إن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام هو من العترة الطاهرة ومن شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحط علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وباب من أبواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله وبيت أهل النبوة الطاهرة الزكية.
إن الرسول الكريم (صل الله عليه وآله وسلم) كما ورد في حديث الثقلين- "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسك بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"، ووصفهم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، إلى الكثير من أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم في بيان فضلهم والتنويه بعظمة مقامهم. وإن الإمام موسى الكاظم عليه السلام سار على منهاج جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآبائه المعصومين عليهم السلام في الاهتمام بشؤون الرسالة الالهية وصيانتها من الضياع والتحريف، والجدّ في صيانة الأمة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظالمين وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للصدّ من تمادي الحكام في الظلم والاستبداد.
وكانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاب المعرفة تشكل تحديا اسلاميا حضاريا وتقف أمام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والانسانية معا.
حيث إن حياة الإمام الكاظم عليه السلام بجميع أبعادها تتميّز بالصلابة في الحقّ، والصمود أمام الأحداث، وبالسلوك النير الذي لم يؤثر فيه أيّ انحراف أو التواء، وإنّما كان متسماً بالتوازن، ومنسجماً مع سيرة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم والتزامه بحرفية الإسلام.
وكان من بين تلك المظاهر الفذّة التي تميّزت بها شخصيّته هو الصبر على الأحداث الجسام، والمحن الشاقّة التي لاقاها من طغاة عصره، فقد أمعنوا في اضطهاده، والتنكيل به، وقد أصرّ طغاة عصره على ظلمه فعمدوا إلى اعتقاله وزجّه في ظلمات السجون، وبقي فيها حفنة من السنين يعاني الآلام والخطوب.
ولم يؤثّر عنه أنّه أبدى أيّ تذمر أو شكوى أو جزع ممّا ألم به، وإنّما كان على العكس من ذلك يبدي الشكر لله، ويكثر من الحمد له على تفرغه لعبادته، وانقطاعه لطاعته. إنّها سيرة تملك القلوب والمشاعر فهي مترعة بجميع معاني السمو والنبل والزهد في الدنيا والإقبال على الله. لقد كانت سيرة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مناراً نستضيء بها في حياتنا.
فكان على ما ألمّ به من ظلم واضطهاد من أعظم الناس طاعة، وأكثرهم عبادة لله تعالى، حتّى بهر هارون الرشيد بما رآه من تقوى هذا الإمام وكثرة عبادته فراح يبدي إعجابه قائلاً: «إنّه من رهبان بني هاشم».حيث إن حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام كانت تشعّ بالنور والجمال والخير، وتحمل العطاء السمح، والتوجيه المشرق للأمّة.
لذا سوف نتطرق إلى بعض مظاهر من شخصية الإمام الكاظم عليه السلام:
أولا- وفور علمه: لقد شهد للإمام موسى الكاظم عليه السلام بوفور علمه، أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إذ قال عنه: «إن ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم". وقال أيضا: وعنده علم الحكمة، والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا من أمر دينهم".
ثانيا- عبادته وتقواه: نشأ الإمام الكاظم عليه السلام في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة الطاعة، بالأضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والاخلاص له، فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال، فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الايمان والعقيدة، فلولاهم ما عبد الله عابد ولا وحُده موحد. وما تحقُقت فريضة ولا أقيمت سنة، ولاساغت في الإسلام شريعة.
لقد رأى الإمام عليه السلام جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقومات ذاته ومن عناصر شخصيته وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه حتى لقب بالعبد الصالح وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة في صلاته وصومه وحجه وتلاوته للقرآن الكريم وعتقه للعبيد و.. .
ثالثا- زهده: كان الإمام عليه السلام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة.
رابعا- جوده وسخاؤه: لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام عليه السلام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع اليه البائسون والمحرومون والمستضعفون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد اجمع المؤرخون أنه انفق عليه السلام جميع ما عنده عليهم، كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاء أو شكورا، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، وكان يواصل الطبقة الضعيفة ببره واحسانه وهي لا تعلم من أي جهة تصلها تلك المبرة وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الاربعمائة دينار وكان يضرب المثل بتلك الصرر فكان أهله يقولون: «عجبا لم جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!».
خامسا- حلمه: وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم.
سادسا- إن ارشاد الناس إلى الحق وهدايتهم إلى الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يعني بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا وجرفتهم بتياراتها. وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. لقد كان عليه السلام يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنى الموت فانبرى عليه السلام له قائلا: هل بينك وبين الله قرابة يحابيك بها؟ فقال: لا، قال له عليه السلام: «فأنت إذن تتمنّى هلاك الابد».
سابعا- احسانه إلى الناس: وكان الإمام عليه السلام بارّا بالمسلمين محسنا إليهم.
فحياة إمامنا الكاظم عليه السلام كلها عبر ودروس ينبغي أن نستفيد منها في حياتنا العملية منها مواقف انسانية وأخلاقية ومنها مواقف جهادية وسياسية ومنها محطات تربوية روحانية عبادية هذه الشمولية الوافية الممنهجه في شخصية الإمام عليه السلام حري بكل مثقف طالب للحقيقة أن يعيها ويعرفها لكي يشخص ويميز من هو الظالم ومن هو المظلوم ومن هو الضحية ومن هو الجلاد وما هو الحق وما هو الباطل وحتى يكون البناء العقائدي والأيماني للفرد المسلم في منتهى الصلابة والواقعية لاكما يدور في أروقة الواقع اليوم من قلب الحقائق وتجاهل الأولياء الذين نصت على ولايتهم وبالتمسك بهم رسالة السماء وقد أمر الله ورسوله بمودتهم وولائهم والدفاع عن مذهبهم الحق الذي لا ريبة ولا شبهة فيه..
اضافةتعليق
التعليقات