استقبلوها بصرخة ثم ابتسموا لها ببراءة، وأبكتهم بألم وفي أحيان كثيرة أسكتتهم بقسوة، عذراء تغتصب أمام المحافل الدولية، وقل ناصرها، استنكارات وشجب وادانة، الموال الذي يجيده سياسيو الصدفة، قادة بلا ضمير بلا انسانية، تمر عليهم الحوادث في هذا البلد مرور السحاب ما إن يهدأ غيضها حتى يخرجوا من جحورهم ليستعيدوا الانتهاك.
فبين ضحايا الحرب والعنف الأسري من جهة، والأمراض التي تفتك بهم وممن اشتروا للشيطان أنفسهم من جهة أخرى، تبقى الطفولة في العراق تصارع من أجل البقاء وهي تستقل ذات الحافلة التي يركبها الموت، فيا ترى في أي محطة سيترجل الموت أو ستنهزم الطفولة؟، فهل ستستعيد الأخيرة عافيتها أم سيصبح قتلها ظاهرة في شوارع بغداد؟، فتارة تقتل بالسلاح وأخرى بالكلمة، وأخرى بالاهمال، فالنتيجة هو إنهاء حياة.
الصراع واللامساواة
الوضع الحقوقي في العراق خارج عن السيطرة دماء تهدر بلا ثمن لا من أجل الوطن ولا من أجل المقدسات إنها من أجل ارضاء النفس الأمارة بالسوء، إذ يمثل الصراع واللامساواة ملامح الطفولة هنا، تقرير للأمم المتحدة لرصد أوضاع الأطفال أشار إلى أن "غالبية الفقراء منهم لا يتلقون أي شكل من أشكال المساعدة الحكومية، حتى عند تراجع أعمال الاقتتال، تعرض 80 % منهم إلى العنف إما في المنزل أو في المدرسة.
وفي الوقت الذي يلتحق مايقارب (%92) بالتعليم الابتدائي، لا يتمكن سوى نصفهم من الأسر الفقيرة، أو أكثر بقليل، من إكمال المرحلة الابتدائية، تصبح المصيبة أكبر في التعليم الثانوي، إذ لا يتخرج سوى أقل من ربع الأطفال الفقراء، مقارنة بثلاثة أرباع الأطفال من الأسر الغنية".
وفي الوقت الذي تضع الدول خطط لمستقبل الأجيال تتنامى الفجوة بين الطبقات ويتزايد الاهمال الحكومي إذ أكد التقرير "على الحكومة إعطاء الأولوية لرفاهية الأطفال دون تمييز، والارتقاء بمستوى معيشة الفقراء التي تثير النزاعات وتؤثر على مستقبل الأطفال، فمن خلال الالتزام والتعهد الصريح فضلاً عن السياسات الصحيحة، يمكن لحكومة العراق أن تحدث فرقاً واضحا".
الحياة والبقاء والنمو
ضمن الاسلام حقوق كل فرد من المجتمع، وكفل رعاية الضعفاء ومنهم المرأة والطفل، وجاءت الاتفاقيات الدولية بعدها لتسن القوانين وتضع الخطط لحماية الأطفال بالتحديد، خصوصا في الوقت الذي ترتفع مستويات العنف الموجه ضدهم.
وفي ضوء أحكام ومبادئ تلك الاتفاقيات ولا سيما مبدأ المصالح الفضلى للطفل والذي أكد على حق الحياة والبقاء والنمو، تشعر اللجنة الدولية وهيئة رعاية الطفولة بالقلق رغم وجود التشريعات القانونية والأحكام الشرعية في الديانات كافة التي تحظر الفوارق الطبقية والتمييز على أساس الذكورة مثلا أو الطبقية أو العرقية.
إذ بينت اللجنة أن لا تزال هناك فوارق في الممارسة العملية بين الأولاد والبنات ولا سيما فيما يتعلــق بحقوق الإرث والحق في التعليم، فيما تشير إلى أن "التدابير ذات الطابع التشريعي التنفيذي، هي الحل الوحيد لضمان حقوقهم، كما أشارت إلى أن ظاهرة العقاب البدني من قبل الأهل أو المعلم أو من رب العمل في ظاهرة مرتبطة وهي عمالة الأطفال، أصبحت الآن خطر تضاهي الحروب والارهاب في انتهاكات حقوق الطفل.
كما توضح "اللجنة إن إعادة الإدماج الاجتماعي لضحايا الاغتصاب والاعتداء والاهمال وإساءة المعاملة والعنف والاستغلال مسؤولية وطنية على الحكومات أن تتبناها مشروع مستقل لبناء الانسان"، وبينت اللجنة أن "الحكومات سبب في تدهور الحالة الصحية للأطفال، ولا سيما ارتفاع وتزايد معدلات وفيات الرضع والأطفال، وسوء تغذيته وأماكن المعيشة، وعدم توفر وصعوبة الحصول على علاجات الحالات السرطانية للأطفال.
الشلل المؤسسي
إن بناء جيل قادر على تحمل مسؤولية مستقبلية في ظل هذا التطور السريع والمشاكل التي يواجهها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، أصبح من الضروري الاستثمار في مجال الطفولة لتنمية القدرات لمواجهة العولمة والنزاعات المتواصلة وحماية المتضررين منها وخصوصا الأطفال.
وفي تقارير رسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بينت أن "عدم تطبيق البرامج والاتفاقيات الدولية في ضمان حقوق الأطفال يأتي من ضعف قدرة الدولة على تمويلها، وماترتب عليها من شلل مؤسسي وضعف في الضوابط القانونية والأخلاقية، وتراجع دخل المواطن، وانتشار البطالة، والهجرة، والجريمة وغيرها مما انعكس سلبا على حياة الطفل ومدى تمتعه بحقوقه".
كما أن ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق تبدأ من المنزل والمدرسة لتتوسع للمجتمع بشكل عام، وأظهرت بيانات منظمة اليونسيف الدولية أن عملية تأديب الأطفال من 2_14 عام باستخدام العنف وصلت إلى نسبة تجاوزت85%، وحسب التقرير فإن نسبة 65% منهم تعرضوا للعنف الجسدي فيما تلقى 15% عنفا نفسيا ولفظيا، وإن آثار الضرب والتعذيب كانت واضحة على 30% منهم.
أنانية الوالدين
في ظل تزايد المغريات الدنيوية للفتيات والشباب، ارتفعت معها نسب الطلاق لأسباب مادية وعوامل خارجية، علاقات غير شرعية ومتطلبات ما أنزل الله بها من سلطان من كلا الجانبين، والضحية دائما هم الأطفال الذي يولدون دون دراسة حقيقية لمستقبل العلاقة القائمة على تلبية الطلبات الشخصية، ضاع الكثير منهم بين أروقة المحاكم وبين أهل الزوجة أو الزوج، ليتخرج منها يحمل كماً من الغيض بداخله يجعله خطرا على المجتمع.
المحامية نسرين الخفاجي وفي حديث لموقع "بشرى حياة"، بينت أن "أكثر من 90% من حالات الطلاق اليوم هي بسبب أنانية الأزواج، إما أن تفكر بسعادتها، أو يفكر بتلبية رغباته، إما أن يلبي لها متطلباتها المزاجية اللامحدودة، أو أنها تجد البديل أو تكسر قيد الزوجية لتتحرر وتجد لنفسها صنعة بعيدا عن زوج متحكم لا يشتري لها الماركات، ولا مسؤولية أطفال بحاجة إلى رعاية".
وفي ظل هذا الابتعاد عن الانسانية وحتى عن الفطرة الأبوية التي زرعها الله سبحانه وتعالى في قلوب الآباء والأمهات، تتكلم الخفاجي بألم شديد عن ردة فعل الأمهات حين تطلب الطلاق بالقول "يعيشون".
لكنها لاتدرك أي عنف هي توجه ضدهم لتستلم دفة القيادة زوجة الأب الحبيبة بسلب الحقوق منهم حتى النوم والراحة واللعب، ومع اتقان الأولى فن التمثيل، ورغبة الأب الجامحة تجاه زوجته، عميت الأعين عن مشاهدة الابادة الجماعية بحق الطفولة ".
التربية والتعنيف
قاربت منزلته الرسل، فلابد أن يكون مثالا حيا للأطفال بالخلق والأخلاق والتصرف، إلا انه في بلد العجائب لا نبوة تنفع ولا رسالة، ففي دراسة أجرتها اليونسيف على عدد من المدارس في عموم العراق، رصدت فيها حالات العنف الموجه من المعلم للطلاب حتى سن 14عام.
وجدت الدراسة أن 55% من المعلمين يعنفون طلابهم تراوحت بين التوبيخ والضرب، في الوقت الذي تعنفهم الدولة بعدم توفير أبسط حقوق الطفل كمقعد دراسة مريح وكتب نظيفة وصف ومدرسة تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وغرق الأمطار.
تستمر مسيرة الحروب التي قصمت ظهر البلد، وآخرها ضد داعش الارهابي، تقارير دولية أشارت إلى أن أكثر من خمسة ملايين طفل في حاجة ماسة للمساعدة في العراق، في مجالات عدة أهمها التغذية والتعليم، وتثير الأرقام الرسمية العراقية مخاوف المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل حول مستقبل أطفاله، حيث ترتفع نسب الأمية والفقر بشكل لافت بين اليافعين، ويقع بعضهم ضحية لعصابات التسول والسرقة والمليشيات، وتكشف أرقام وزارة التخطيط العراقية أن الأطفال يشكلون ما نسبته 11% من الأيدي العاملة في السوق المحلية.
وهو ما يعده الباحث الاجتماعي سيف الجنابي "مدمرا لمستقبل الطفولة في العراق إذ يمكن ملاحظة مئات آلاف الأطفال المتسربين من المدارس، والذين يعملون في المعامل والحقول والمحلات والشوارع، فيما تحول البعض الآخر إلى متسولين أو باحثين عن الطعام والأغراض في مكبات النفايات، ويتعرض بعضهم إلى تحرش واعتداءات، يتم السكوت عنها غالبا خوفا من الفضيحة الاجتماعية".
وتبقى الحلول مرهونة بقدرة الحكومات على خلق بيئة صحيحة ومتابعة لتطبيق الاتفاقيات وتوفير بيئة متطلبات العمل لتحقيق طفرة نوعية في مجال حقوق الطفل من أجل الارتقاء بالمستقبل، ولابد من النظرة الاستشرافية لرسم خطوات عملية يتم تحديدها بسقف زمني محدد، تخضع للرقابة الدولية، ولابد من اشتراك الجميع في تحقيق هذا الهدف من المنظمات الداخلية والجهات الرسمية والدينية والتنموية.
اضافةتعليق
التعليقات