لا تكاد تكف الطفلة "رتاج" ذات الثلاثة أعوام عن ترديد العديد من العبارات التي يكون في ظاهرها العناية والأهتمام بأختها "تسنيم" المولودة حديثاً, بينما في باطنها الغيرة وإخفاء نيَّة إلحاق الأذى بها عندما تلعب معها, فكثيراً ما كانت والدتها تُردَّد كلمات الحنان والدلال لمولودتها التي أشعلت نار الغيرة في قلب أختها, فجعلتها بذلك لا تنفك عن محاولة إيذائها بشتى الطرق المُمكنة, فما أن تنشغل والدتها عنها بأمور المنزل حتى تسمع صراخ مولودتها الصغيرة, نتيجة ما فعلته بها أختها الأخرى.
أصبحت أم "رتاج" تلاحظ على أبنتها الآثار السلبية الناتجة عن هذه الغيرة, ومن ذلك فقدان شهيتها للطعام, وانقلاب سلوكها الهادئ إلى النمط العدائي, ولعله من الطبيعي هنا ألاَّ تكون والدة "رتاج" الأم الوحيدة التي تلاحظ هذه الآثار على أطفالها, فغيرة الأطفال من المولود الجديد حالة لا يكاد يخلو منها أيّ بيت, فالطفل الأكبر كان يعيش وحده مدللاً بين والديه لا يشاركه أحد في هذا الدلال, بيد أنَّه بمجرَّد قدوم المولود الجديد يبدأ بفقدان جزء كبير من ذلك؛ فيبدأ حينها بالبحث عمَّا كان يحظى به سابقاً من عناية وتدليل, الأمر الذي قد يُولِّد لديه مشاعر كُره أخيه الصغير, فيحاول حينها إلحاق الضرر به بطريقة غير مباشرة.
"بشرى حياة" ناقشت في ثنايا هذا التحقيق غيرة الأطفال من المولود الجديد وأثر ذلك على نفسيَّة الطفل الأكبر, ودور الأسرة تجاهه ليتمكَّن من تجاوز الآثار النفسيَّة الناتجة عن شعوره بهذه الغيرة, فكان أن خرجنا بالحصيلة التالية:
هاجس كبير:
وقالت "أم مهدي": أنجبتُ الطفل الثاني وكان عمر الطفل الأكبر سنة ونصف, فاشتعلت نار الغيرة لدى مهدي كونه صغير في العمر وحساس جداً, مُضيفةً أن ذلك بات يُشكِّل لها هاجساً كبيراً ويؤثر على نفسيتها بشكل سلبي, مُوضحةً أنِّها حاولت أن ترضي طفلها الأكبر لشعورها بالذنب تجاههُ لأنه لم يكتفِ من حنانها ودلالها والرضاعة الكاملة.
أمر طبيعي:
وأوضحت "أم زينب" أنَّ غيرة الأطفال من المولود الجديد تُعدُّ من الأمور الطبيعيَّة, وعن تجربتها في ذلك بيَّنت إنها تعاني من غيرة طفلتها الأولى من المولود الجديد, لكنها تعاملت معها بحكمة واهتمام كبير كتقديم الهدايا, وقراءة القصص, مستعينة بمعلمتها للحديث معها عن الإخوة كونها تراجعت في الدراسة من شدة الغيرة وأصبحت في حالة عصبية ونفور.
رأي علم النفس:
أكدت الدكتورة رولا الصيداوي ,أخصائية علم النفس, "ولادة طفل جديد في العائلة هو خبر سعيد للوالدين وللأطفال الكبار. أما للأطفال الصغار, فهو ليس كذلك دائماً, إذ يشعر الطفل الصغير بأن المولود الجديد سيسرق المحبة والحنان والدلال منه وسيزاحمهُ في حياته.هذه المشكلة تزداد كلما قل عمر الطفل".
وتنصح الصيداوي الأمهات, بعدم إبلاغ الأطفال الصغار بأن مولوداً جديداً قادم في الطريق إلا عندما يقترب موعد الولادة.
مضيفةً: أن الغيرة بين الأطفال هي حالة إنسانية طبيعية, ولكن عندما تزداد هذه الغيرة لتأخذ اتجاهاً عنيفاً أو شعوراً بالخوف وعدم المساواة, فعلى الوالدين التدخل وأتباع هذه النصائح المفيدة:
- قراءة بعض الكتب للطفل الصغير توضح أهمية أن يكون له أخ أو أخت في حياته وكيف يمكن مشاركة الحياة واللعب معهم.
- يستحسن عدم الخوض في تفاصيل وآلام الولادة, لأن الطفل سيشعر بأن الطفل الجديد يؤذي أمه وقد يدفعه للانتقام منه.
- عدم ترك الأطفال يبحثون عن الأهتمام والدلال الزائد, لأن ذلك قد يجعلهم يطالبون بأهتمام أكثر عند وجود طفل جديد في العائلة.
وقد يشعر الطفل بخوف من ضياع مكتسباته في العائلة بوجود منافس جديد له. على الوالدين في هذه الحالة طمأنة الطفل بأن وجود المولود الجديد لن يغير من محبة ورعايتهما له.
- عدم أستعمال جمل مثل "أخوك الصغير سيلعب معك قريباً كرة القدم وستذهبون سوية يوم غد إلى الملعب", لأن ذلك غير صحيح, والطفل حديث الولادة لا يمكنه عمل ذلك. هذه الجمل قد تجعل الطفل عنيفاً مع الطفل الجديد الذي لم يلبِ تطلعاته في اللعب والخروج معه.
- الغيرة شعور طبيعي بسبب الخوف والغضب من الطفل الجديد. لذلك يجب على الوالدين تفهم هذا الشعور والتجاوب معه بعيداً عن العنف والإقصاء والمعاقبة, والأطفال جميعاً بحاجة للمحبة والحنان من قبل الوالدين.
وعن كيفية التعامل مع غيرة الأطفال من المولود الجديد تذكر الصيداوي هذه النقاط المهمة:
أولاً: شجّعيه على تكوين الصداقات.. تشير الدراسات إلى أن من المحتمل أن يتكيّف الطفل أكثر مع المولود الجديد في حال له صديق واحد مقرب له قبل ولادة طفلك.
ثانياً: عدم تجاهل الطفل, على الرغم من تعدد حاجة الطفل خصوصاً خلال السنة الأولى إلا أنه لا يجب أن تتجاهلي طفلك الأول. لذلك, تأكدي من تذكيره بمدى حبك له وعامليه بالطريقة ذاتها التي كنت تعاملينه من قبل وذكريه أنه لا يزال يلعب دوراً كبيراً في العائلة.
ثالثاً: عدم محورة الأمور كلها حول طفلك الرضيع.
لا يجب على طفلك الأول أن يشعر أن كل ما تقومين به هو من أجل أخيه فقط وليس من أجله. لذلك, تأكدي من تمضية الوقت مع طفلك الأول مثل قراءة القصص التي تتحدث عن الإخوة ويمكنك التأكد من أختيار القصص التي تتمحور حول أهمية الإخوة في العائلة.
رابعاً: يمكنك طلب المساعدة من طفلك عند الاهتمام بشؤون المولود الجديد وتأخذي رأيه عن الثياب التي يمكنه ارتداؤها. في هذه الطريقة, سيشعر طفلك بالحماس وبعد تجاهله أو نسيانه.
يجب أن تسمحي لطفلك بحمل أخيه وتذكيره بأن الأخ هو الصديق الذي سيتفق معه وسيقف بجانبه. ولاتنسي أن إشراك الأطفال الكبار في رعاية الأطفال الصغار كي يتعلموا المسؤولية والحنان والمحبة لإخوانهم الصغار, كأن يعتنوا مثلاً, بإطعامهم أو الجلوس معهم.
خامساً: شراء دمية طفل للأطفال تساعد في بعض الأحيان في تفهم الوضع الجديد.
سادساً: عند زيارة عائلة لها مولود جديد, يفضل تهنئة الأطفال الكبار والصغار معاً, حتى لا يشعر الكبار منهم بالغبن وقلة الاهتمام.
الطفل الأكبر يجب أن يحظى بالرعاية الكافية أيضاً من الوالدين فهو حق له ونستخدم الحكمة في عدم التفريق بين الأخوة.
اضافةتعليق
التعليقات