أسمعتم بصقر ترك التحليق عالياً بين الغيوم ليبقى في الأرض يحفر برجله ويأكل كالدجاجة؟!
يحكى أن رجلاً أهدى للحاكم صقراً من فصيلة متميزة، ففرح الحاكم به كثيراً وسأل وزيره عن رأيه في الصقر فقال: (إنه قد تربى مع الدجاج) فأستغرب الحاكم من كلام الوزير، فطلب الوزير أن يطلق الصقر، فإذا به يحفر الأرض برجليه ليأكل كالدجاج تماماً، وقد كان الوزير لاحظ قبل ذلك أن الصقر ينظر الى الأرض على غير عادة الصقور التي تنظر الى السماء.
هكذا يتحول كلاً منا ليشبه من يجالس ويخالط، ويتجرد من صفاته الخاصة المميزة له.. إذ ان لمن نُحدث ونُرافق تأثير كبير على شخصيتنا وقد لا نلتفت لذلك إلا حين نكون قد تطبعنا تماما بأفكارهم.
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
روي عن نبي الله سليمان (عليه السلام): لا تحكموا على رجل بشئ حتى تنظروا إلى من يصاحب، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه.
وهنا الكلام ليس في تجنب رفاق السوء فهذا أمر بديهي لكل عاقل، وإنما الحديث عن اختيار الافضل فيمن نرافق لما لهم من تأثير في تطوير ذواتنا واكتشاف قدراتنا الابداعية.
لو تسائلنا عن واقعنا: هل نجالس علماء الدين او اننا نخاف جهلنا بتعاليم السماء؟
هل نخالط علماء الكيمياء والفيزياء او اننا نخشى اكتشاف جهلنا بتلك العلوم؟
هل نصاحب المبدعين سواء كانوا مصورين، رسامين، مصممين او كتاب.. او اننا نكتفي بإمكانياتنا واعتقادنا بأنها الافضل؟!
خاصة في زمن مواقع التواصل وظهور بعض الاشخاص النكرات تحت عنوان (مشاهير التواصل الاجتماعي) ابتعدنا كثيراً عن اصحاب المحتوى الابداعي المُفيد، واقتربنا ممن هم بلا هدف، لنرضى الأنا التي في داخلنا ونوهمها انها الافضل!.
هكذا هو واقعنا للأسف، لذلك لا نرى تطور فكري ملحوظ في مجتماعتنا ولا في ذواتنا.
نحن لا نعني في ذلك التقليل من انفسنا وزعزعة الثقة، ولكن ما نحتاجه واقعاً مخالطة الأفضل لتطوير ذواتنا والنهوض بواقعنا..
كلاً منا يرى في نفسه الكفاية من الابداع والتميز، وقد يكون هذا صحيح، ولكن لو اطلعنا على ما عند الآخرين من افكار ابتكارية لوجدنا اننا في الحقيقة نحتاج الى المزيد والمزيد.
من صفات المؤمن علو الهمة وعدم الاكتفاء بما هو عليه الآن.
فقد ورد في دعاء كميل بن زياد المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: (اللهمّ اجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلةً منك وأخصّهم زلفةً لديك)، يكفي أن تكون عبداً مطيعاً لله تعالى لتدخل الجنة وتنعم بالخير الأبدي، ولكن مولانا أمير المؤمنين يعلمنا كيف نرتقي في طلبنا من الله تعالى بأن نكون من احسن عبيده واقربهم منه.
وافضل واكمل من نتقرب منهم لنكون بالمستوى الأعلى هم سادة الكمال سادة البشر محمد وآله الطاهرين.
اضافةتعليق
التعليقات