((يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي أبا ذر ويوصينا نحن البشر بشكل عام بأن نعدّ شبابنا غنيمة علينا انتهازها من العمر وأن نحرص على شبابنا كما يحرص الإنسان على الغنيمة التي يحصل عليها في الحرب والأشياء الثمينة الأخرى، وكما أن الغنيمة بالشيء، تعني الفوز به من غير مشقة فإن الشباب أيضاً هبة من الله -عز وجل- للإنسان وهدية منه إليه، هدية ثمينة عليه أن يعرف قيمتها وكيف ينبغي له أن يتصرف بها.
لكن ما معنى الشباب؟؟
لربما يبدو سؤالاً غريباً بعض الشيء لأن الكل يعلم ما معنى الشباب وهي فترة تمتد من ما بعد الطفولة إلى ما قبل الكبر والعجز، لكننا إذا طرحنا هذا السؤال على بعض الشباب واستمعنا إلى بعض آرائهم وأجوبتهم نجد أن المعنى يختلف عندهم من واحد لآخر، فعبّر بعضهم عنه بقولهم إن الشباب يعني القوة والقدرة فإن الإنسان في هذه الفترة يكون في كامل قواه الجسدية وأتمها، وقال بعض آخر إن الشباب يعني الحرية كأن تسافر حول العالم وتزور المناطق التي تحلم برؤيتها كباريس وهولندا وتركيا وكندا وماليزيا وكل ما هو مشهور في عالم التلفاز.
فأنت الآن شاب بالغ وتمتلك الحرية والقدرة في الذهاب لأي مكان حول العالم ولا يستطيع أحد أن يقف بوجهك، وتحدث قسم كبير من الشباب والشابات حول الأناقة كذلك فكان العديد منهم من هو مهووس بشراء الأجهزة، وكل ما يعرض بالسوق من سيارات وأجهزة حديثة، وكان العديد منهم من هو مشغول بالاهتمام بظاهره بوضع كريمات وخلطات متعددة للبشرة والشعر وشراء أحدث الملابس والموديلات المتنوعة من شركات مختلفة من الدول المشهورة، وقال قسم آخر كذلك بأن الشباب هي فترة مناسبة جداً للدراسة والتخرج كي يبدؤوا بفتح مشاريع كثيرة هي من طموحاتهم والعمل بها.
وهكذا أعطى الشباب آراءً مختلفة حول ما يخص هذه الفترة التي وهبها الله للإنسان، وإن الآراء التي بينّاها كلها موجودة في فترة الشباب لكن وبالنظر إلى ما أوصانا به الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) باغتنام هذه الفترة المتميزة من العمر نُدرِك تماماً بأن ما يريد منا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اغتنامه أكثر عظمة وأهمية من المعنى الذي نتصوره نحن عن فترة الشباب، فإن الإنسان في فترة الطفولة يقوم بجمع كل المعلومات التي يسمعها ويراها من حوله كما شبهوه باللاقطة ويختزنها في ذهنه حتى لو كان لا يُدرك المعنى الحقيقي للمعلومات التي قام باختزانها، وعند بداية مرحلة المراهقة ومن ثم الشباب يبدأ الإنسان بإدراك محيطه الذي عاش فيه سنوات عديدة ولم يكن مدركاً لما حوله، وعند ذلك يبدأ بإدراك ما جمعه من معلومات في ذهنه شيئاً فشيئاً ويجد نفسه مخيراً في انتخاب موقفه من هذه الحياة.
وهنا تبرز أهمية التربية التي يكون قد تلقاها الشاب في مرحلة طفولته، فهو يبدأ بترتيب أفكاره ومعلوماته السابقة كي يستطيع أن يحدد موقفه وبناء مستقبل جديد له، فإن مرحلة الشباب لا تقل أهمية عن مرحلة الطفولة لأنها تعتبر مرحلة انتخاب الطريق الذي يود الإنسان قطعه أثناء مسيرة حياته، كما أنه على الكبار مساعدة الشباب في ذلك وتوضيح الأمر لهم لأن الطرق المفتوحة أمامهم عديدة وقد لا يميز الشاب الطريق الأمثل والانجى للوصول إلى رضا الخالق -عز وجل- اسمه.
فباعتبار أن مرحلة الطفولة تعد كالمواد الأولية لنضج الإنسان ونمو عقله فإن مرحلة الشباب والمراهقة بالأخص تعتبر أساساً للبناء الذي يود الإنسان صنعه، فكم من الشباب الذين سلكوا الطريق الخطأ بزعمهم أننا نتسلى لمدة من العمر ومن ثم نتوب إلى الله -عز وجل- وإن الله تواب رحيم، فذهبوا في دروب المعاصي وقاموا بفعل كل ما رغبوا به بقولهم إن الشباب فرصة ولن تعود وعلينا الاستفادة من جمالنا وكل ما نتمتع به من قوة في هذه الفرصة، كما هو مشهور عند الكثير من الناس إن ليلة الزفاف فرصة وتأتي مرة بالعمر فيحلّون كل ما حرم الله من غناء وطرب غافلين عن أن هذه الليلة لربما تكون ليلتهم الأخيرة من العمر، ناسين أن المعصية هي ليست مجرد ارتكاب الحرام وكفى بل إن المعصية في الحقيقة هي استهزاء بأوامر الله -عز وجل- واجتراءٌ على أحكامه سبحانه وتعالى.
فهم يظنون أنها مجرد معصية لا غير وبإمكانهم التوبة والعودة إلى الطريق الصحيح، ولكن هيهات إن من يتجرأ على عصيان أوامر ربه ويجهر بالذنوب أمام الخلائق لا يوفق على أمر التوبة، فإن الإنسان إذا كان في كامل قواه الجسدية في شبابه ولم يستطع التغلب على شهواته وعلى وساوس الشيطان فكيف به بالتغلب عليها في مرحلة الكبر والعجز عندما تذهب القوة والقدرة.
وإن حدث وتوفق على أمر التوبة بسبب دعاء والديه له أو نظرة رحمة من الله عز وجل يريد بها أن يتوب عبده ويستغفره، فإن قوتهم وقدرتهم تكون قد نفدت وأن عمرهم في حال انتهاء وها هم يصلون إلى مرحلة العجز التي تستهلك قواهم التي كانوا يفتخرون بها يوماً ويتلف الزمان جمالهم الذي كانوا يتباهون به فيما بينهم..، ولكن ما النتيجة التي جنوها من أفعالهم وإلى أين وصلوا؟ وهل يمكن العودة للماضي وتدارك الأمر وبناء مستقبل آخر من جديد؟! وهل يمكن للشباب أن يعود؟! كلا فقد فات الأوان ولا ينفع الندم على أمر حدث وزمان ولى ذلك الزمان الذي كان ينبغي عليهم أن يفكروا قبل أن يفعلوا.
وهذه هي الفئة التي تكون قد خسرت أثمن شيء في العمر، وأما الفئة التي فضلت الدراسة والعمل في فرصة شبابهم فإنها فئة ناجحة إذ استطاعت أن تبني مستقبلاً زاهراً لها ولعوائلها وللمجتمع بأكمله، لكن الأمر الأكثر أهمية وينبغي على كل فرد منا فعله هو العمل لآخرتنا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنكم اليوم في دار عمل ولا حساب وأنتم غدا في دار حساب ولا عمل .
كما أن عبادة الله -عز وجل- في فترة الشباب تكون أكثر ثواباً وأكثر فائدة من العبادة في مرحلة الكبر والعجز لأن الشاب يكون في كامل قواه وباستطاعته فعل أي شيء لكنه يختار عبادة الرحمن ورضا الخالق -عز وجل-، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة، أي مدافعا عنه.
وأن هناك منزلة عظيمة أخرى كذلك فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سبعة يظلّهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله ....
اضافةتعليق
التعليقات