أذكر جيداً! كنتُ صغيراً، لا علم لي بقوانين الحُب الآ ذلك القانون الذي كانت أُمي تحرص على تكراره مراراً عندي!
أتذكرين أماه!
الحبُ يعني أن تُدمِ وصل الحبيب كل ليلة جمعة مهما حصل!
في ذلك الوقت سألتُكِ: ولماذا ليلة الجمعة؟حينها قلتِ لأنَّ الوصل لا يحلو الآ اذا كان فاطمياً..
آلا تعلم ياولدي أن الصديقَّة الكُبرى تنزلُ بهودجٍ من نور تحفُها الملائك الكرام في ليلة الجمعة عند ولدها المذبوح ظُلماً فتُسجل أسماء تلك القلوب التي تتقلبُ على ضريحه؟ ثُم تبقى لعصر يوم الجمعة..
الآ تحب أنَّ تكون ممن تُسجلهم الفاطم بقرطاس من ذهب على ورق الجنان وتُرصع جبينكَ بـ هذا زائر ولدي الحُسين فأكرموه!
ألآ تعلم ياولدي آنها في الساعات الأخيرة من عصر الجُمعة وعند الرحيل تحمل قارورتها بيدها الطُهر وهي تضجُ بدموع الوالهين، تصنعُ منها تُرياقاً لجراح الحُسين ثم تذهب في ساعة إستجابة..
فأجتهد لتنال النظرة في تلك الساعة..
مازلتُ أذكرُ جيداً وصيتكِ يا أُمي وجئتُ أخبركِ:
بأنَّ القلبَ تلقى كلمات فأتمها ليلتحق بالركب!
أبي، يانور بصري..
أتذَّكرُ جيداً كلماتكَ تلكَ التي لآمست أُذني وأنا ما زلتُ فتيَّ!
أتذكرُ يا أبي حين قُلتَ (بُنيَّ الآ أُعلمك كلمات بها النجاة والفوز؟).
كنتُ متلهفاً لسماع ذلك السر!
أخبرتكَ بوقتها إننَّي مُتلهف إليها..
أتذكرُ حين قُلت: إنَّ السر الذي من خلاله يفتحُ لك التوفيق مصراعيه فتكون منظُوراً ويجري الله الحكمة والبركة على لسانكَ، بدنكَ وعملك هو: باب الله الأوسع الذي من تخلف عنه هلك ومن تمسَّك به نجا..
إنه: الصديَّقة الكبرى..
تذكَّر يابُني أن الحر ما نال تلك النظرة والخاتمة السعيدة لولا إحترامه لسيدة الوجود ومعرفة مقامها الذي يفرضُ على الخلائق أجمع أنَّ تركع عنده!
كنُتَ صادقاً يا أبي جداً.. فـ هُنا في سكني الآمن رأيتُ ما كُنت تقصد، رأيتُ كيف إنَّ الأملاك طوع أمري، تُسبح وتُكبر ثم تكتب أجرها لي! وأيضاً رأيتُ من الآيات الكُبرى ما رأيتَ!.
صغيري يافلذة كبدي.. أعلمُ أن حرارة اليُتم تكوي الضلوع فـ تستنشقُ حُزناً وتزفرُ دمعاً، وأعلمُ إنَّ إنتظار عودة أب لا يعود هي كـ مثل إنسخلاح الروح من الجسد رويداً رويداً..
ولكن أ تذكرُ ذلك النداء الذي سألتني عنه يوماً!
حين قُلت: ماذا يعني من للصغيرة حتى تكبر!
ألم أخبركَ يومها أنَّ الجرحُ لا يواسيه الآ جُرح من نفس فئته وفصيلة دمه!
ألم أخبركَ عندها أنها تعني: إنَّه حآن الوقت للأرتواء من كأس اليُتم حد العطش!
بُني حبيبي ألا أقولُ لك شيئاً؟
سررتُ جداً برؤيتك انت وأخواتكَ في محرم وانت بتلك الخيمة التي تضمُ ثمانون طفلاً يصرخون العطش العطش، واضيعتاه بعدكَ عماه!
كنُتَ وأخواتكَ كـ البدر الساطع وهو يتلحفُ رداء الليل!
ألا أخبركَ كم إنني فخور بكَ وأنا أراك تسيرُ على تلك الخُطى الصغيرة التي تسكنُ الشام إشتياقاً للذي رحل وأيتمها..
زوجتي، رفيقتي وسكني..
أتذكرين مرة حين سألتكِ لو كنتِ في مكان زوجة وهب وإنت تسمعين إستنصار سبط النبي تُرى ما كنتِ صانعة!
أتذَّكرُ جيداً..
كيف إنكِ أطرقتِ برأسكِ قليلاً ودموعكِ تتهادر كاللؤلؤ المنثور ثم قلتِ لي بكل ثبات: وكيف لي نيل ذلك الشرف!
جاءني نداء الشوق ياعزيزتي وإستنصار قلبي لرؤيتة فهل يُعقل التخلف عنه!
الا ترضين أنَّ تُشاركيني تلك الحِظوة!
تلاميذي، أحبائي بل وإخواني في العلم..
أتذكرون تلك الرواية التي كُنا نتناقلها عن مولانا الصادق سلام الله عليه حيثُ قال: (لوددتُ إنَّ أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا).
أنا ما زلتُ أتذكرها جيداً..
عندها أخبرتكم بأن لا عذر لنا ونحنُ عند جده مدينة العلم..
أحبائي أعلمُ أن رحلة العلم رحلة شاقة مليئة بالصعاب ولكن يستحضرني دوماً قول مولانا أمير المؤمنين لـ كُميل وهو يقول له: يا كُميل ما من حركة الآ وأنتَ تحتاج فيها لمعرفة!
الآن رأيتُ يا إعزائي الذي يريد الله له خيراً يقذفُ بقلبه حب التعلم فـ عن جدي أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، فقّهه في الدين، وألهمه اليقين..
إعلموا إنكم في دنُيا زائلة لا بد لكم من العمل واليقين حتى تنالوا النجاة..
أنا هُنا، أجلسُ مجلسه فيحيي قلبي بذكره..
أنا بخير، جواداً عند جدي الحُسين ومُكرماً عند مولاتي فاطم الطُهر..
أنا هُنا ما زلتُ أقرأ صبيحة كل يوم ذلك العهد المُقام في القلب أنتظرُ أنَّ أخرجْ من قبري مُؤتزراً كفني شاهراً سيفي مُجرداً قناتي مُلبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي: اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغُرة الحميدة، اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغُرة الحميدة..
أنا هُنا بخيرٍ حيثُ لا خوفُ عليَّ ولا أنا ممن يحزنون!.
اضافةتعليق
التعليقات