لم اكن اعلم بأنّ الطريق وعر لهذه الدرجة ولم يكن في حساباتي ان اضحي بشئ، فقط كنت اود تلمّس درب الحق واستنشاق عبيره، واول نسمة كانت اسم الحسين عندما طرق مسامعي لأول وهلة .....
لم يدم انتظاري لسالم هذه المرة فقد كان متحمسا لجلب مالذ وطاب من الكتب والادلة والمعلومات مما يسند عواطفي المتزلزلة وروحي المضطربة ....
لاحظ سالم ارتباكي عند تسلّمي للكتب، فاراد الاطمئنان على عدم وجود مشكلة ما، فابديت تحيري من كيفية الاحتفاظ بهذا الكم من الكتب في غرفتي المشتركة مع الطالبات وكيفية مراجعتها اصلا، اقترح سالم ان يعطيني نصف الكتب ويرجع البقية معه الى ان اكمل مابيدي وافادني اقتراحه الثاني بتغليف الكتب كي لاتجذب الانتباه عندما اطالعها.
امضيت الليالي الأولى في الغوص في بحور تلك الكتب واستخراج نفائسها، استغربت من عدم معرفة ابي تلك الحقائق على الرغم من اسلامه فالخلل لم يكن في دين الاسلام كما كنت اتصور .....
دين جميل ونبي رحيم وائمة عظماء اجمل مالفت انتباهي عند قراءتي لسيرة الامام الحسين هو كيف كان يتعامل مع الناس وبالخصوص النساء كانت قصص عطفه على بناته وتعامله مع اخته وزوجاته من اروع ماسطر التاريخ، كان يعادل المسيح ان لم اقل كان يضاهيه كان الرجل الاسطورة الذي طالما تصورته في مخيلتي وخصوصاً اني تربيت بعيدة عن أحضان الأب الدافئة ......
صحوت على صوت رفيقتي في الغرفة وهي تقول لي:- كاترين هل تذهبين للجامعة ؟ اجبتها بأني افضل البقاء اليوم لا استطيع المجئ.
لم تناقشني كعادتها مع استغرابها من حملي لذلك الكتاب طوال الوقت ........
معضلتي الكبيرة كانت هي عودتي للبيت مع تلك الكتب، اخذت كتابين معي للبيت وحاولت تخبئة البقيه في الغرفة الجامعية، عند رجوعي للبيت رحبت بي والدتي كثيراً فلم ترني منذ شهر حملت اغراضي لغرفتي وارادت ترتيبها كعادتها عندما اكون متعبة لكني رفضت واصريت على ترتيبها بنفسي، دخلت غرفتي والتقطت انفاسي المتعبة ورميت بنفسي على وسادتي، لم استيقظ الا على صوت امي وهي تناديني للغداء، اثناء تناولنا للغداء سألتني عن اوضاعي الجامعية وعن دراستي وكان اخر سؤال لها عن اصدقائي، لم ارد ان اثير حفيضتها بذكر سالم رفيقي الجديد .
شارفت عطلتي الاسبوعية على الإنتهاء، نزلت للمحلات المجاورة لشراء القهوة وبعض الحاجيات كانت امي تنظف المنزل لم اكن اعلم بدخولها لغرفتي وتنظيفها لرفوف المكتبة وكانت الطامة الكبرى بأنتظاري عند رجوعي للمنزل وجدتها ممسكة بالكتابين وتنثر اوراقهما بشكل هستيري في الهواء وهي تبكي، كانت المرة الأولى التي اشاهد بها امي على تلك الحالة، رميت الحاجيات على الطاولة وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى .
اخذت تصرخ بوجهي وتصيح انه والدك اليس كذلك يريد ان تسلمي وتصبحي مثله متوحشة هل تعرفين ياكاترين كم ضربني وأهانني كنت صغيرة ولاتذكرين شيئاً من افعاله المشينة والا لما اقتربتي من هذه الكتب ......
حاولت رفع صوتي مبينة اني لم التق بأبي قط لكن امي لم تكن تهدأ ابداً وأشارت الى باب الشقة وأعطتني حقيبتي كانت اكبر صدمة لي في حياتي أن أطرد من البيت ومن قبل من؟ امي وأنا ابنتها الوحيدة وكل ماتملك في هذه الدنيا على حد قولها .
سحبت اذيال خيبتي وعدت لسكن الجامعة، الأفكار كانت تهاجمني الى اين اذهب بعد انتهاء العام الدراسي فلا مأوى لدي علاوة على المصاريف التي كانت ترسلها أمي، كيف لي تدبر الأمر ياالهي؟......
عند رؤيتي لسالم في حديقة الكلية شعرت بالغيظة منه وقلت في نفسي انه سبب شقاوتي وحرماني وما ان القى عليّ السلام حتى تبددت تلك المشاعر وشعرت بالحيرة والارتباك كيف لي ان ارد كتبه التي تحولت الى اشلاء متناثرة.
لاحظ علامات الحيرة على وجهي وكعادته سأل عن احوالي وما أن تذكرت امي حتى اجهشت بالبكاء، هدّأ سالم من روعي ووعد بمساعدتي ونسيان امر الكتب .
اتصلنا بأمي ولم ترد، اقترح سالم بأن يرافقني الى منزلي لكي يشرح لأمي الموقف، كنت كغارقة تتمسك بالقش فوافقته الرأي ذهبنا للمنزل انا وسالم لكن لم تكن امي فيه وأكد الجيران رؤيتها وهي تنقل اغراضها، عند ذلك اصبت بالأنهيار التام رجعنا للسكن الجامعي وفي خضم تلك الظروف شعرت بتلك الكتب المتبقية في السكن الجامعي تناديني وان اسم الحسين يهزني من الداخل اخذت كتاباً بعنوان (حكايتي مع الحسين) يروي قصة مستبصرة مسيحية اعتنقت الإسلام وكيف واجهت الصعوبات من عدم قناعة زوجها ومن ترك اطفالها لها ووووو..
عندما قارنت قصتها بقصتي وجدت نفسي أقل ضرراً فالحياة امامي واسعة واستطيع الإعتماد على نفسي ولكن حنيني الى امي يعتصر قلبي ولا أدري ما العمل .
مرت عدة أشهر عند مراجعتي لعمادة الكلية لكي اعرف كم تبقى علي من أموال كي اتدبر امري، تفاجأت بأن الرسوم قد دفعت الى نهاية العام ولم يتبق علي شيئ، غمرتني الفرحة وحاولت معرفة من دفع لي الأموال فلم استطع .
نمت ليلتي قريرة العين فقد يكون حبل وصالي بأمي عاد وشيكاً.
عكفت على الكتب انتهل منها الحقيقة قررت ان اقرأ بعض الكتب الألكترونية ولا احصر قراءتي بكتب سالم كي افهم الحقيقة وكانت الحقيقة صادمة بالفعل، فالاسلام والإنسانية لاتقاس بأبي وامثاله انما تقاس بالحسين انه رجل عظيم وحياته ومواقفه اعظم، انه الإسلام الذي تكلم عنه سالم ولكنه على شكل بشر .
تلقيت رسالة من امي، فتحتها على عجل ودقات قلبي تتسارع وكان هذا نصها: (ابنتي الغالية قد كنت قاسية معك وجعلتك تتحملين صعوبة فراقي وصعوبة مصاريفك الجامعية ولكنك تعلمين نظرتي للأسلام والمسلمين لا اريد لحياتك ان تصبح كحياتي فأن كان الأمر مجرد انتقاء كتب بلحظة طيش فأنا اعفو عن زلتك وإن كان الامر أكبر من ذلك فانه الفراق الأزلي بيني وبينك، دمتي بحفظ الرب، امك المحبة).
كانت رسالة صادمة فعلاً والأكثر منها انها فنّدت تصوراتي بشأن أنها من دفعت الرسوم الجامعية، الآن أنا بين اختيارين أما ترك أمر الحسين والإسلام والرجوع لأحضان والدتي أو أن امضي بطريقه واخسر كل شئ ......
عقدت اجتماعاً بسالم شرحت له الموقف فأجابني ان القرار قراري ولايتدخل هو في هذا الأمر ويرغب بأن تحسم أمرها قبل رحيله لوطنه بعد عدة أيام .
لهجت بأسم الحسين ودموعي تجري وقلت: بأن حكايتي معك اصبحت جليّة هذه الادلة والبراهين أمامي ان انكرتها فأنا عمياء،
قضيتك شديدة السطوع وقد أصاب بعمى أزلي ان انا تركتها فأعلن على اسماعك ياسيدي بأني مسلمة.......
ابتهج سالم لسماع الخبر وقال إذن سآخذك الى الحسين ان شئت،
استغربت كلامه وقلت: ماذا تقصد ياسالم، قال لي: سأحل لك اللغز، انا من دفعت الرسوم الجامعية لك، والان حجزت تذكرتين واحدة لي والأخرى هدية لنجاحك وتفوقك كي نحضر زيارة الأربعين عند الإمام الحسين (عليه السلام)، وتعيشين بقية حياتك في كربلاء..
لم تسعني الفرحة وعرفت في حينها سر اصحاب الحسين (عليه السلام) كيف أنهم تركوا كل شئ وراء ظهورهم وهبوا لنداء: (ألا من ناصر ينصرني..........).
اضافةتعليق
التعليقات