما قويت عليه النية".
5_ الابتلاء: قد يكون الداء ابتلاءً وامتحانا من الله ويريد أن يرى مدى قوة صبرك وتحملك، وهنا من المهم أن يبتعد الانسان عن الشكوى والتذمر والتمارض والتظاهر بالعجز. وكتمان المرض والمصيبة من الفضائل التي يحث عليها الدين الاسلامي.
الكثير من الصعوبات لا نستطيع تغييرها لكننا نستطيع التخفيف من حدة ألمها وذلك بالتعايش ومحاولة التأقلم معها، وفي النهاية دوام الحال من المحال، والتخلص منها قد يحتاج إلى وقت وصبر، وعلى الانسان أن يتدرب على مجاهدة النفس على بعض الأمور الصغيرة وأن يسعى لعدم تضخيم الأمور، وذلك لكي يقوي عضلة إرادته لما هو أكبر وأصعب.
اضافةتعليق
التعليقات