المتسولون الصغار، أو ما يدعونهم بأطفال الشوارع، ظاهرة إنتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، تشيّع من خلاله الطفولة بتابوت من الإنسانية إلى مقبرة الشارع!
فبين سيارة وأخرى تجد ملائكة الأرض ينظفون نوافذ السيارات... من اجل ماذا؟!، فقط القليل من حفنة مال!.
حسن، الطفل البالغ من العمر سبع سنوات، يحمل بيديه الصغيرتين علبة دبابيس... وبرد الشتاء قد أنهكت ملامح وجهه الملائكية، يحاول بجميع لغات التوسل إقناع الناس بالشراء من علبته.. فقط كي لا يعود إلى البيت فارغ اليدين فيقسو عليه والده ويبرحه ضربا.
يعيش هو وأسرته الكبيرة في إحدى عشوائيات حي العامل في كربلاء المقدسة، والدتِه امرأة كبيرة في العمر، طريحة البيت لا حول ولاقوة لها على تغيير القدر.
امّا والد حسن، رجل أنهكه الفقر و ضعف الصحة، يعمل كسائق تكسي، وبسبب صعوبة العيش و ظروف الحياة اضطر أن يخطف أبناءه من أحضان المدرسة إلى جحيم الشارع!.
وهنالك الكثير والكثير مثل حالة حسن وأكثر، يعيشون تحت خط الفقر بين عشوائيات المدينة، يستيقظون صباحاً بحلم أن يوفروا لقمةً، تقيهم جوع الليل.
(فقد أكد المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبدالزهرة الهنداوي، أن "نسبة الفقر بالعراق تبلغ أكثر من 30 بالمئة، وهذه النسبة تشهد ارتفاعاً".
وقال ايضاً إن "نسبة الفقر في العراق في الحقيقة تشهد ارتفاعاً منذ ظهور داعش في عام 2014، والأزمة الاقتصادية التي تمر بها العراق".
وتابع الهنداوي أن "نسبة الفقر في العراق قبل عام 2014 كانت تتراوح ما بين 13 إلى 15 بالمئة، ولكن بعد ظهور داعش وموجات النزوح والأزمة الاقتصادية والانخفاض الدائم في أسعار النفط، ارتفعت نسبة الفقر إلى الضعف، وهي في تزايد يوماً بعد يوم).
ولاننسى بإن ما يحدث هو كارثة إجتماعية بحق الإنسانية والمجتمع، إذ إن حالات الفقر الذي تعيشه العوائل العراقية سيعكس سلباً على مستقبل الدولة، لإن الفقر سيكون عائقا في دخول الأطفال الى المدارس والتعليم، فبالتالي ستقع شريحة كبيرة من الأطفال ضحية الجهل والتخلف، وسيعيش العراق مستقبلاً مجهولاً بسبب هذه الفئة الكبيرة الغير متعلمة.
(من الصعب الجزم بأن الثقافة والقيم والتقاليد والإضطراب الإجتماعي والسياسي عوامل بمفردها تميز الدول الفقيرة عن الغنية فتعتبر الحكومات في عديد من الدول الفقيرة جزء من المشكلة وليس جزء من الحل لمتطلبات التنمية نظراً لمركزية الإدارة واتخاذ القرار حيث عانت الدول الفقيرة بلا استثناء من الكساد الاقتصادي مع نمو مطرد في حجم الدين العام وانخفاض أسعار المواد الخام المصدرة نتيجة تحديات الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية المفروضة من قبل وكالات التنمية العالمية فتدهور معدل النمو اللاقتصادي كثيرا في معظم الدول الفقيرة.
كما إن الفقر يُعتبر تقليديا قدراً، وهو من طبيعة الأشياء الوجودية، فالرزق على الله يعطيه من يشاء ومتى شاء. لذلك لا أحد يستغرب وجود الفقر في مجتمع ما، لأنه موجود في جميع المجتمعات، وكأنما هو من خصائص كل مجتمع إلاّ أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونسبة الفقراء في المجتمع.
ويمكن من هذه الزاوية أن تتبين أسباباً داخلية وأخرى خارجية، فإرتباك الوضع الأمني، وضعف السياسة، وتردي الميزانية والمخصصات العائدة للشعب، وحتى إنخفاض أسعار الموارد الطبيعية كالنفط جميعها تعتبر عوامل قوية تشجع على إنتشار آفة الفقر في المجتمع، ولكن يبقى السعي والإجتهاد في كسب الرزق على العبد، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (سبأ،36)، "فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، (الجمعة،10).
وهنا يتفق الرأي العام بتساوي كفتي اللوم على الدولة والمؤسسات الأهلية من جهة والأسرة من جهة أخرى.
فالعائلة التي تعاني من ضعف الوارد المادي لا تدرك بان إنجاب أعداد كبيرة من الأطفال سيؤثر بصورة سلبية على قدرة الإنفاق... إذ إن العلاقة بين عدد الأفراد والإنفاق هي علاقة طردية، فكلما زاد عدد الأفراد زادت قيمة الإنفاق.
وبهذه الحالة سيصعب على المنفق توفير حياة كريمة له ولعائلته، وهنا ستقع المسؤولية الكبرى على المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في تنظيم حملات مساعدة العوائل المحتاجة والمتعففة وتوفير مراكز خاصة تكرس اهتمامها بأطفال الشوارع والإلتفاف إلى حالات الفقر والتشرد لدى الأطفال، ومكافحتها من قبل التضامن مع رجال الأعمال و ذوي الدخل الجيد.
إضافةً الى وضع سياسات شمولية تخفف من الفقر، وتطوير وسائل عيش مستدامة لجميع العراقيين، بالتزامن مع مساعي السياسيين لمواجهة التحديات الأمنية في البلد.
ولا ننسى وظيفة الجهات الحكومية التي لا تقتصر على تكليف كيان دولي فقط، بل والعمل على توفير وتنسيق بيانات مرتبطة بأطفال الشوارع وتعزيز البحث والحماية لهم من أي اعتداءات
خارجية وداخلية، وتوفير إحصائيات خاصة تدرس الوضع الاقتصادي ومعدلات الفقر في كل منطقة، وتطبيق قانون التعليم الإجباري.
للحد من هذه الظاهرة التي تعكس صورة غير حضارية عن المجتمع، إضافة إلى إن زيادة نسبة الفقر والجهل في البلاد سوف يؤدي الدولة وشعبها إلى التهلكة).
اضافةتعليق
التعليقات