يقال عن التربية أنها تشتمل التعليم وتعلم مهارات معينة، والتي تكون –أحيانًا- مهارات غير مادية، ولكنها جوهرية، مثل: القدرة على نقل المعرفة، والقدرة الصحيحة على الحكم على الأمور، والحكمة الجيدة في المواقف المختلفة.
ومن السمات الواضحة للتربية هي المقدرة على نقل الثقافة من جيل إلى آخر.
إذن هي طريقة التعامل مع النفس ومع الاخرين وهي أمانة في رقبة كل فرد لأنه مسؤول أمام الله لما يفعل ولمن يخلّف بعده.
ورد في رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام:
وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَـــــــــا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمَّــــــا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبـــــــــهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَـــــــــاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَـــــــا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
التربية مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع فأول الخطوات تبدأ من اللحظة التي يبدأ الانسان بكتابة قصة حياته، بتزكية نفسه وينضج وبعد ذلك إلى الخطوات التي يخطوها نحو الزواج واختيار الشريك.
والعامل الأهم في نجاح التربية التوكل على الله والدعاء والتوسل بأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام فمن أتاكم نجىا (نجا من كل سوء و كل شيء يضره) فأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام هم سبيل الرشاد والهداة المهديين الذين يغيرون حياتنا إلى الأفضل بارشاداتهم ودررهم حول كيفية العيش ونيل السعادة.
فقد ترك لنا الامام زين العابدين عليه السلام كتاب تربية متكاملة يعلم الانسان كيف يزكي نفسه وكيف يسلك مسالك الخير ويرتقي بنفسه إلى أعلى الدرجات، فمن يفتح الصحيفة السجادية يجد أجمل ترانيم الحب وأهم دروس النجاح على صعيد الفردي والاجتماعي.
من الأمور المهمة في التربية دور العادات
فالانسان الذي اعتاد على فعل معين سوف يعلّم أبنائه ومن حوله على ذلك الفعل ويصبح قدوة لمن حوله، فقد نشاهد أجمل المواقف عن التربية في حياة أئمة الهدى عليهم السلام.
تربية العبيد والإماء، من أفعاله عليه السلام تربية العبيد تربية صحيحة فقد كان يخرجهم من الحياة البائسة والهامشية إلى العز والشموخ، كان الامام عليه السلام يهتم بالتربية بشكل واسع وكبير جدا فقد كان يشتري العبيد والاماء ثم يصيّرهم أحراراً ليتحولوا من أناس ضعفاء يعانون الفقد والحرمان من العيش الرغيد، إلى أناس أصحاب وجاهة وخطباء ينشرون قيم الاسلام والدين الحنيف ويحملون راية التشيع إلى بلاد الهند، المغرب وبلاد الحبشة وغيرها، فقد اهتم الامام السجاد عليه السلام بالتربية وفتح داراً لتربية الكادر الديني الثقافي المهتم بشؤون المجتمع و القادر على علاج مشاكل المجتمع وإرشادهم.
فقد ورد في "أعيان الشيعة" أن الامام كان يدفع الأموال لمن يتخرج من بيته لمساعدته على تأسيس مشروع له في بلاده، أو المساعدة على التبليغ ونشر رسالة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله، إلى أبناء مجتمعه وهكذا كان الامام يحافظ على تلك البذرة الطيبة كي تنمو وتثمر.
سُئلتْ جاريةُ عن عبادة الإمام السجاد عليه السلام فقالت: هل أُطنب أم أختصر في الاجابة؟ فقيل لها بل اختصري، فقالت: ما فرشتُ له فراشاً بليلٍ قط ولا قدمتُ إليه طعاماً بنهارٍ قط.
وهذا يعني أنه كان يعيش حياة فريدة من نوعها فقد كان يدعو إلى الخير بقيامه وقعوده، بأعماله وأفعاله.
فقد كان الأسوة الحسنة ليس فقط لأولاده، للشيعة ولمن حوله بل حتى لأعدائه، فقد ورد بأن هشام الوالي الأموي على المدينة كان يؤذي الإمام السجاد عليه السلام كثيرا وعندما جاء أمرٌ بعزل هشام من ولاية المدينة، أوقفوه في مكان عام وأخبروا الناس ومن له حقٌّ على هشام فليأتِ ويأخذ حقَّه منه، وكان هشام يقول أنه لم يخشَ أحداً كما يخشى الإمام السجاد لأنه لم يُسيء لأحد بقدر ما أساء إليه، ولكنَّ الإمام السجاد عليه السلام حين كان يمر بهشام وهو في وضعه البائس ذاك، يوصي الذين معه بأن لا يتعرضوا لهشام بسوء، وعندما يمر الإمام السجاد عليه السلام قريباً منه كان يقول: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
وهذا إقرار من عدو أموي حاقد، فكيف يكون الامام السجاد عليه السلام في عيون شيعته و من حوله الذين كانوا يرون سخاء الامام وسماحته وأخلاقه النبيلة؟
تبدأ التربية عندما يدرك الانسان أنه مسؤول ولديه مسؤوليات اتجاه الآخرين ولم يخلق هباءً بل عليه العمل والتحرك نحو القمة واغتنام الفرص في جميع لحظات حياته حتى وإن كان مضغوطاً من قبل الجهات الظالمة فهناك أمور يستطيع الاتيان بها.
وكما فعل مولانا زين العابدين عليه السلام من تربية العبيد وترسيخ العقائد والسنن عن طريق أدعيته المباركة ودرره حول الاهتمام بحقوق الآخرين، فلم يجلس مكتوف اليد بل علمنا أن نستغل أحلك الظروف ونغيرها إلى أجمل الرسالات التي تدعوا البشرية إلى هذا السبيل المبارك..
اضافةتعليق
التعليقات