لطالما ارتكزت البشرية منذ بداية خلقتها على جانبين يعاكسن بعضيهما بالصفة والهدفية كالأسود والأبيض، الخير والشر، الحق والباطل..
فالحق هو صفة حميدة وأصل الهدفية منه هو نشر كل ما هو خير وصلاح في العالم يعاكسه على الطرف الآخر الباطل، الذي يعد صفة سيئة يهدف إلى نشر الفساد أينما حل.
وبالتأكيد يختلف حجم الباطل والحق مع اختلاف حجم المجتمعات والشخوص، فهنالك باطل يقتصر على الانسان نفسه وقد تراه يمتد على مستوى الأسرة حتى يكبر ويتعمق ليصل إلى جذور المجتمعات وينخر أمة كاملة.
وهنالك حق ينبع من شخص واحد ويؤثر على أخلاقياته وسلوكياته، وقد يتطور ليتوزع شرارته على مستوى الأسرة، وهنالك حق آخر يعمل به على مستوى المجتمعات والأمم.
فأينما وجد الحق وجد الباطل، فمثلما هنالك أديان وأنبياء وكتب سماوية ترشدنا إلى طريق الله، هنالك أيضا جنود مجندة من الشياطين تسوقنا إلى جادة الهلاك والنار.
وعلى مر العصور تمثل الباطل واستفحل في المجتمعات من خلال شخصيات أرادت الدمار لهذا الكون وحاولت انتزاع الخير من صميم البشرية بأي ثمن، فسكفت الدماء وقتلت الأرواح ونهبت وسرقت وفعلت أبشع الجرائم بحق الانسانية من أجل مبتغاها الأسود.
فشخصيات كفرعون وهتلر وجنكيزخان وصدام حسين، وصولا إلى ترامب وغيره من الشخصيات التي تساوم على أرواح الناس وتقتل الشعوب البريئة تمثل رموزا للباطل، وتجسد مصداقا حقيقيا للشر..
والمصداق الحقيقي للخير لا يحارب الحق إنما يحارب نقيضه،، فعندما نجد الحق يحارب شخصا أو أمة يجب أن نشخص بأن الجهة الثانية التي تعادي الحق هي جهة الباطل.
فيزيد الذي تجسد بالباطل في يوم عاشوراء قد حارب الحق كله الذي تمثل بالامام الحسين عليه السلام، فمثلما كان ولا يزال يزيد رمزا للباطل إلى يومنا هذا، أيضا الامام الحسين عليه السلام مثل رمزا إنسانيا للحق، فهل من الممكن أن يصدر من الشخصية التي تمثل الرمز الإنساني للحق أمرا باطلا؟ بالتأكيد لا.
إذ يستحيل خلط الباطل بالحق في شخصية واحدة، لكن أحيانا قد يظهر الباطل على هيئة الحق، وهذا ما لعب عليه معاوية عندما وهم الناس بأنه مصداقا للحق، والامام علي عليه السلام هو الباطل، وشغل اعلامه الكاذب في تصوير أمورا باطلة عن الامام عليه السلام، فوقعوا الناس في فخ الضلال، وتاهوا في دوامة الباطل، لكن البصيرة هنا تأتي لترفع الغشاء عن المؤمن الحقيقي وتوضح له الحقائق كما هي حتى لا يكون ضحية الاعلام الضال، من خلال معرفة الفرد لإمام زمانه وتشخيص الرموز الانسانية التي تمثل المصداق الحقيقي للحق ومعرفة تكاليفه الشرعية واطاعة أمر هذه الرموز التي لا يصدر منها الباطل ولا يخالف لها أمر.
فإذا كنت قد شاهدت الرسول يرفع يد علي ويقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فكيف من الممكن أن أصدق بعدها أخبار تتناقلها الناس على ألسنة رجال معاوية؟
وإذا كنت قد شاهدت صواريخ ترامب كيف تقصف أطفال اليمن الأبرياء كيف سأصدق بيانا يخرج من البيت الأبيض يتحدث عن السلام والإنسانية والحب بين الشعوب وإصلاح الأمم!
ومهما تعلقت الأمور بالمصالح يبقى الباطل باطلا ويبقى الحق حقا إلى يوم القيامة ولا يمكن الانسان أن يجمع بين الأمرين مهما حصل، ولا يعمل بالحق إلاّ بعدما يضع الله بين عينيه، ويعمل بتكليفه ويحارب الباطل حتى وإن كان بمفرده أمام جيش كبير، فالإمام الحسين عندما خرج على يزيد لم يخرج من أجل مصلحة أو ثأر شخصي إنما خرج ضد الرمز الإنساني للباطل!، وقد صدق الامام عندما قال: (ألا ترون الحق لا يعمل به؟، وإن الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا).
اضافةتعليق
التعليقات