يتصور البعض أن صنع القرار إنما ينصرف فقط إلى المجالات السياسية والاقتصادية؛ مثل التواجد في البرلمان أو السلطة التنفيذية، أو العمل الاقتصادي، أو الإسهام في القطاعات المالية الكبيرة وغيرها.. ولكن مستوى العلاقة بين تأثير المرأة في دوائر صنع القرار في المجتمع وقدرتها على التأثير في القرار العائلي الخاص بأسرتها لا يقل أهمية عن صنع القرار التشريعي أو التنفيذي..
فالأسرة مؤسسة اجتماعية مصغرة تمثل الهيكل الأول لأوسع دوائر صنع القرار المجتمعي انتشارا، ومن خلالها يمكن رصد التقدم نحو النهوض بالمرأة وتعزيز دورها؛ ليس فقط على مستوى الأسرة، بل على مستوى المجتمع العام كذلك.
ولا شك أن تمكين المرأة من تقرير مصيرها والمشاركة في صنع القرار يتطلب أولاً إزالة التمييز ضدها كجزء من البنيان الفكري والحضاري، حتى يتسنى تغيير السلوك الاجتماعي لأفراد المجتمع.
إن تمكين المرأة من المشاركة في صنع القرار الأسري – سواء أكانت زوجة أو أمًا أو أختًا أو ابنة – لا يعني صراعًا أو مزاحمة لسلطة الرجل داخل الأسرة، وإنما يحقق ذلك شروط قيام المرأة بدورها كشريك كامل، مما يحقق التوازن في العلاقات والأدوار. والتوازن شرط ضروري لتلافي مخاطر الصراع المستتر الذي يهدد استقرار العلاقات في الأسرة والمجتمع.. فالمرأة التي تشعر بتوازن العلاقة مع أفراد أسرتها إنما تشعر بالأمان والاستقرار، مما يتيح لها فرصة أفضل للقيام بدورها في تحمل مسؤوليتها كأم وزوجة وامرأة عاملة؛ دون الحاجة إلى الدخول في صراع خفي مع الزوج أو إلى كثرة الإنجاب من أجل الاحتفاظ بالزوج. من هنا وجبت مساعدتها على المشاركة في صناعة القرار داخل أسرتها عن طريق:
1- الاستعانة بجهود الرجال والنساء الذين يمثلون التيار المستنير في المجتمع بحيث يعاونون في حصول المرأة على فرص متكافئة في محو أميتها ورعايتها صحيًا، وإمدادها بزاد ثقافي ومنحها فرصة العمل، فمن شأن ذلك أن ينمي قدراتها ووعيها بحقوقها وواجباتها، وبأهمية ممارستها لحقها في تقرير مصيرها، والمشاركة في اتخاذ القرار في شأن مصير أسرتها ومجتمعها.
2- العمل على دفع المشاركة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات العمل لخدمة الأسرة.. مثل تدعيم مسؤولية الرجل عن سلوكه الإنجابي، والمشاركة في إدارة دخل الأسرة، والاشتراك في تحمل مسئولية تربية الأبناء.
3- مساعدة المرأة على أن تملك حرية الاختيار فيما يتعلق بالزواج والعمل والسفر والإنجاب وتحديد عدد الأبناء وتنظيم الأسرة، واستخدام الوسيلة المناسبة في ذلك التنظيم.
4- دعم مسؤولية الآباء والأمهات والمدرسين في تعزيز قيمة احترام المرأة والفتاة عند تربيتهم للأطفال الذكور، وإرساء قيمة أن المعاونة داخل الأسرة ليست من صميم عمل النساء، وإنما هي مسؤولية يشترك فيها الرجل والمرأة على قدم وساق.
5- العمل على تغيير اتجاهات أفراد المجتمع التي استقرت لفترات طويلة على أن المرأة لا تستطيع تحمل المسؤولية ولا تملك اتخاذ القرار، وأن مسؤولية اتخاذ القرار إنما هي من شأن الرجل.
6- ضرورة التركيز على وسائل الإعلام المسموع والمرئي الذي يعتبر من أهم الوسائل الاتصالية التي تعين على تدريب المرأة على اتخاذ القرارات المتعلقة بأسرتها، وتوعيتها بحقها في ذلك من خلال نشر مفاهيم الثقافة الأسرية، وسد الفجوة بين الجنسين، وتوضيح مخاطر التفرقة بينهما.
7- تشجيع الجمعيات الأهلية على نشر الوعي، وتدريب القادة على الثقافة الأسرية ووسائل الوقاية من الأمراض الجنسية والتناسلية، وتوعية الأسرة بأهمية دور المرأة في تنشئة الأبناء.
8- الاستثمار في الخدمات التي تقلل العبء المزدوج على المرأة بما يسمح بحسن توزيع الأعباء على المرأة والرجل، ويكفل لهما التوفيق معًا بين مسؤوليتهما تجاه الأسرة وتجاه مسؤولية العمل.
اضافةتعليق
التعليقات