كان وحيدًا، فقد أبويه ومن يرعاه، لم يجد من هو قريب لروحه، روحه السامية الفريدة لم تتناسب عظمتها إلا مع السماء، الأرض ليست له..
تتألم روحه برؤية أرواح بعيدة عن السمو والعلو، ليس هناك من مخلوق أمامه يشبه روحه، تحمّل معاناته ولم يفكر سوى بتغيير هذه الأرواح وجعلها أرواح سماوية لينتشلها من واقع أليم،
بقي يُعاني وحيدًا إلى أن استبشر بمجيء من يُشبهه ويفهمه ويُرافقه بمسيره، كان بلسمًا لجراحه قريبًا من روحه وقلبه، علّمه كل ما عنده، جعله معه في كل شيء، منذ بداية مجيئه لم يُفارقه فهو من أرسلته له السماء.
روى الحافظ الكنجي الشافعي في كفايته قائلاً: عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: «لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبيه المسيح عليه السلام إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهاماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
يا رب هذا الغسق الدجيّ * والقمر المنبلج المضيّ
بَيّن لنا من أمرك الخفي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي؟
قال: فسمع صوت هاتف يقول:
يا أهل بيت المصطفى النبي * خصصتمُ بالولد الزكي
إن اسمه من شامخ العلي * علي اشتق من العلي، أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 260.
فمَضيا معًا لا يفترقان، روحيهما مُحلقة في الملكوت، تعاهدا على أن يُغيرا واقع الجهل والأرواح المتعبة ليرتقوا بها لعالم الملكوت، كان كنفسه يتألم معه يحزن معه ويفرح معه، هكذا جعلته السماء عندما أمرت أن يُباهل به مخالفيه ويُمثله بنفسه "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"، (آل عمران: 61).
فانبرى يمتثل أمر السماء ويُبين قربه بتعابير عدة منها:
- علي مني بمنزلة رأسي من بدني.
المتقي الهندي - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - الجزء: (11) - ص: (603)، ح 32914.
- "قال السيوطي: قال الديلمي: عن أبي، عن الميداني، عن أبو محمد الحلاّج، عن أبو الفضل محمد بن عبد الله، عن أحمد بن عبيد الثقفي، عن محمد بن علي بن خلف العطار، عن موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن عبد المهيمن بن العباس عن أبيه، عن جده سهل بن سعد عن أبي ذر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علي باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة». اللئالي المصنوعة 1/335.
- الطحاوي - شرح مشكل الآثار - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله (ص) في الحجة التي كانت قبل حجته من التأمير فيها، ومن قراءة : براءة، على الناس فيها، ومن كان أميره فيها.
عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط، فذكر قصة، فقال فيها: وبعث - يعني رسول الله (ص) - أبا بكر (ر) بسورة التوبة، وبعث عليا (ع) خلفه، فأخذها منه، وقال: لا يذهب بها الا رجل هو مني، وأنا منه. الجزء: (9) - ص: (219)، ح (3586).
هكذا لم يكن أحد كما هو قريب من السماء وروحه شفافة مُندكة بالملكوت، لم يرتبطا بالأرض وما فيها، عالمهما مختلف، حضورهما مختلف، يختلفا عن كل الخلق وقريبان من الخلق في نفس الوقت، صدورهم واسعة، يتعاملان مع الانسان بكل لطف، حسدهما الطامعين بالسلطان والتأمر على الناس وجمع الأموال للتمتع الزائل.
دبروا المكائد ضدهما احتالوا الحيل، وسعوا لدفع الناس عنهم وتخريب ما يسعون إليه من انتشال الناس من واقعهم المزري وحياتهم المُعدمة بالاهواء والاطماع والجهل
حاولوا بكل ماأمكنهم، ولكن لم يستطيعوا اخفاء تميزهما وجمالهما وخلقهما الأفضل بين الخلائق فبَقَيا تتلألأ اسمائهم في سماء العلياء والرفعة..
هذا هو علي العظيم الذي لازم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمسيرته وكان كنفسه، فسلام عليكما من نفس طاهرة وروح عظيمة شرفتها السماوات والأرض.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2019-03-21
وكنتي بعين مليك الطفوف