• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

وقلبي مُسَلَّمُ لَكُمْ.. مسلم بن عوسجة

مروة ناهض / السبت 22 ايلول 2018 / تربية / 2214
شارك الموضوع :

كان قد إحتدم الحُزن في شرايين كربلاء، وأرتدت أزقتها جلباب الحداد، كل شيءُ يشيُر فيها لخطب جليَّ، رجالها، نساءها، شِيبتها، شبابها وأطفالها

كان قد إحتدم الحُزن في شرايين كربلاء، وأرتدت أزقتها جلباب الحداد، كل شيءُ يشيُر فيها لخطب جليَّ، رجالها، نساءها، شِيبتها، شبابها وأطفالها الكلُ يُنبىء عن رزية عُظمى..

إختلف بالإنبساط والانكماش يمينها وشمالها، وبانت عليها علائم الفجيعة..

كنتُ قد حزمتُ أمتعة قلبي وتزودتُ بالزاد الذي سيكون مؤونتي في طريقي بعد أن ودعتُ جميع مسراتي وأهلُ ملذاتي فقد حان الوداع بيني وبينهم..

نعم إنه (المحرم) على القلوب خيَّم بذاك القميص المُتشح بالسواد، ينثرُ الحُزن هنا وهناك..

لابد لي من زيارة تمدني بالقوة، بالمدد لهذا السفر العظيم، سفرٍ سوف لن يخلو من البكاء، الصراخ والعويل، من الحزن المُتفجر في طرقاته..

عزمتُ هذه المرة بزيارة الأنصار فقط، دون العروج على سيدهم الشهيد..

لطالما كانت وقفاتي عندهم طويلة، تسترقُ عيوني من بين ثقوب الشباك الطاهر نظرات مليئة بالاستفهامات والتعجب؟!

ها هي أسماءكم تختلفُ عن الأسماء، تصطفُ كأنها في صلاةِ جماعة واجبة، مأمومة بذلك السيد العظيم..

الأنصار، ولا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، كلمات يترددُ صداها في ربوع قلبي فيهتز لها أيّما إهتزاز..

كيف لسبعون (نفراً) أن يكونوا (أُمّة) تهدي الى الحق!

كيف لهذه الفئة (القليلة) أن تغلب فئة (كبيرة) مُدججة بشتى أنواع السلاح والعتاد النفسي والمادي!

مازالت تساؤلاتي تجرني، حتى توقفت نظراتي عند إسمه، لماذا؟ لا أعلم، ولماذا تنهمرُ دموعي ما أن أصلُ اليه؟ ما زلتُ الى الآن لا أعلم!

ولماذا ما زلتُ عنده أمد كفي ليعطيني بعضاً من (حبه، إخلاصه) لسيده لا أعلم ايضاً؟

إنه مُسلم بن عوسجة سلام الله وسلام ملائكته المقربين على جراحه..

نعم، هو مُسلم القلب والعمل لسيده حتى قضى أول شهيداً في قافلة العِشق..

ولماذا مُسلم؟ وكلهم مُسلم له؟ سأعرف الجواب لاحقاً..

دافع أستوقد في قلبي لأعرف عنه وعن أحواله؟

ماذا كان يعمل حتى نال هذا الشرف العظيم؟

بدأتُ ابحثُ هنا وهناك، علني أجدُ ما يسد رمق جوعي لمعرفته ورغم شحيح الاخبار عنه وعن بقية الإنصار وهذا لعمري اول الظُلم بحقهم، فحواريي سيد الشُهداء مُغيبين عنا وعن كُتبنا بحجج واهية! إلا إني يجب أن أبحث!.

أنه مُسلم عَوسَجة بن سعد بن ثَعلبة بن.. مهلاً! لا يهمني النسب واسماء الأجداد بقدر ما يهمني معرفة ذلك السر العجيب الذي يكمن وراء هذا الحب الاعجب الذي يجعل القلب يُسلَّم نبضه فداءاً دون أدنى تردد؟.

هو من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله الأتقياء، ومن عُبّاد الكوفة ومُلازمي جامعها الأعظم.

أذن هذا يعني أن الطريق الذي يختاره الإنسان مُهماً في تقويم ذاته وسلوكه والسير به أمَّا نحو الهواية أوْ النجاة.

بلى، فحين يجتهد الفرد في صقل ذاته وتصفيتها من الشوائب التي من الممكن أن تجعل بينه وبين المحبوب الاعظم ألف حاجز وحاجز سيصل لمدارج النفس المُطمئنة التي يصبو اليها..

فهذا مُسلم أحب رسول الله فأطاعه فصار لمن أحب مُطيع وتلك والله اوثق عُرى الحب..

إنغمستُ بقراءاتي عنه، عن بطولاته وشهامته، مواقفه التي خلدت موقفاً في تأريخ الأسلام ناصعُ الشرف عظيم المروءة..

إنغمستُ في بطولته في أذربيجان في السنة العشرين  للهجرة، وحين كان غُصن الاسلام فتياً في فتوحاته يحتاج لمن يسقيه، وقف مسلم في يوم (سلق أذربيجان) يرويه ويرويه وكأنه يخبر رسول الله (اطمئن فهذه الروح سأحملها قُرباناً لسبطك وسيتقَّبلها بقبول حسن)، أطمئن ياقرة عين المسلمين لن أسقط هُنا إنما انا موعودُ بأرض غير هذه!.

ما زلتُ في اولى محطات قراءتي مع هذا الشهيد، بلى ما زلتُ في بداية الطريق ولكن عطُر ما تنغمس فيه حروف مُسلم يدلني على مكان آخر، مهلاً فلا زلتُ في البداية، أُريد ان أقرأك بهدوء الإيمان حين يُخالط الدم، بثورة العقيدة حين تثور فتُخلف خلوداً يتحدى الموت!.

أقرأ تارة عن شجاعته في ذلك اليومَ (سلق أذربيجان) حين قَتَل ستّةً من المشركين قبل أن تَتامَّ خيول المسلمين، وأُخرى عن عمِق إتباعه لمولى كل طاهر الولادة مولى الكونين علي إبن ابي طالب سلام الله وصلاته عليه، حقاً يامولاي لا يحبك إلا مؤمن تطهَّرت روحه بزمزم حبك ولا يبغضك إلا منافق تدنَّست روحه بقذارة بُغضك..

ففي ذلك اليوم وحين بان بياض أبطيه ويده مُتشابكة مع يد نفسه نبي الرحمة وهو يُبلغ (من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه) من لزمه نجا ومن تخَّلف عنه هلك، كان مُسلم يُردد في قلبه ولسانه لبيك، لبيك، كان يعلم أنه أختار الطريق الاصعب، الأوحش لقلة سالكيه، يسمع قول النبي الكرم في سيده (عليُّ مع الحق والحقُ مع عليُّ يدور معه حيثما دار).

توقفتُ ها هنا طويلاً ، أ حقاً هناك مُقدمات تُحدد طريقنا وتؤثر فيه؟ وكم هي مهمة حتى نثّبت ولا تزُل قدمنا؟

أرعبتني ان عملاً واحداً لا يكفي، أرعبتني فكرة ان العمل مهما كان يبدو نقياً لا يهم، لا يشفع ان كان خالي من روح الإيمان، تلك الروح التي تمنحنا حصانة ضد الزلل، تُبقينا على جادة الصواب، تعصمنا من الإنحراف..

فهذا شبَثَ بن ربعي عليه لعائن الله وملائكته كان يُقاتل مع مُسلم في يوم (سلق أذربيجان) لنصرة الاسلام!

ولكن أين آل حال شبَثَ؟ وماذا صنَع ولماذا؟

لأن روحه كانت خاوية من طُهر الأيمان، من تلك الولاية التي من دخلّها فقد دخل في حفظ الله..

حينها أستذكرتُ حديث السلسلة الذهبية لمولاي الرضا سلام الله عليه ذلك الحديث الذي لطالما كان يُوقد فيّ نور البصيرة ويمنحني الإيمان بأننا على حق حين قال:

قال الله تعالى، لا إله الا الله حصني فمن دخل حصني أمِنَ عذابي بشرطها وشروطها وأشار اليه).

ما اعظمُ روحك يا مُسلم وقد حفظتَ شرطها وشروطها، أطِعتهُ حتى صُرتَ من حوارييه الذين لايأنسون بغيره، لا تُحلق أرواحهم لغير سماءه..

بلى وهذا الجمل وصفّين والنهروان شاهدُ حيَّ على ذلك الأتباع الخالد..

يُصور اليَّ للحظة، كيف كان حال مُسلم وهو يخوض هذة المعارك لأجل الأسلام والدين؟

كيف كان حاله وهو يُقدم الغالي والنفيس لأجل نصرته؟ أيُعقل ان يمتلك الأنسان هذا الكم العجيب والهائل من الإيمان فيكون كافياً ليُقدم نفسه إبتغاء مرضات الله؟ ولا يُريد سوى الرضا والقُرب!.

حقاً هي والله عبادة الأحرار التي ربّاهم عليها سيدهم ومولاهم علي أبن ابي طالب سلام الله عليه حين أخبرهم أن قوماً عبدوا الله شكراً وتلك عبادة الأحرار، فقد ورّد عنه:

إنَّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التُجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإنّ قوماً عبدوا الله شُكراً فتلك عبادة الأحرار.

هذه العبادة التي أرادها عليَّ لهم، وكأنه يحضرهم لذلك اليوم الموعود اليوم الذي ستكون العبادة فيه بثوب الشهادة المُلطخ بالدماء، بسجدة الشُكر وكأس النبي الاعظم، بتلك الشُربة التي لا ظمأ بعدها..

شارفت محطات إنغماسي بهذا الشهيد ان تصل لمرامها،  لتلك المحطة التي لن أُفارقها..

عاش مُسلم، وهو ينتظر ان تُختم أنفاسه على يد من يحب الله ويحبه الله، كان يُخاطب صفين والنهروان بأن دمائي لن تُعانق أرضكما، ليس هذا يومي الموعود..

في الكوفة كان مُسلم يتألم، ينعصرُ ألماً لما آل اليه حال المُسلمين من الشتات وضياع كلمة الحق، من إتباع الهوى والغرق في المتاهات، يحترقُ حُزنا وهو يراهم قد رجعوا يقتاتون القِدَّ والورق، كان يعلم إنهم يحتاجون لمنقذ (كمحمد) صلى الله عليه واله وسلم ينقذهم من الغواية، ويُبصرهم من العِماية.

كان يعلم أن (حُسين مني وأنا من حُسين) تعني أن حُسيناً لابد أن يقوم لأجل إنقاذهم مثلما قام جده!.

تناول القلم، ثم بدأت تتسارعُ نبضاته:

الى سيدي الحُسين بن علي قُم فينا، وأسرع الينا..

كتبها مُسلم وهو يعلم أن الوعد قد حان لتعَّجن الدماء روحه! ليُعانق تلك الأرض التي لطالما كان ينتظرها..

مُسلم الذي كان مثالاً للمؤمن الذي أطاع إمام زمانه ولم يخرج عن رأيه وطاعته، كان يتحرى شوقاً لنصرته ولكن هذة المرة نُصرة لا تليقُ بها غير الدماء وغير معانقة السيوف..

ينتظرُ وينتظرُ الرد على كتابه، لا شيء اصعب على قلب مُسلم  كلحظات الإنتظار، تلك التي يتجرعُ فيها مرارته بحلاوة الرد، جاء الرد مع سمِيه الأعظم جاء مع نفسُ الحُسين وثقته، مع مُسلم ابن عقيل وياله من رد عظيم لسيد اذا حُيى بتحية رد بأحسن منها..

تهافتت روح مُسلم على سفير سيده، لزمه والتحق به، بل صار (موضع سره وركن ثورته وحركته التي يعتمد عليه) حتى حمل شرف أخذّ البيعة لسيده، كان يرجوهم لكي يجّلوا العمى عن بصائرهم، ليبصروا لذة نصرة سيده تلك اللذة التي لا تُشابهها أي لذة في الكون..

مازلتُ في ذهول، مازلتُ أحاول إستيعاب ما يفعله مُسلم؟ كيف يمكن ان ينام الإيمان بقلب إنسان هكذا مثلما يصنعُ حُب علي وأولاده في قلب مُسلم!

كيف يمكن لقلب ان يكون كزُبر الحديد هكذا؟

كيف يمكنُ ان (يُبالغ في النصيحة ويعطي غاية المجهود) لهذا الحد اللامُتناهي؟!

أكملتُ الطريق اليه، بدأت تتحولُ تلك الشرارة المُتقدة لغُصة، هل أقتربتُ يا مُسلم؟

بلى فها هو مُسلم يخرجُ من الكوفة، لم يُفارق مُسلم ابن عقيل حتى آخر لحظاته..

خرج مُسلم من الكوفة، وصدى خطبة سيده عليُّ تُأذن في أرجاء روحه: أمّا بعد، فأن الجهاد باب من أبواب الله فتحه الله لخاصة أوليائه..

يُخاطب روحه، يمدها بالعزم والإيمان، يُمنيها برؤية سيدها المُنتظر، نعم يا مُسلم قد آن الآوان حي على كربلاء!

يسيرُ مُسلم بزوجته وأبنه، يسيرُ وقد شغلته فكرة كيف ينصرُ سيده؟ ماذا يُقدم؟ وهل تكفي دمائه وهو يتنافس مع أبطالٍ كلُ واحدُ فيهم يتفننُ في نصرته..

يسيرُ ويسيرُ، كان يودُ لو أن له جناحين يختصران المسافة، يودُ لو أن الأرض تُطوى حتى يصل!

يسيرُ مُسلم حتى بدأت فرسه تُبطىء الخُطى!

ما خطبُكِ؟ تُحمحم كأنها تُنبىء عن شيءٍ ما!

أهي كربلاء؟ هل شارفتُ على الوصول؟

توقف، إرتجل نازلاً من فرسه، سجدة على ترابها تناول نفحة منه، قربها اليه، شمها ثُم ضمها لصدره..

نزع خُفه وقف مُنحنياً، إنكَ بالواد المُقدس يامُسلم فأخلع نعليك، وأرتدي لباس الفداء فها هُنا محط سفك دماءك..

أمسك بزمام فرسه وسار ونظراته الى الأسفل كأنها تُعانق رمال كربلاء، وتخبرها ان ترفق بسيده..

تثاقلت نبضات مُسلم، غشيها شيءُ من الرهبة، الخشوع، شيءُ من الجنة، من أنفاس عليُّ وفاطمة..

إرفع رأسك يامُسلم! يخاطب نفسه..

إنه هو!

إرفع رأسك وأنظره!

مُسلم الذي عايش رسول الله وعليَّ الحنان لايقوى على رفع رأسه أمام بقيتهما!

نُطقت تلك الكلمات الحانية التي شتت نبضُ مُسلم، السلامُ عليك يا عماه، السلام عليك يا مُسلم..

أستجمع كل روحه ليرد بها، ليرفع رأسه، ترتعدُ فرائصه، يتصببُ عشقاً، أنه هو! أنه صوته

هو حبيبي الحُسين..

رفع عيناه، ففاضت روحه في ملكوت نوره، وهو يسجدُ على أعتابه، راكعاً تحت أقدامه جُعل مُسلم فداك يامولاي وعليك سلام الله وجدك وأبيك وأُمك وأخيك..

مد ملكوته ليحتضنه، فذراعاهُ  كانتا عرشاً إحتضن قلب مُسلم، ضمه الى صدره، تفجرت في أبهر قلبه حياة أخرى، حياة لا تعرف سوى (الحُسين)، أهلاً بك يا عماه..

هكذا كان اللقاء المُرتقب، وهكذا كانت كربلاء..

مر اليوم الثالث والرابع والخامس من مُحرم، ومُسلم يُخيم عليه الصمت يجترحُ روحه، يحزُ بأوردة كلامه، مابك يا مُسلم؟

لطالما كان يرافقه شيخ الأنصار حبيب بن مظاهر ذو الشيبة البيضاء تلك التي يحبها عليَّاً، يسألهُ ما بك؟ لماذا هذا الصمتُ يا مُسلم؟

الرمالُ تزفرُ بالحرارة ياحبيب، كيف بالحُسين؟ كيف لأقدامه ان تُعانقها؟

العطشُ دخان يحرق القلب ياحبيب كيف بقلب حبيبي إن عطش؟

ماذا أصنعُ يا حبيب؟ هل تكفي روحي بأن أفترشها مداساً لأقدامه؟ هل يكفي دمعي بأن يرتوي منه قلبه الظمآن؟

ياللعجب؟

كيف لروح أن تأنسُ بالموت والفناء هكذا من أجل سيدها؟

 كيف لها ان تندگ هكذا فتصبحُ لا وجود سواه؟

مرت الليلة السابعة، ونظرات مُسلم تُعانق سيدها تمشي حيثما يمشي، يسمعه يكثر من قول إنّا لله وإنّا له راجعون فيعتصرُ مسلم كمداً..

يناظر قسمات وجه محبوبه، يعتريها الذبول والشحوب، تنهمر دموعه..

كيف لهذه الجنة المُترسمة على وجنتيكَ ان يُخالطها التُراب والدماء!

يصرخُ مُسلم لا يقوى على الاستمرار..

بأبي أنت وأمي لا أبقاني الله ليومٍ أراك فيه مهموماً..

تزدحمُ الليالي بأحداثها، القومُ يسيرون نحو مضاجعهم، الخطب أهول من ان يحمله حرف..

ها هي ليلة العاشر جاءت مُسرعة، السبعون فرداً لهم دويَّ كدوي النحل..

جاء السيد الُمبجل، خاطب أخاه وحامل لوائه، أطفىء النور ياأخي..

جلس، ثم بدأ يخطبُ فيهم:

أن القوم يطلبوني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري وهذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجلُ من أهل بيتي..

إختنق مُسلم  تكسَّرت بصدره الغُصات، ضاقت الدُنيا بما رحبت، سأل ربه ان يتمالك دموعه، قام ثم قال:

أنحنُ نُخلّي عنك ولمّا نغدر الله في اداء حقك..

أغمضتُ عيني قليلاً، سالت دموعي، تخيلتُ بتلك التخيُلات المُقصرة،  إرتسم الموقف أمامي، حقاً تمنيتُ لو أن الموت قد أرداني..

ماهذا الخطبُ الجلي يارب؟

حُسينك ينعى نفسه، يرمي بها فداءاً لكَ ولدينك، يقول لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري!!

أحتاجُ دهراً من البصيرة حتى أدركُ معنى هذة العبارة! 

مُسلم يُعلم العالم أجمع من الماضي والحاضر وحتى قيام الدين أيُ حق للحُسين ابن علي علينا!

مُسلم باذلاً فيه مهجته يسأل هل سأفيكَ حقك وحقُ جدك علينا؟

ينادي بأعلى صوته: أما والله، لا ابرح حنى أطعم في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا اُفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك!

يالله!

وهل هناك عهداً أجمل واطهر وأنمى وأكمل من هذا العهد؟

وهو ينادي والله لا أفارقك حتى اموت معك!

هو يعلم أن الموت معه حياة، وان الحياة بدونه موت..

فداك مُسلم وأهل مُسلم لا نُريد شيئاً سوى رؤيتك سالماً..

بزغ فجر اليوم الموعود، والقوم بدأوا يخرجون لمضاجعهم آنسين بالموت كطفل حين يأنسُ بصدر أمه، أخذوا أماكنهم، وقف مُسلم على ميسرة الحُسين بن علي وكأنه أختار ان يكون قريباً على قلبه، ليأنس به، فيلوذ بقربه..

أشتد الشوق في قلب مُسلم، حمل من الأضداد ما حيَّر العقول، فذلك الأسوش المقدام امام الاعداء، حانياً باكياً أمام سيده..

ياقرة عيني، يا عزَ مُسلم أأذن لي بالقتال..

مهلاً، تُرى ما حال قلبه وقد كان يمنحهم أذن الخروج كارهاً؟

أذهب يامُسلم وقاتل دون حرم رسول الله جزاك الله عني خيراً..

نزل ساحة القتال، مُسلحُ بحب سيده، مالئاً عيناه بقسمات وجهه الملكوتية وقد أغمضهم حتى لا يرى غيره، حاملاً طاعته ورضاه سيفاً يطعنُ به كل كفِّار عتيد..

قاتل، وقاتل وقاتل بحجم الحُب والمعرفة بقلبه، بحجم تلك البصيرة العارفة لمولاها، يضربُ فيهم بالسيف، يُصلي رمحه فيهم صلاة الاستسقاء..

يتركهم هُنيئة، يذهبُ فيتزود بالنظر اليه ثم يعود مرة أخرى لساحات الوغى..

مرت الدقائق ومُسلم يُقاتل فيهم، وصوت عدوه ينادي: ثَكَلَتكم أمّهاتُكم! إنّما تَقتلون أنفسَكم بأيديكم، وتُذلّلون أنفسكم لغيركم، وتَفرحون أن يُقتَلَ مِثلُ مسلم بن عوسجة؟! 

مازال يُقاتل، حتى وقعت لشدة القتال غبرة عظيمة، إنجلت تلك الغِبرة، قلبُ الحُسين يناظر!

سقط مُسلم..

ياللخطب الجَّلي! يا ساعد الله قلب الحُسين..

ولكن مُسلم لا يرضى الموت، مازالت نبضاته تواقة لرؤية سيدها، ينتظرُ مجيئه،

جاءه الحبيب الذي لا شبيه سواه بقلبه، وقف عليه يبكي!

أتبكي يا قرة عين الرسول؟ لا أبقاني الله ليومٍ أرى دموعك تنهمر..

ليتني وفيتكُ حقك، ليتني أُردُ اليهم، فأقتلهم وأقاتلُ دونك..

قاطع نظراته التي تُعانق وجه سيده صوت حبيب حين قال:

يا أخي يا مُسلم، لو لم أعلم أني في الاثر لأحببتُ ان تُوصيني بجميع ما اهمك،

حبيب وسيده ينتظر أجابة مُسلم..

مُسلم أبى ان يموت الا بطريقته، رأى ان فصل شهادته يحتاج لخاتمة، رأى أن تضحيته ما زال ينقصها الشيُ الأخير، فأختار ان يُكملها حين رفع ذلك الأصبع المُنغمسُ بدماء العشق، ببطىء شديد يُنبىء عن حاله بتلك اللحظات وجَّهه نحو سيده ثم قال:

(أوصيكَ بهذاً خيراً أن تموت دونه)..

بحق الله وبحق رسوله الاعظم، أي وصف يليق بهذا العشق العظيم؟ أي عقل يمكن له ان يستوعب هذا الفناء في المحبوب؟

اي عظمة تلك التي شغلته عن نفسه ليوصي به؟!

يالله!

لعمري قد فاق بموقفه هذا كل معاني الحب..

أُتمتم بحروفي هذه، والدموع سلاحي الأوحد في طريق الذهول الذي أقفُ فيه..

مولاي يا مُسلم ترى كم عاماً من العقيدة، الإيمان، البصيرة نحتاج كي نصل لمعشار ما وصلت اليه؟

مولاي يامُسلم الحُسين تُردد ألسنتنا ياليتنا كُنا معكم!

هل حقاً نستطيع ان نكون معكم!

أيها الصابر المُحتسب لي أمامُ يفترشُ الغربة، يبكي على سيدك وحبيبك نهارا ومساءاً بدل الدموع دماً، يريدُ من يُعينه على أمره..

وأنا وشيطان الهوى والنفس تُقيدني، سيدي فهلا قتلت هذا الشيطان وأخذت بيدي لأُحشر معك؟

فأني والله أحبكَ وأحب عملك!.

(من كتاب رجال صدقوا، اعداد جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية)
الامام الحسين
كربلاء
عاشوراء
الشهيد
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة

    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟

    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة

    رجاء صادق

    لماذا لا نسقط من السرير أثناء النوم ليلا؟

    آخر القراءات

    وأفلت شمس موسى

    النشر : الخميس 16 شباط 2023
    اخر قراءة : منذ ثانية

    آخر اللَهف حتف

    النشر : الأثنين 24 تموز 2017
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    تباشير الفرح

    النشر : السبت 25 آب 2018
    اخر قراءة : منذ 8 ثواني

    ماالذي يدفع الرجل للزواج الثاني؟

    النشر : الأثنين 05 آذار 2018
    اخر قراءة : منذ 13 ثانية

    قريبا في محرم

    النشر : الأحد 01 ايلول 2019
    اخر قراءة : منذ 17 ثانية

    حواء.. اغرسي بذرة الخير

    النشر : الأربعاء 05 نيسان 2017
    اخر قراءة : منذ 20 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3316 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 426 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 344 مشاهدات

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    • 343 مشاهدات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    • 341 مشاهدات

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    • 306 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3316 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2323 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1341 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1319 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1191 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 853 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي
    • منذ 22 ساعة
    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة
    • منذ 22 ساعة
    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟
    • منذ 22 ساعة
    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة
    • السبت 17 آيار 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة