منذ نعومة أظفارنا ونحن قد نشأنا في بيئة تتبنى مجموعة من القيم الأخلاقية والمبادىء العملية التي تكبر معنا وتتغلغل في وجداننا كالصبر والايثار والكرم وحب الخير وغيرها ..
إحدى هذه المبادئ المهمة هو مبدأ حفظ الأسرار وكتمانها فمن منا لم يسمع بهذه الحكمة: (كن على حفظ سرك، أحرص منك على حقن دمك)؟!
قد يعتقد البعض أن حفظ الأسرار ينحصر في الأمور الخطرة والحساسة التي قد تمس بحياة الانسان، وتهدد وجوده كما في حالات الحروب السياسية والأزمات الاجتماعية إلا أن الموضوع أعمق وأوسع من ذلك بكثير..
أمير المؤمنين (عليه السلام) يبين لنا المكان الأمثل الذي يجب حفظ الأسرار فيه وهو صدر العاقل، بالتالي الثرثرة وإفشاء الأسرار دليل على عدم النضوج العقلي والفكري للفرد.
فكما نعلّم أطفالنا على أن الأمور الثمينة تُحفظ دائماً في أماكن أمينة ومتينة (كالمال الذي يحتفظون به في حصالة نقود ولا يستطيع أحد الوصول إليه) كذلك السر يجب أن يؤتمن في مكان أهلٍ للثقة.
والقرآن الكريم يخبرنا عن حفظ الأسرار في قصة النبي يوسف (عليه السلام) حيث خاطبه أباه ﴿قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ)[ يوسف: 5].
إذاً الانسان العاقل هو من يحتفظ بأسراره ولا يفشيها لما يدركه من تبعات هذا العمل فليس من الحكمة أن تسرد كل ماتعرفه وكل ما يحدث لك فهذه مساحة شخصية تخصك أنت فقط ولا يحق لأي أحد التطفل عليها.
مصاديق حفظ الأسرار تدخل في كل مفاصل حياتنا وتؤثر بشكل ملحوظ على جودة الحياة التي نعيشها:
1- على المستوى الاقتصادي ليس من الضروري أن يعرف الطرف المقابل مقدار راتبك الشهري أو ماذا تملك من ثروة، كذلك نرى أن الشركات العالمية الناحجة تحتفظ بأسرار نجاحها لتبقى دائما في الصدارة.
2- على المستوى الأسري من واجب كل فرد حفظ خصوصيات الآخر وعدم إفشاء مايجري من أحداث ومشاكل عائلية خارج نطاق الأسرة مما يزرع الثقة بينهم ويوطد الاستقرار العائلي.
3- على المستوى الاجتماعي الانسان الذي يحفظ أسرار الآخرين إنسان محبوب وقابل للاعتماد مما يوسع دائرة علاقاته وصداقاته في المجتمع.
4- على المستوى السياسي من المهم أن تحتفظ الدول بأسرارها سواءً مايتعلق بالمسائل الأمنية أو البحوث العلمية فالتاريخ حافل بحروب وخسائر بشرية ومادية فادحة وذلك بسبب خيانة بعض أفرادها وإفشاء أسرار تلك الدولة.
5- على المستوى النفسي الإنسان الذي يكتم أسراره ولا يتكلم عن نقاط ضعفه هو إنسان قوي ومطمئن ويكون في مأمن من ابتزاز الآخرين واستغلالهم. (سرّك أسيرك فإن أفشيته صرت أسيره).
6- تعلّم ثقافة حل المسائل الخصوصية وكتمانها داخل نطاقها وعدم التشهير بها كالمشاكل داخل العمل أو الاسرة أو بين الأصدقاء... وهذا يحدّ من حجم المشكلة ويركز على الحلول الواقعية.
7- الحياة الزوجية يجب أن تكون سراً بين الرجل والمرأة، فالمشكلات يجب أن تحل بين
طرفين لا ثالث لهما لكيلا تتوسع نطاق المشكلة ويصعب حلها.
8- نشر ثقافة التفكر والتدبر قبل الدخول في محادثات مآلها هتك وإفشاء سر.
9- ملأ اوقات الفراغ لدى الشباب بالعلم والعمل لكيلا يملؤوها بالثرثرة والكلام الفارغ.
10- حوائج الناس تُقضى بالكتمان (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).
11- إذا كان لديك سر أو كلام تتحفظ في قوله توجه إلى الله خالقك وناجيه بكل مايجول في قلبك فهو الوحيد الذي سيحفظ ماء وجهك ولا يفضحك فهو ستار العيوب.
لذلك كلّه فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأهل والبيئة المحيطة بالفرد فهم من يزرعون هذه الخصلة والبذرة الصالحة في الأبناء منذ الصغر والتهاون في هذا الأمر ينتج ثمرة فاسدة وفرد خائن لنفسه ودينه ووطنه.
اضافةتعليق
التعليقات